كلما تقدمنا في العمر والحياة تقدمت الإنجازات والإسهامات الحياتية في العالم أجمع، وبناءً على هذه التغييرات تتطور حياتنا العصرية طبقًا لتماشيها وتطبيقها لهذه التكنولوجيا، ونحن الآن ننفذ بالفعل هذه النظرية، بعد أن غزت الهواتف النقالة حياتنا كلها، وقد كانت شيئًا غير شائع من قبل، نجد عصر التكنولوجيا الرقمية يسيطر علينا بامتياز، فحياتنا كلها أصبحت مرتبطة بالإنترنت والهواتف والحواسيب النقالة، كل جديد نعرفه من خلالها وكل مميز ننتظره عن طريقها، الأخبار ونتائج الامتحانات وأخبار الطقس بل وحتى عروض التسوق الجديدة لمتاجرنا المفضلة نعرفها من الإنترنت.
إن تحدثت كشابة عشرينية ولدت في تسعينيات القرن الماضي، يمكنني أن أصف الوضع بأنني شاهدة على تغير أوضاع العصر وتطورها التكنولوجي، فبينما نحن نكبر ونتغير، تغيرت معنا الحياة بشكلها التقليدي، عاصرنا أجهزة “الأتاري” و”ألعاب الفيديو” و”أفلام الفيديو” في أشكالها البدائية الأولى، وتطورت الأوضاع وشهدنا في طفولتنا هاتف “سوني إريكسون” بشاشته الصفراء إلى أن تطور الوضع لما نحن عليه الآن، إذ أصبحت كل هواتفنا تعمل باللمس.
طفل اليوم يولد ويجد التابلت والآيفون في انتظاره، وبدلًا من الرقابة الأبوية سابقًا التي كانت تمنع وتحظر وجود هواتف نقالة في أيدينا في وقت مبكر، وهو ما يوازي المرحلة الإعدادية غالبًا، أصبحت هذه القاعدة مستنثناه وأقل جمودًا
كما شهدنا موجة اجتياح أجهزة الكمبيوتر بأنواعها وتطورها، أي باختصار كنا شاهدين على مرحلة تطورية وتصاعدية ولم نظهر على الحياة وقد وجدنا آباءنا يعلموننا اللعب وتعلم الأرقام على الأي باد والتابلت، ولهذا فنحن نُقدر ونعي الكثير من المعاني المرتبطة بوجودنا الواقعي المنفصل عن أي نوع من أنواع التكنولوجيا، فنحن نشتاق لألعابنا المدرسية ولطفولتنا المنزوية بعيدًا وسط عالم الازدحام الإلكتروني.
ماذا يعني أن تُولد في عصر رقمي؟
خطابي هنا مقتصر على فئة محددة وهي فئة الأطفال الذين يولدون وينمون حاليًّا وحياتهم القادمة ستشهد حيزًا أكبر من التطورات التكنولوجية العالمية والمحلية، وبالتالي ستكون هناك تأثيرات كبيرة للتكنولوجيا على حياتهم منها ما هو ضار وما هو مفيد، فطفل اليوم يولد ويجد التابلت والآيفون في انتظاره، وبدلًا من الرقابة الأبوية سابقًا التي كانت تمنع وتحظر وجود هواتف نقالة في أيدينا في وقت مبكر، وهو ما يوازي المرحلة الإعدادية غالبًا، أصبحت هذه القاعدة مستنثناه وأقل جمودًا، فطفل اليوم ليس لديه جوال فقط وهو في المرحلة الابتدائية بل نجد أن لديه عددًا من حسابات التواصل الاجتماعي المتنوعة دون رقابة أو وعي كاف من الآباء لمعرفة مدى خطورة ذلك.
حياتنا اليوم معتمدة على الإنترنت والأجهزة الذكية، وهذه هي القاعدة التي يرتكز عليها الجيل الحديث التي سيُبنى عليها فيما بعد، مع الوقت سنجد أن هناك ضريبة باهظة الثمن تدفعها هذه الأجيال وهي الاستسهال، إذ توفر التكنولوجيا أسهل التقنيات للأطفال وتقدم لهم كل شيء على طبق من ذهب دون أي مجهود، وهذا يجعل الطفل لا يرغب في التعب أو القيام بأي خطوات جادة.
إن تحدثنا بموضوعية عن دور الآله الحاسبة في حياة الأطفال وتعليمهم، والكبار كذلك، سنجد أنها سلاح ذو حدين، ومدى الاستفادة من هذا الاختراع يكمن في طريقة استعماله لها ومعرفته بها، فمن الممكن أن يستخدمها الطفل في مرحلته الابتدائية ونجدها تدمر عقليته ولا يعرف كيف يحسب أو يعمل عقله بشكل حسابي، بينما يمكن أن يكتشفها الطفل بعد أن يكبر قليلًا ويعرف جدول الضرب، وبهذا يكون الأهل قد نجحوا في تعليم ابنهم لها.
إن قارننا مواليد الستينيات والسبعينات وتتبعنا أعمارهم مقابل جيل التسعينيات والألفية الجديدة سنجد أنه كلما تقدمت بنا الحياة وزادت التكنولوجيا، أي أصبحت أكثر راحة، كانوا أكثر عرضة للأمراض والموت المبكر والأعمال القصيرة بشكل أكثر
أما إن جئنا للمقارنة أو التشبيه بين حالة الآلة الحاسبة والتكنولوجيا الحديثة، فيمكن أن نقول إن هذا التشبيه يشبه المسدس اللعبة والدبابة! فلا فارق ولا تشبيه بين الاثنين وخطورة التكنولوجيا أعمق بكثير، فالتكنولوجيا مرتبطة بنواحي الحياة كلها وليست مرتبطة بجانب واحد يمكننا أن نطبقه على الجانب العقلي فقط مثلًا، لا فالتكنولوجيا الآن مرتبطة بالحياة الأساسية وليست الرفاهيات فقط، في السابق كانت الغسالة العادية تفرض على النساء نمطًا عاديًا من الحياة وتلزم النساء بطاقات معينة ليتمكن من العمل ومعرفة متطلبات المنزل.
ولكن بعد أن ظهرت الغسالات الأوتوماتيك، ارتبطت بها السيدات وأصبحت أساسية في كل المنازل، وهنا أنا لا أعيب على التكنولوجيا، ولكن ظهورها وارتباطها بفكرة الراحة أفقد النساء جهدًا بدنيًا كبيرًا أصبح غير موجود، ومع وجود أمثال كثيرة لهذه التطورات نجد أن مبدأها شيء واحد فقط وهو تسهيل حياة الإنسان إلى أن يصبح الشيء العادي يرهقه ويتعبه وبالتالي يجعله أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
ويمكننا أن نتحدث عن مثال قديم بعض الشيء ولكنه يصيب كبد الحقيقة، وهو مقارنة الحياة قبل اختراع الهاتف الأرضي، كنا نجد اختراعات مثل التلغراف والفاكس والبريد العادي الذي يضطر الفرد بالضرورة إلى الخروج من بيته ليفعل ذلك، ليكون أكثر نشاطًا بدلًا من الاستسهال.
بشكل عام يمكننا أن نقول إن للتكنولوجيا ضريبة باهظة لا ندركها جميعًا، ولكن أغلبنا يدفع ثمنها وهو لا يدري، فالاعتماد الكلي على التكنولوجيا يجعل منا أفراد هشة قدراتهم محدودة وتكاسلهم أكبر، لهذا فإن قارننا مواليد الستينيات والسبعينيات وتتبعنا أعمارهم مقابل جيل التسعينيات والألفية الجديدة سنجد أنه كلما تقدمت بنا الحياة وزادت التكنولوجيا، أي أصبحت أكثر راحة، كانوا أكثر عرضة للأمراض والموت المبكر والأعمال القصيرة بشكل أكثر، كما أكدت الكثير من الأبحاث ارتباط التكنولوجيا التقدمية بالاكتئاب والشعور بالفراغ والقلق النفسي، لهذا علينا أن نضع حدًا لتحكم التكنولوجيا بنا وسيطرتها علينا، وعلينا أن ننبه أولادنا ونوجههم لذلك بشكل سليم منذ البداية.