ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأيام التي تلت المفاوضات بين مجموعة 5+1 (التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة وألمانيا) وإيران لمناقشة برنامجها النووي، ظهرت للعالم سلسلة طويلة من المواجهات. ومن جِهتهم، جادل المفاوضون الإيرانيون بأنه نظرا لإلغاء الاتفاق النووي لجميع العقوبات النووية ضد إيران فإن اللغة المعتمدة في قرار مجلس الأمن لسنة 2010 ضد برنامج الصواريخ الإيراني ينبغي أن تتأثر عندما يصدر مجلس الأمن قرارًا جديدًا يؤيد الاتفاق النووي.
علاوة على ذلك، جادل الإيرانيون بأنه يجدر بهم اعتبار خطاب القرار عقوبات نووية نظرًا لاعتباره القذائف آليةً محتملةً لتوصيل المواد النووية. ولكن لا توافق الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الأمر باعتبارها خصما لإيران على المستوى الجيوسياسي. وفي حين انحاز حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون إلى صف واشنطن، وقفت روسيا والصين إلى جانب طهران.
لقد أدت هذه الانشقاقات بين حلفاء وأعداء إيران إلى التوصل إلى حل وسط يضع حدا للجدل الحالي القائم حول البرنامج الإيراني الصاروخي وبرنامج مركبات إطلاق الأقمار الاصطناعية. وعقب اختبار إيران لهذه المركبات في الأسابيع القليلة الماضية، عمل عدد من الخبراء على تقييم الأبعاد الفنية والقانونية للوضع الحالي، لكن مازال العالم بحاجة إلى فهم القضايا السياسية المهمة التي تشكل أساس هذه المناقشة لوضع تلك القيم المساهمات في النقاش في السياق المناسب.
نظرة معمقة على التسوية
يشير الحل الوسط الذي توصلت إليه الدول في إطار اتفاقها النووي إلى أن القرار الجديد الذي يؤيد الاتفاق، والذي يُعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، سيعالج برنامج الصواريخ الإيراني، لكن القرارات والتغييرات المهمة ستجرى بالمقارنة مع قرار سنة 2010 الذي يحل محله. وينص قرار مجلس الأمن عدد 1929 الذي تم استبداله الآن على ما يلي:
في ظل استخدام اللغة السابقة، نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الضغط على الأمم المتحدة لتقرير تقييمها لإيران بناء على تعريفها للصواريخ الباليستية بأنها صواريخ يبلغ مداها 300 كيلومتر وقادرة على حمل وزن يصل إلى 500 كيلوغرام، وذلك بالتوافق مع ما ينص عليه نظام تحكم تكنولوجيا القذائف
من المقرر أن إيران لا تستطيع ممارسة أي نشاط له صلة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية، بما في ذلك الإطلاق باعتماد تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، ويجب على الدول اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع نقل التكنولوجيا أو المساعدة التقنية ذات الصلة إلى إيران”.
في المقابل، يقول القرار الجديد عدد 2231 الذي حل محله:
“إيران مدعوة إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية، بما في ذلك عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وذلك طوال ثماني سنوات من تبني خطة العمل الشاملة المشتركة أو حتى حلول اليوم الذي تقدم فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية “خلاصتها الأوسع”. ويعتمد ذلك على التاريخ الأسبق بينهما”.
يمكن تبين العديد من الاختلافات الرئيسية على مستوى اللغة الجديدة، حيث وقع استبدال مصطلح “يقرر”، في إطار لغة ملزمة تشير إلى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يطلب من الأعضاء تنفيذ قرارات مجلس الأمن، بعبارة “يدعو إلى”. بموجب ذلك، لا وجود لتفويض ملزم يشير إلى إمكانية خرق إيران للقواعد بشكل نظري، مع العلم أن القرار الجديد يقدم شرط انتهاء الصلاحية أيضا.
إلى جانب ذلك، طرأ تغيير خطير آخر أيضا حيث وقع تغيير قسم “الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية” بقسم “الصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على حمل الأسلحة النووية”. وفي ظل استخدام اللغة السابقة، نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الضغط على الأمم المتحدة لتقرير تقييمها لإيران بناء على تعريفها للصواريخ الباليستية بأنها صواريخ يبلغ مداها 300 كيلومتر وقادرة على حمل وزن يصل إلى 500 كيلوغرام، وذلك بالتوافق مع ما ينص عليه نظام تحكم تكنولوجيا القذائف.
لا يعد نظام تحكم تكنولوجيا القذائف بمثابة اتفاقية دولية، بل نظاما لمراقبة الصادرات يمكن وصفه بناد خاص أو اتفاقا سياسيا غير رسمي يجمع بين 35 دولة قادرة على إطلاق الصواريخ
حسب رأي الخبراء، يعد اختبار أي صاروخ من هذه الفئة انتهاكا. وفي حين دافع بعضهم عن تعريف نظام تحكم تكنولوجيا القذائف باعتباره “المعيار الدولي السائد”، لطالما جادلت إيران بأن نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف نفسه يفتقر إلى المستوى المطلوب من الشرعية الدولية.
لا يعد نظام تحكم تكنولوجيا القذائف بمثابة اتفاقية دولية، بل نظاما لمراقبة الصادرات يمكن وصفه بناد خاص أو اتفاقا سياسيا غير رسمي يجمع بين 35 دولة قادرة على إطلاق الصواريخ، يكون لأعضائها مصلحة في احتكار هذه التكنولوجيا الحساسة. لكن إيران ليست من أعضائه. لذلك، إن معاملة إيران بصفتها هيئة تنظيمية أو مصدرا مستقلا للخبرة مشكلة إلى حد ما، فاللغة المستخدمة في هذا القرار تبين أسباب وجود هذه الاعتراضات. ووفقا للخبراء والمسؤولون الروس، فإنه للتأكد مما إذا كان الصاروخ “مصمما” ليكون سلاحا نوويا، فإن ذلك يتطلب البت في نوايا استخدامه ولا يمكن معرفة ذلك ببساطة من خلال فحص كفاءته العامة.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار المستبدِل ألغى أي إشارة محددة إلى مركبات إطلاق الأقمار الاصطناعية الحاملة للأقمار الصناعية. وحيال هذا الشأن، ادعت الولايات المتحدة أن مركبات إطلاق الأقمار الاصطناعية الحاملة للأقمار الصناعية الإيرانية تشكل خطرا لأنها تستخدم تكنولوجيا متطابقة تقريبا وقابلة للتبديل مع تلك المستخدمة في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
اختلف العديد من خبراء مراقبة الأسلحة وعدم الانتشار مع موقف بومبيو. وخلال تقييم أجري مؤخرا، دعا الباحث في معهد الدراسات الدولية مايكل إليمان إلى أن الفكرة القائلة إن الاختبار الذي يتم باستخدام تقنية سيمورغ يمكن أن يزود إيران بصواريخ عابرة للقارات “مضللة”؛ نظرا لأن القيام بعمليات إطلاق “لن يقصر إلى حد كبير الوقت أو يخفض النفقات اللازمة لإنشاء صاروخ طويل المدى يمكن استخدامه عسكريًا”.
عدم الاعتراف بالقرار عدد 2231
على الرغم من قضية الصواريخ التي أثيرت في سياق استخدامها المحتمل كآلية لتوصيل الأسلحة النووية، فإن تنفيذ إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة لم يحدّ أبدا من الاعتراضات الغربية. فعندما اختبرت إيران صاروخًا باليستيًا بعد صدور القرار عدد 2231، كتبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تدعي فيها أن إيران تتحدى القرار الجديد لأن الصاروخ الذي تم اختباره “قادر بحكم طبيعته على حمل الأسلحة النووية”.
القرار الذي وقع استبداله، كان بمثابة حل وسط يمثل الترتيب السياسي أكثر من كونه مجرد نظرة موحدة بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذين يتمتعون بحق الفيتو
على الرغم من انتهاك الولايات المتحدة للقرار الذي تم استبداله من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي، إلا أنها أعربت عن رفضها للنشاطات النووية التي تقوم بها إيران. وفي الفترة الأخيرة، زعم بومبيو أن القرار عدد 2231 “يدعو النظام الإيراني إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية”. لكن، كما هو موضح أعلاه، تعكس هذه الادعاءات اللغة المستخدمة في القرار عدد 1929 الذي تم استبداله وليس القرار عدد 2231.
لقد كانت وسائل الإعلام الأمريكية متحيِّزة بشكل مبالغ فيه لوزارة الخارجية. فبعد التغطية الإعلامية التي قامت بها صحيفة واشنطن بوست، ورويترز، ووكالة الأسوشيتد برس، وذا هيل لتصريحات بومبيو ظلت تردد كلماته التي تدعو إلى إعادة صياغة اللغة المستخدمة في القرار الذي وقع استبداله، وأن القرار يعارض القيام بأي نشاط باليستي فقط.
كما أوضحنا، فإن القرار الذي وقع استبداله، كان بمثابة حل وسط يمثل الترتيب السياسي أكثر من كونه مجرد نظرة موحدة بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذين يتمتعون بحق الفيتو. لقد كان واضحا أن البلدان الغربية لم تكن راضية عن النتيجة التي أُجبروا على تقبلها، لكن مطالبهم ببساطة لا تدعمها اللغة المعتمد حديثا عند اتخاذ القرار، سواء في الخطاب أو في المحتوى.
التصريحات الأوروبية توضح موقفها كمدافع موضوعي عن الاستقرار والحد من الأسلحة، فإن محاذاتها في الصراع على السلطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط يشكل ملامح هذه المناقشة إلى حد أكبر
في الوقت الراهن، يبدو أن كلا الطرفين في مأزق كبير فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة المشرفة على التنفيذ تقريرا صرحت فيه بأن التجارب الإيرانية تهدد الروح البناءة لخطة العمل الشاملة المشتركة. ولكن الأمر يرجع إلى مجلس الأمن فيما يتعلق بتفسير اللغة، مما يجعل إمكانية إجراء روسيا والصين لمتابعة في المستقبل أمرا مستبعدا. ومن المرجح أن تواصل إيران إجراء تجاربها الصاروخية، ومن المرجح أيضا أن تستمر الولايات المتحدة والأوروبيون في الاعتراض على هذا الأمر. في هذه الأثناء، سيعزز وابل التهديدات الخفية الذي تسلطه الولايات المتحدة ضد إيران، إلى جانب حملتها الأوسع نطاقا، دور الصواريخ في تعزيز قوة الردع الإيرانية.
الحزبية تقوّض المصداقية
في حين أن التصريحات الأوروبية توضح موقفها كمدافع موضوعي عن الاستقرار والحد من الأسلحة، فإن محاذاتها في الصراع على السلطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط يشكل ملامح هذه المناقشة إلى حد أكبر. وغالبا ما يُعتقد أن الدعم الذي تقدمه الصين وروسيا للموقف الإيراني هو بمثابة حيلة للاستفادة من عمليات نقل الأسلحة، لكن تدخلهما في المنطقة رغم إثارته للجدل ليس على نفس القدر من الحزبية كما هو الحال مع مجموعة الدول الغربية 5+1 التي ترتبط ارتباطا وثيقا بـ”إسرائيل” والمملكة العربية السعودية وغيرها من القوى السنية. وتجدر الإشارة إلى أن الدور المباشر لأوروبا (أو موافقتها) على صنع الأسلحة النووية في المنطقة قد مكن خصوم إيران من إنشاء أنظمة متقدمة لصنع الأسلحة، بما في ذلك القذائف وأسلحة الدمار الشامل.
لقد طورت “إسرائيل” أسلحة نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات بفضل الدعم الأوروبي، بينما اقتنت المملكة العربية السعودية صواريخ متطورة من الصين يبلغ نطاقها 2500 كيلومتر، كما أنها في خضم إبرام اتفاقية شراء تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم النووي من الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، أصرت واشنطن، حتى خلال فترة إدارة أوباما، على أن احتكار إيران لتطوير هذه التكنولوجيا هو فقط ذريعة لتسليحها باليورانيوم.
من أجل تحقيق تسوية مؤقتة مع إيران بشأن الصواريخ، يتوجب على القادة الأوروبيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون مساعدة حلفائهم، أهل السنة والإسرائيليين، على التفوق في الشرق الأوسط أو تقبل حقيقة أن إيران هي أيضًا عنصر ثابت في المنطقة وذو مصالح وتأثيرات مشروعة
في الواقع، أصبحت أوروبا تمثل طريقا لتدفق كبير من أنظمة الأسلحة المتقدمة في المنطقة. بينما أصبح الشرق الأوسط، الذي يملأه الصراع، سوق الأسلحة الأكثر ربحًا في العالم، كما أن الشركات والحكومات الغربية قد تماشت بقوة مع هذه الظاهرة المزعزعة للاستقرار.
ببساطة، تضطلع أوروبا بدور الناشط عن حسن النية في مجال منع الانتشار النووي لإيران، ولكن هذا الدور قد قُوض بسبب تجارة الأسلحة بينها وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا السياق، تصف إيران السياسة الأوروبية بأنها محاولة لتقييد قدرتها على تطوير نظام دفاع صاروخي بسعر بخس، تاركة خصوم إيران في غنى عن استغلال التفوق العسكري النوعي الخاص بهم، بينما تساعد حلفاءها على تطوير طموحاتهم في الهيمنة، على غرار المملكة العربية السعودية.
من أجل تحقيق تسوية مؤقتة مع إيران بشأن الصواريخ، يتوجب على القادة الأوروبيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون مساعدة حلفائهم، أهل السنة والإسرائيليين، على التفوق في الشرق الأوسط أو تقبل حقيقة أن إيران هي أيضًا عنصر ثابت في المنطقة وذو مصالح وتأثيرات مشروعة. ومن شأن هذه التأثيرات أن تساعد إيران على إيجاد هيكل أمني أكثر استقرارًا في المنطقة، وهي نقطة هامة في ما يتعلق بالمصالح الأمنية للعديد من الجهات الفاعلة في المنطقة.
منذ الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، حاول المسؤولون الأمريكيون الحد من الاختلافات القائمة بينهم وبين القوى الأوروبية التي كانت تكتيكية وليست استراتيجية. ولكن هذا التحليل يعد تبسيطا مبالغا فيه لأن الأوروبيين لا يزالون يعتبرون خطة العمل الشاملة المشتركة دعامة لا غنى عنها لدعم النظام العالمي للحد من الانتشار النووي. لكن في ظل بروز الدراما المحيطة بالتطورات الأمنية في المنطقة، فإن إطار عمل السياسة المتشعبة في أوروبا يسلط الضوء على مجموعة من السياسات التي تجسد حالات إبراز القوة الأمريكية.
المصدر: ناشيونال انترست