يحق لنحو 13 حزبًا تركيًا المشاركة في الانتخابات البلدية المزمع عقدها في 31 من مارس القادم وفيما ترجح كفة 5 من هذه الأحزاب للفوز برئاسة بلدية على الأقل، فإن اصطفافات بعض الأحزاب المتبقية قد يكون لها أثر على النتيجة النهائية رغم أنها لن تفوز برئاسة أي بلدية على الأغلب، ومن هذه الأحزاب حزب اليسار الديمقراطي التركي الذي ظهر على الأجندة من جديد خلال الأيام الماضية.
حزب اليسار الديمقراطي ليس حزبًا جديدًا، فقد تأسس على يد سياسيين من يسار الوسط بزعامة بولنت أجاويد في 14 من ديسمبر/كانون الأول 1985، كما أنه لم يكن حزبًا على هامش الحياة السياسية، فرغم أنه لم يظهر على أجندة السياسة الداخلية التركية منذ سنوات فقد شكل عام 1999 قمة قوته السياسية بحصوله على 136 مقعدًا في البرلمان، ثم أصابته نكسة بعد وفاة زعيمه بولنت أجاويد.
يعتبر حزب اليسار الديمقراطي امتدادًا لحزب الشعب الجمهوري، فقد كان بولنت أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري من مايو 1972 حتى أكتوبر 1980 هو مؤسس وزعيم حزب اليسار الديمقراطي من سبتمبر 1987 حتى 1988
وفيما يتعلق بالخط الأيديولوجي للحزب فإن أهم ما اتفق عليه في وصف الحزب أنه حزب أتاتوركي، وقد وصف أيضًا بأنه حزب سياسي قومي يساري تركي، أتاتوركي علماني متشدد، ومن اسمه فهو محسوب على اليسار من ناحية فكرية إلا أنه قومي علماني متشدد، ولعل النقطة المهمة أيضًا فيما وصف به الحزب أنه ليس صاحب خط أيديولوجي صارم ولعل هذا ما قد يعطي لنا بعض المعاني في محاولة فهم سلوك الحزب الحاليّ، ويشار هنا كمثال إلى تحالف مؤسس الحزب (بولنت أجاويد عندما كان رئيسًا لحزب الشعب الجمهوري ) مع حزب السلامة بقيادة أركان لتشكيل الحكومة عام 1974.
يعتبر حزب اليسار الديمقراطي امتداد لحزب الشعب الجمهوري، فقد كان بولنت أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري من مايو 1972 حتى أكتوبر 1980 هو مؤسس وزعيم حزب اليسار الديمقراطي من سبتمبر 1987 حتى 1988 ثم من 1989 حتى يوليو 2004 .
زج ببولنت أجاويد في السجن عام 1980 بعد انقلاب عام 1980 فقد أسس بولنت أجاويد حزب اليسار الديمقراطي عام 1987، لكن الحزب تعرض لفشل كبير في أول انتخابات تشريعية خاضها عام 1987 لعدم دخوله البرلمان بسبب حصوله فقط على نسبة 8.5% من الأصوات، لكنه عاد في انتخابات 1991 وحصل على سبعة مقاعد في البرلمان بحصوله على 11% من الأصوات، وحاول زعيم الحزب توحيد اليسار تحت رايته لكن فشل في ذلك.
اعتبرت عملية اعتقال عبد الله أوجلان نقطة إيجابية لحزب اليسار الديمقراطي، فقد كانت مواجهة الحزب للنائب مروة قاوقجي ومنعها من أداء القسم البرلماني بحجابها نقطة سلبية أثرت عليه وأفقدته الكثير من الأصوات
تصاعدت شعبية حزب اليسار الديمقراطي، وحصل في انتخابات 1995 على نسبة 14.64% وفاز بـ75 مقعدًا في البرلمان في فترة شكل فيها حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر، لكنها سرعان ما سقطت وشارك حزب اليسار الديمقراطي في حكومة ائتلافية موالية حتى انتخابات 1999.
في هذه الفترة تم القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان مما رفع شعبية الحزب حيث حصل في انتخابات 1999 على المركز الأول بنسبة 22% بما يعادل 136 مقعدًا، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الوطن الأم لكن الأزمة الاقتصادية التي ألمت بتركيا في 2001 أفقدت الحكومة شعبيتها وأغلبيتها في البرلمان.
وفيما اعتبرت عملية اعتقال عبد الله أوجلان نقطة إيجابية لحزب اليسار الديمقراطي، فقد كانت مواجهة الحزب للنائب مروة قاوقجي ومنعها من أداء القسم البرلماني بحجابها نقطة سلبية أثرت عليه وأفقدته الكثير من الأصوات، إضافة إلى مرض أجاويد وخروج عدد من نواب الحزب وتأسيسهم لحزب جديد ثم وفاة أجاويد تدهورت حالة الحزب وحصل في انتخابات 2001 على أقل من 1% وظل على هذه الحال حتى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
مع بدء الأحزاب وخاصة حزب الشعب الجمهوري – الذي يعد الحزب الذي انبثق عنه حزب اليسار الديمقراطي – التحضير للانتخابات البلدية وبدء المشاورات لاختيار المرشحين، كان هناك العديد من الشخصيات التي تبوأت مواقع في رئاسة البلديات ترنو لأن يرشحها حزب الشعب لكن الحزب كانت له حسابات أخرى خاصة مع تحالفه مع الحزب الجيد وبالتالي فقد أعلن حزب اليسار الديمقراطي أنه سيقدم مرشحين من هؤلاء لرئاسة البلديات في عدد كبير من البلديات ولعل أشهر هؤلاء المرشحين هم مصطفى صاريغول مرشح حزب الشعب الجمهوري لبلدية إسطنبول في انتخابات 2014، حيث سيرشحه الحزب الديمقراطي لبلدية شيشلي داخل إسطنبول ورئيس بلدية أدرنة السابق حدي صدفجي ورئيس بلدية كارس السابق نايف علي بيه أوغلو ورئيس بلدية مرمريس علي أجار ورئيس بلدية عنتاب السابق جلال دوغان، ويخوض حاليًّا مباحثات مع رئيس بلدية تشانكايا السابق علي حيدر يلماز وآخرين، في بلديات مهمة بإسطنبول مثل أفجيلار وبكركوي.
لعل أسباب عودة حزب اليسار للأجندة السياسية ليست متعلقة فقط بخلافات بشأن المرشحين بل بشعور حزب اليسار بالمنافسة على تمثيل اليسار من جديد بعد فشل حزب الشعب الجمهوري لفترة طويلة
لا شك أن دخول حزب اليسار الديمقراطي بمرشحين للانتخابات البلدية خبر جيد لحزب العدالة والتنمية، فمن المنتظر أن يسحب حزب اليسار أصواتًا من حزب الشعب الجمهوري، وكلما زاد عدد مرشحي حزب اليسار زادت فرص حزب العدالة والتنمية.
لعل أسباب عودة حزب اليسار للأجندة السياسية ليست متعلقة فقط بخلافات بشأن المرشحين بل بشعور حزب اليسار بالمنافسة على تمثيل اليسار من جديد بعد فشل حزب الشعب الجمهوري لفترة طويلة وباحتمالات حدوث تطورات دراماتيكية لدى حزب الشعب حال فشله مرة أخرى في الانتخابات القادمة.