ترجمة حفصة جودة
كتب مريم صافي ومقدسة يورش
أعلن الرئيس الأمريكي ترامب انسحاب قوات الولايات المتحدة الوشيك من أفغانستان، وقال السفير زلماي خليل زاد إن أمريكا وطالبان اتفقا مبدئيًا على إطار للعمل الذي وصفه كلاهما بأنه قفزة كبيرة تجاه إنهاء الحرب في أفغانستان، لكن هذا الانسحاب الأمريكي المتسرع يعرض مستقبل المكاسب الأفغانية للخطر مثل الحقوق الدستورية وحرية المواطنة والمؤسسات الديموقراطية، ويجب أن تدرك الولايات المتحدة أن غياب الحرب وحدها -التي هي محور المحادثات الجارية – لا يعني بالضرورة حدوث السلام في أفغانستان.
تجاوزت محادثات خليل زاد مع طالبان وعلامات الانسحاب الأمريكي العديد من الأصوات الأفغانية وزادت من مخاوف الفئات الضعيفة مثل النساء والأقليات والمجتمع المدني، بشأن فقدان الأمن والحريات التي وفرتها لهم الديموقراطية الأفغانية الشابة.
فبالنسبة لامرأة مثل غزال حبيب يار – التي كانت حتى وقت قريب نائب وزير – تبدو هذه المحادثات مثيرة للقلق، تقول غزال: “إنني أرغب في السلام مثل بقية الأفغان، لكن عندما سمعت بالاتفاقية تذكرت الأيام التي لم أتمكن فيها من الذهاب إلى المدرسة تحت حكم طالبان، لا أريد أن يحدث ذلك لأطفالي ولبقية الأطفال الأفغان”.
أرجأ خليل زاد التساؤلات المتعلقة بالحقوق المدينة وحرية الصحافة معللًا بأنها مسألة داخلية، التي هي نفسها يحيط بها الغموض، فنحن لا نعلم الممثلين المحليين وكيف سيتم ضمان الشمولية، هذه المخاوف عززتها عدم مرونة طالبان وتعليقات رئيس مفاوضيهم شير محمد عباس الذي قال في حوار أجُري مؤخرًا: “مستقبل البلاد سيخضع لإمارة أفغانستان الإسلامية”.
قالت طالبان إن النساء يمكنهن شغل أي منصب سياسي سوى منصب الرئيس
أما الانسحاب الأمريكي فهو مشروط فقط بضمان عدم استخدام الجماعات المسلحة لأراضي أفغانستان في أنشطة تعارض المصالح الأمريكية، مما يعكس اليأس الأمريكي، فمن دون ضمان لحماية مكتسبات الـ17 عامًا الماضية، هذه المحادثات سوف تمهد فقط الطريق لترسم طالبان سياستها بطريقة تخالف القيم الديموقراطية، تلك التي كافح الأمريكان وشركاؤهم الدوليون لحمايتها وتعزيز حقوق المرأة والحريات منذ عام 2001.
هذه المخاوف تعززها تصريحات طالبان في محادثات موسكو، حيث طالبت بتغيير دستور البلاد، لكن أحد قادة طالبان أعلن في موسكو أن الجماعة لن تمنع النساء الأفغانيات من الذهاب إلى المدارس والجامعات والعمل، ووفقًا للنساء الأفغانيات اللاتي حضرن محادثات موسكو فإن طالبان قالت إن النساء يمكنهن شغل أي منصب سياسي سوى منصب الرئيس.
تعتقد غيزال هاريس – أحد المفوضين في اللجنة المستقلة للإشراف على الدستور – أنه من الضروري ألا يتم المساس بالحقوق الدستورية في أثناء مفاوضات السلام، فهناك إجماع سياسي واجتماعي واسع على الدستور.
هناك شعور متزايد بين الأفغان بأن مخاوفهم ما زالت ثانوية في محادثات أمريكا وطالبان، فبالنسبة لشهرزد أكبر – ناشطة سياسية في كابل – لكي تكون تلك المحادثات ناجحة يجب أن تؤدي إلى مفاوضات مباشرة بين طالبان والأطراف الفاعلة في أفغانستان وهم: الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنساء والشباب وممثلي ضحايا النزاع.
تقول مرام: “أخشى إذا عادت طالبان ألا أتمكن من عزف الموسيقى مجددًا
يجب ألا تهتم تلك المحادثات بالدستور فقط بل بتحول طالبان لحركة سياسية ونزع سلاح مقاتليها والعدالة الانتقالية وتنمية ما بعد الحرب، وفي ضوء هذه المطالب فأي انسحاب أمريكي يجب أن يكون تدريجيًا، وأن يرتبط بقدرة الأمن الأفغاني على الحد من المخاطر المحتملة في حال اعتراض طالبان على اتفاقية السلام أو من أي جماعات إرهابية إقليمية أو دولية أخرى.
يجب أن تتفق إستراتيجية الخروج مع أولويات التنمية الأفغانية في البنية التحتية الأساسية والزراعة والصناعات الاستخراجية وتنمية القطاع الخاص ورأس المال البشري للمساعدة في توليد عائدات أكبر واستكمال تقديم الخدمات وخلق وظائف طويلة المدى.
وينبغي على شركاء أفغانستان الدوليين أن يلتزموا بالمساعدات الإنمائية الرسمية التي يقدمونها حاليًّا – مثل 15.2 مليار دولار تم التعهد بها في بروكسل من عام 2016 وحتى 2020 – والتعهد بدعم نزع سلاح مقاتلي طالبان وضمهم للحياة المدنية.
يجب تنفيذ الاتفاقات تحت رقابة طرف ثالث محايد
من الضروري أن نضع في اعتبارنا الاستفادة من فشل الجهود السابقة المشابهة مثل برنامج “بدايات جديدة” من عام 2003 وحتى 2005، وبرنامج “حل الجماعات المسلحة غير القانونية” من عام 2006 وحتى 2007 وبرنامج “السلام وإعادة الإندماج” بين عامي 2010 و2016.
للوصول إلى سلام دائم يجب أن يكون انسحاب القوات وعملية التفاوض وأي تنفيذ لاتفاقات محتملة تحت رقابة طرف ثالث محايد مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي حيث يمكنه إنشاء آلية تضمن قيام جميع الأطراف بالتزاماتها.
قام الاتحاد الأوروبي الذي يملك خبرات في عمليات السلام بكولومبيا وآتشيه وبصفته مانحًا كبيرًا لأفغانستان، بعرض دعمه لضمان تحقيق عملية السلام ودعم تنفيذها بطريقة عملية، ونظرًا للدوافع المحلية والخارجية المعقدة للصراع، فلا يجب الاستخفاف بالتحديات التي تواجه تحقيق سلام دائم في أفغانستان.
فالسلام هو مطلب كل أفغاني، لكن الرغبة في وقف سفك الدماء لن تكون مقبولة على حساب الديموقراطية الوليدة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية الصحافة والمجتمع المدني النابض بالحياة.
المصدر: نيويورك تايمز