كيف نفهم الجذور النفسية والاجتماعية للتنافس بين النساء؟

kobieta-w-pracy

يُعتبر التنافس جزءًا من الطبيعة البشرية، سواء كان الدافع له مقصودًا أم غير ذلك. ما يعني أنّ الميل إلى الانخراط في المنافسة، سواء بين الجنسين أو بين الجنس الواحد، هو جزء من تركيبتنا الوراثية وميّزة من ميّزات الثقافة البشرية على مرّ السنين. وواحدة من الموضوعات الأكثر جدلًا هي الطبيعة التنافسية بين الجنسين من جهة، وبين أفراد الجنس الواحد من جهةٍ أخرى.

تكثر الأقاويل فيما يتعلّق بالتنافس بين النساء، خاصة وأنّ الكثير منها يركّز على الجوانب السلبية فقط. إذ كثيرًا ما تسمع أنّ النساء لا يجدن العمل سويةً، أو أنهنّ لا يقبلنَ بامرأةٍ أخرى لتكون مديرةً عليهنّ، أو أنهنّ عادةً ما يسعين إلى الانتقاص والحطّ من مكانة أخرياتٍ من حولهنّ سواء بالكلام السيء أو الغيبة أو القيل والقال أو غيرها من الأساليب غير المباشرة الأخرى.

تاريخٌ قديم: التنافس كشكل من أشكال النجاة والبقاء

من حيث الطرق التنافسية التي تتبعها المرأة، تشير إحدى الدراسات إلى أنّ المرأة أكثر حساسيةً للإقصاء أو الاستبعاد الاجتماعي من الرجل، وعندما تشعر بأنّ ثمّة ما يهدّدها قد تكون ردّة فعلها الأولى هي استبعاد طرف ثالث اجتماعيًا. تشرح الدراسة أنّ الإقصاء الاجتماعيّ يمثّل استراتيجية مهمّة بالنسبة للنساء لأنه يسمح لهنّ بحماية مكانتهنّ وعلاقاتهنّ عن طريق استبعاد الجهات الأخرى بعيدًا عنهن.

أمّا عن اختلاف الطرق التي يتّبعها كلٌّ من الجنسين في المنافسة، فتؤكّد الدراسة على أنّ الرجال غالبًا ما يميلون إلى الطرق المباشرة كالأساليب الجسدية على سبيل المثال، في حين أنّ النساء يعتمدن بشكلٍ أكبر على  أشكال عدوانية غير مباشرة، مثل الاستبعاد الاجتماعي والغيبة والقيل والقال والحسد وما إلى ذلك. ولو تتبّعنا الأمر رجوعًا إلى الطبيعة الأولى لكلّ من الرجل والمرأة، لوجدنا أنّ علم النفس التطوّري قد يقدّم لنا إجابات مُقنعة.

تطوّرت طبيعة المرأة التنافسية بهدف حماية فرصها بالحصول على الأمان والاستثمار الذي يقدّمه الشريك الجنسي للعلاقة ولها.  وتشمل تلك السلوكيات التجاهل والاستبعاد الاجتماعي ونشر الشائعات والنميمة وانتقاد المظهر.

فوفقًا لعالم النفس التطوّري ديفيد بوس، فإنّ التنافس بين الجنسين يأخذ شكلين أساسيّين: تعزيز الذات والانتقاص من المنافِس. ومن هنا، يتنافس الرجال ويروّجون لقدراتهم الجسدية ووضعهم الاجتماعي لتعزيز ذواتهم أمام النساء، فيما تتنافس النساء ويملن إلى تعزيز شبابهنّ وجاذبيّتهنّ الجسدية والسمات الأنثوية لتعزيز ذواتهنّ أمام الرجال. 

يحاول الرجال تخطي منافسيهم عن طريق الانتقاص من قوتهم الاقتصادية والجسدية، في حين تلجأ النساء إلى أساليب تنافسية غير مباشرة للانتقاص من المنافسات الأُخريات، وذلك بهدف الحدّ من الفرص التي قد يتمتّع بها المنافس في جذب انتباه الجنس الآخر. وبتعبيرٍ آخر، تطوّرت طبيعة المرأة التنافسية بهدف حماية فرصها بالحصول على الأمان والاستثمار الذي يقدّمه الشريك الجنسي للعلاقة ولها.  وتشمل تلك السلوكيات التجاهل والاستبعاد الاجتماعي ونشر الشائعات والنميمة وانتقاد المظهر.

أثبتت الدراسات أنّه خلال فترات الإباضة وارتفاع هرمون الإستروجين عند النساء، تزيد المنافسة فيما بينهنّ

كما تتبّع النساء إضافةً إلى ذلك العديد من استراتيجيّات تعزيز الذات والترويج لها بحيث تبدو المرأة أفضل حالًا مقارنةً بالنساء الأخريات المنافسات لها، مثل الاهتمام بالمظهر واللباس والجراحات التجميلية واتّباع أساليب إنقاص الوزن أو الحفاظ عليه واستخدام مستحضرات التجميل، وغيرها الكثير من الأساليب والتكتيكات المتّبعة التي يمكن أنْ تحدث فرقًا وتثبت فعاليّتها.

وتأكيدًا على الأصل التطوّري للتنافس الأنثوي، وجدت ماريان فيشر في دراستها عام 2014 أنّه خلال فترات الإباضة وارتفاع هرمون الإستروجين عند النساء، تزيد المنافسة فيما بينهنّ. تابعت فيشر التعليقات التي تُطلقها مجموعة من النساء المشاركات في الدراسة تجاه نساءٍ أخريات من محيطهنّ، وقد وجدت بالفعل أنّ ارتفاع هرمون الإستروجين يرتبط بالتعليقات السلبية واتّباع أساليب عدوانية غير مباشرة تجاه غيرهنّ. فيما وجدت دراسة آخر أنّ النساء الأصغر سنًا يملن إلى أنْ يمتلكن مستويات أعلى من التنافس مقارنةً بالنساء الأكبر سنًّا ممّن يعتبرن ذوات خصوبة منخفضة.

 المجتمعات الذكورية تخلق التنافس السلبيّ بين النساء

يرى علم النفس النسائي الحديث بأنّ التنافس بين الإناث لا يحدث بسبب الضرورات البيولوجية والجنسية للمرأة وحسب، بل يتأثر أيضًا بواسطة الآليات الاجتماعية. ووفقًا لهذه النظريّة، فإن التنافس بين النساء يُعزى أساسًا إلى أنّ المجتمعات الأبويّة قد لعبت دورًا كبيرًا وواضحًا فيه وأثّرت عليه.

ترفض العديد من النساء الاعتراف بأنّ التهديد الحقيقي لإنجازهنّ وسلطتهنّ ومكانتهنّ وهويتهنّ الفردية والاجتماعية يأتي من النساء الأخريات من حولهنّ، بل هو المؤسسة الذكورية التي تسيطر عليهن.

ما يعني أنّ النساء في المجتمعات التي يهيمن عليها الذكور، يجدن أنفسهنّ تحت شراك منظور الرجل وحُكمه ورأيه، وبينما تفكر النساء في أن الرجال هم مصدر القوة والقوة والإنجاز والهوية، فإنهنّ يصبحن مجبورات على التنافس مع النساء الأخريات لإثبات ذواتهنّ أمام مصدر القوّة، الرجال.

بتعبيرٍ آخر، عملت هذه المجتمعات، عن طريق خلقها لبيئة صعبة وضاغطة تُملي توقّعاتها على المرأة وترفع معايير وجودها وإثباتها لذاتها، على وضع المرأة في موضعٍ تجد نفسها فيه بحاجة إلى النضال والمجاهدة من أجل أنْ تصبح نُسخة “أكثر مثالية” من نفسها حتى تستطيع تحقيق ذاتها أمام غيرها، لا سيّما من الذكور، ممّا يؤدّي إلى خلق بيئة غير صحية وعدائية من المنافسة بينها وبين النساء لأخريات.

في المجتمعات الذكورية، تجد المرأة نفسها مجبَرةً على التنافس مع النساء الأخريات لإثبات ذاتها أمام مصدر القوّة، الرجال

وقد عملت الحركات النسوية الحديثة على تعزيز هذه النظرية التي تؤكّد على الحد الفاصل بين البيولوجيا والسوسيولوجيا، بحيث أنّها تعترف أنّنا كثدييات نميل إلى التنافس على الجنس والموارد، إلّا أنّ بنيتنا الاجتماعية المعقّدة تؤثّر أيضًا على البيولوجيا المتأصّلة فينا بطرقٍ عديدة.

إذ يفترض الخطاب النسوي النظرية القائلة بأن العديد من النساء قد يعانين ممّا أسماه كارل ماركس “الوعي الزائف” الذي جادل من خلاله بأنّ الطبقة الاجتماعية المهيمنة تعمل على تحريض أفراد الطبقات الدنيا ضدّ بعضهم البعض باعتبارهم أعداء، في حين أنّ الطبقة المهيمنة هي العدوّ الحقيقي.

فبحسب ماركس، فإنّ عامل المصنع الذي يقتنع بأنّ عدوه هو عامل آخر يبحث عن وظيفة، يمتلك وعيًا زائفًا لأنه لا يعي ولا يدرك أنّ العدوّ الحقيقيّ هو صاحب المصنع الذي يحرّض العمال ضد بعضهم البعض. ووفقًا لهذه النظرية، ترفض العديد من النساء الاعتراف بأنّ التهديد الحقيقي لإنجازهنّ وسلطتهنّ ومكانتهنّ وهويتهنّ الفردية والاجتماعية يأتي من النساء الأخريات من حولهنّ، بل هو المؤسسة الذكورية التي تسيطر عليهن. ومن إدراك هذه النقطة تحديدًا، قد يصبح أسهل علينا أنْ نتخلّص من مكوّناتنا البيولوجية وعاداتنا الاجتماعية السلبية التي سيطرت علينا لعقودٍ طويلة فيما يتعلّق بالمرأة وبالتنافس بين النساء في مختلف مجالات الحياة.