من المثير للاستغراب أن نسمع قصصًا عن آبائنا وأجدادنا الذين ظلوا في وظيفة واحدة طوال حياتهم المهنية مقارنة مع وقتنا الحاليّ الذي أصبح فيه هذا الأمر نادرًا، فمن المألوف للغاية أن يبدل موظفو جيل الألفية مكان العمل عدة مرات خلال مسيرتهم الوظيفية وفي سنوات قليلة، ما جعل بعض أرباب العمل يشعرون بالقلق بشأن مدى وفاء موظفيهم واستقرار أعمالهم، فما الذي يدفع هذا الجيل إلى القفز من وظيفة لأخرى؟ وكيف تؤثر هذه الخطوة على مستقبله المهني سواء بالإيجاب أم السلب؟
لماذا نغادر وظائفنا بهذه السرعة؟
أجرت شركة “ديلويت” للخدمات المالية استطلاع رأي لأكثر من ألف شخص من أبناء جيل الألفية في 36 دولة ووجدت أن 43% منهم يخططون لترك وظائفهم الحاليّة في غضون عامين و28% فقط يفكرون في البقاء لمدة 5 سنوات، ووفقًا للدراسة الاستقصائية ذاتها، خلصت النتائج أن الدخل المادي لم يعزز هذا التوجه وإنما يعود السبب إلى فقدان جيل الألفية الذين يعملون في منظمات كبيرة في القطاع الخاص الثقة في أخلاقيات هذه المؤسسات.
فلقد انخفضت الثقة بنسبة 17% للذين يعتقدون أن الشركات تتصرف بطريقة أخلاقية في سوق العمل، وزادت نسبة من يرون أن تركيز شركاتهم ينصب على أجنداتهم الخاصة وليس على المصلحة الاجتماعية، ما يعني أن المزيد من الألفيين سيغادرون مكان العمل إذا لم يكن يهتم بالعوامل الاجتماعية والأخلاقية، كما أفاد 51% منهم أنهم يعتقدون أن شركاتهم تهتم بالأرباح، وهذا يعني أيضًا أن فكرة أن المال يستطيع شراء الالتزام بين جيل الألفية هي خطأ.
فوفقًا لبونيت رينجين، الرئيس التنفيذي لشركة “ديلويت جلوبال” فإن: “نتائج استطلاع هذا العام تشير إلى أن التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية والجيوسياسية السريعة في العام الماضي كان لها تأثير على آراء جيل الألفية، ويجب أن تكون هذه دعوة للاستيقاظ للقادة ورجال الأعمال الذين وضعوا مبالغ عالية جدًا على جداول أعمال شركاتهم دون النظر إلى مساهماتهم في المجتمع ككل”، مشيرًا إلى ضرورة تحديد الطرق التي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على المجتمعات التي تعمل بها، والتركيز على قضايا مثل التنوع والإدماج والمرونة إذا أرادوا كسب ثقة وولاء العمال الألفيين.
إلى جانب ذلك، يعتقد موظفو جيل الألفية أنهم سيفوتون فرص العمل الواعدة إذا التزموا بما يعرفونه وأن البقاء لفترة طويلة في العمل يمكن أن يعيق أيضًا فرص التوظيف المستقبلية لديهم وقد يعطي انطباعًا بأنهم غير مهتمين بتنمية حياتهم المهنية، كما يمكن أن يدفع أصحاب العمل إلى الاعتقاد بأنهم لا يملكون المرونة والقدرة على الانفتاح على أدوار وتجارب مهنية جديدة، وبذلك تكون هذه التفسيرات أثبتت عكس الأقاويل التي اتهمت جيل الألفية بالكسل وسرعة الضجر وقلة الالتزام والإخلاص وتعزز الفكرة القائلة بأنهم لا يهتمون بمعايير النجاح التقليدية.
هل نطارد المزيد من المال؟
يبين استطلاع “لينكد إن” أن العديد من الموظفين الشباب على استعداد للقبول بأجور مخفضة مقابل الحصول على وظيفة مناسبة لا سيما إذا لم يكن هناك أجواء عمل إيجابية في البيئة الأولى أو إذا لم تكن تطابق ثقافته وقيمه، ولكن في الوقت ذاته، تثبت الأرقام الواردة عن حلول التكنولوجيا القانونية (LTS)، أن تغيير الوظيفة يسمح للعامل بالحصول على زيادة في الأجر بنسبة 8 إلى 10% وفي بعض الأحيان قد تصل إلى 20% في الوظيفة الجديدة ولكن هذا لا ينفي أن هناك عوامل أخرى تجعله يتطلع لاستكشاف أماكن جديدة وخاصةً أن جيل الألفية يتزوجون وينجبون أطفالًا في وقت متأخر عن الأجيال الأخرى، ما يجعلهم غير مرتبطين بالمسؤوليات واحتمالات التنقل التي ربما أجبرت العمال الآخرين على البقاء في وظيفة واحدة لطول العمر.
الشركات الحاليّة توفر أجواء عمل مرنة وذات امتيازات عديدة كتقديم الطعام والمشروبات ولكنها مع ذلك خيبت آمال العديد من الشباب بسبب عدم التفاتها إلى إستراتيجيات أكثر عمقًا بما يفكر به جيل الألفية مثل الاهتمام أكثر بتدريبهم وتطوير قدراتهم المهنية
يضاف إلى ذلك، أن وصمة العار والنظرة السلبية التي كانت تصاحب عادة التنقل لم تعد منتشرة أو شائعة، فوفقًا لمسح أجرته صحيفة روبرت هاف، فإن غالبية المهنيين (64%) يعتبرون التغييرات الوظيفية كل عام مفيدة، خاصةً عندما يكون المرتب الأعلى جزءًا من النقلة، وذلك مقارنة مع 45% من الذين امتلكوا نفس النظرة قبل أربع سنوات.
وفيما يخص دور الشركات وأصحاب العمل، يقول سيدني فينكلشتين، الخبير في علوم الإدارة، إن الشركات الحاليّة توفر أجواء عمل مرنة وذات امتيازات عديدة كتقديم الطعام والمشروبات خلال ساعات العمل ولكنها مع ذلك خيبت آمال العديد من الشباب العاملين وسيدوم الحال على هذا المنوال إذا لم تلتفت إلى إستراتيجيات أكثر عمقًا وارتباطًا بما يفكر به جيل الألفية، مثل الاهتمام أكثر بتعليمهم في أثناء العمل وتنمية قدراتهم المهنية وتطويرها، أكثر من التركيز على منحهم مراكز وظيفية أعلى ومسؤوليات أكبر، وذلك من خلال منحهم التدريبات اللازمة للتعلم وإعطائهم فرصة للإبداع والخروج عن المعايير التقليدية، فمن الطبيعي أن يلملم العاملون أمتعتهم ويغادرون المكتب إذا لم يجدوا ما لا يرضي طموحاتهم وتطلعاتهم.
بصفة عامة، لا شك أن وقت الرحيل سيأتي آجلًا أم عاجلًا، ولكن من المهم أيضًا أن لا يؤدي تغيير الوظائف إلى وضعك في آخر الصف بسبب سجلك المهني الذي يظهر أنك غيرت 10 وظائف في 10 سنوات، فهي فكرة مرعبة جدًا لأي شركة تبحث عن موظف، ولذلك يجب أن تكون الاستقالة ضمن خطة وخيارات واضحة النتائج والعواقب، والأفضل – كما يقول الخبراء – أن تتعامل مع التنقل بين الوظائف مثل دواء الأسبرين، القليل منه مفيد وصحي والكثير يمكن أن يكون سيئًا حقًا لك.
واعتبارًا لذلك، يجب أيضًا قياس نبض السوق، فإذا كان هناك نقص في المواهب في السوق، فمن المرجح جدًا أن تجد الكثير من فرص العمل ولكن عندما تكون المواهب متاحة، فمن الأفضل أن تنظر إلى خطة الاستقرار والانتظار، وبشكل عام من المفضل أن تسأل نفسك الأسئلة الصحيحة عن متطلباتك والتوقيت الذي تستقيل فيه وتأثيره على سيرتك الذاتية.