يترقب الشارع الجزائري بحذر ما سيحدث الجمعة 22 فبراير شباط، بعد أن راجت في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية دعوات لتنظيم مسيرات الجمعة مناهضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يعاني صعوبات صحية لولاية خامسة، وسط تساؤلات حول من يقف وراء هذه الدعوات في ظل بقاء المعارضة بعيدة عن هذا الحراك الالكتروني.
ورغم مكوثه في كرسي الرئاسة لعشرين سنة، يتمسك بوتفليقة الذي لم يخاطب شعبه جهرا خلال الولاية الحالية ولو مرة واحدة بالترشح من جديد، مستعينا بدعم أحزاب التحالف الرئاسي التي تقول إنه الوحيد الذي بإمكانه قيادة البلاد كما يجب خلال الفترة الحالية التي تعيشها الجزائر، وتتميز برهانات داخلية وخارجية حاسمة، لكن المعارضة ترى أن خلفية هذا الدعم هدفه استمرار استفادة محيط الرئيس بوتفليقة من امتيازات لا تعد وتحصى جعلت قضايا الفساد أمرا شبه عادي في السنوات الأخيرة.
تحضيرات
يبقى من يقف وراء مسيرة وقف الولاية الخامسة لبوتفليقة غير معروف حتى الآن سواء كان شخصا أو جهة معينة، بالنظر إلى أن هذه الدعوة راجت في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن عرفت عدة ولايات في البلاد مسيرات حاشدة تستنكر قرار الرئيس بوتفليقة المتعلق بالترشح لولاية خامسة رغم المصاعب التي عرفتها البلاد في ولايته الرابعة.
طالب المحتجون بوقف مخاطرة الولاية الخامسة مرددين شعارات مناهضة للنظام الحاكم، ومعتبرين الولاية الخامسة عارا سيؤدي بالبلاد إلى نفق مظلم.
وأعلن بوتفليقة نادر الظهور في 10 فبراير شباط الجاري ترشحه لرئاسيات 18 إبريل نيسان المقبل تلبية لمناشدات مؤيديه، ووعد بإصلاحات عميقة في السياسة والاقتصاد.
ودفع هذا القرار بعدة مواطنين إلى الخروج إلى الشارع، فكانت البداية بمدينة خراطة التابعة لولاية بجاية شرق الجزائر والمنتمية لمنطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية، والمعروفة باحتجاجاتها المستمرة ضد سياسة النظام.
وطالب المحتجون بوقف مخاطرة الولاية الخامسة مرددين شعارات مناهضة للنظام الحاكم، ومعتبرين الولاية الخامسة عارا سيؤدي بالبلاد إلى نفق مظلم.
وقبل ذلك، شهدت ولايات وهران وتيزي وزو وبرج بوعريرج هي الأخرى مسيرات مناهضة للولاية الخامسة لبوتفليقة، لتخمد هذه الاحتجاجات قليلا، لكنها بحر هذا الأسبوع بولاية خنشلة شرق البلاد بعد أن منع رئيس البلدية تجمعا للمرشح المحتمل للرئاسيات رشيد نكاز.
ونكاز هو ناشط سياسي عاش معظم حياته في فرنسا، وعُرف بدفعه غرامات المنقبات في أوروبا، وعاد للبلاد قبل رئاسيات 2014، ومن وقتها صار تحركه لافتا للانتباه بحضوره الدائم في مواقع التواصل الاجتماعي وإقامته مسيرات متواصلة لتوعية الشباب.
تكمن أهمية مسيرة الجمعة في كونها ستشمل عدة ولايات في مقدمتها عاصمة البلاد التي يبقى أي نشاط بها ذا رمزية خاصة كونه سيكون بالقرب من المقرات الرئيسية للدولة
واستطاع نكاز أن يجمع الآلاف حوله في خنشلة ويحبط قرار رئيس البلدية الذي تحدى المواطنين بمنعهم من الاقتراب من مقر البلدية لإمضاء استمارات ترشح نكاز للرئاسيات، حيث يلزم قانون الانتخابات المترشح للرئاسيات بجمع 60 ألف توقيع للمواطنين يؤيدون ترشيحه لقبول ملفه من قبل المجلس الدستوري.
وتطورت المواجهات بسب قرار رئيس البلدية لتتحول إلى مسيرة حاشدة تم فيه إنزال صورة الرئيس بوتفليقة من على مقر البلدية، كما تم ترديد هتافات تندد بتشبث رئيس الجمهورية بالترشح لولاية خامسة.
وتكمن أهمية مسيرة الجمعة في كونها ستشمل عدة ولايات في مقدمتها عاصمة البلاد التي يبقى أي نشاط بها ذا رمزية خاصة كونه سيكون بالقرب من المقرات الرئيسية للدولة كرئاسة الجمهورية والحكومة والوزارات.
تجارب غير مشجعة
بالنظر إلى تاريخ الاحتجاجات المطالبة بإحداث تغييرات في البلاد، لا تميل الكفة لصالح من يدعون لمسيرة الجمعة 22 فبراير شباط، فباستثناء مظاهرات 5 أكتوبر 1988 التي تبعتها إصلاحات تمثلت في تطليق النظام الاشتراكي والارتماء في حضن الرأسمالية الهجينة من خلال إقرار تعددية سياسية وإعلامية واقتصادية، كانت معظم المظاهرات التي قام بها الشارع الجزائري دون التطلعات المأمولة.
في 2014، ولدت حركة بركات (تعني كفى) الرافضة وقتها لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، ونظمت عدة مسيرات منها العاصمة الجزائر، لكن تم إحباط احتجاجاتها واعتقلت السلطات بعض أعضائها
ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى احتجاجات 2011 والتي بدأت بمسيرات لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المطالب بإصلاحات حقيقية تزامنت مع موجة الربيع العربي، واتبعتها احتجاجات أخرى في 2012 وصفتها السلطة بـ” احتجاجات السكر والزيت”، كونها أعقبت زيادات معتبرة أقرتها الحكومة في قانون المالية تخص المواد الغدائية واسعة الاستهلاك.
وتبعت هذه الاحتجاجات تحركا محتشما من السلطة تمثل بفتح مجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص حتى ولو بقي تطبيقه إلى اليوم خارج القانون، إضافة إلى مراجعة قوانين الانتخابات والأحزاب والجمعيات والولاية والبلدية، إضافة إلى رفع حالة الطوارئ.
وفي 2014، ولدت حركة بركات (تعني كفى) الرافضة وقتها لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، ونظمت عدة مسيرات منها العاصمة الجزائر، لكن تم إحباط احتجاجاتها واعتقلت السلطات بعض أعضائها، غير أن هذه الحركة سرعان ما اختفت بعد فوز بوتفليقة بولاية خامسة دعمتها خلافات بين أعضائها المعدودين بسبب اختلاف توجهاتهم الإيديولوجية، ما جعلها لا تتمكن هذه المرة من جمع شتاتها وتنظم مظاهرات مناهضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة.
لم تستطع المعارضة الجزائرية كعادتها أن تكون في مستوى ما يحدث في الشارع، فقد فشل اجتماع الأربعاء الذي دعت إليه جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها عبد الله جاب الله ذو التوجهات الإسلامية في الخروج بمرشح موحد للمعارضة لمنافسة بوتفليقة
ورغم أن أي احتجاج يهز مضجع السلطة الجزائرية، إلا أن الحكومة تخرج في كل مرة منتصرة منه بالنظر إلى افتقاد الاحتجاجات في الغالب لقيادة حقيقية تمسك بيد هذه المسيرات لتحقيق الهدف الذي خرجت من أجله ، وذلك بسب ضعف الطبقة السياسية والمجتمع المدني اللذين تم تمييعها خلال حكم بوتفليقة، وأصبحا محل نفور من المواطنين.
خذلان
لم تستطع المعارضة الجزائرية كعادتها أن تكون في مستوى ما يحدث في الشارع، فقد فشل اجتماع الأربعاء الذي دعت إليه جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها عبد الله جاب الله ذو التوجهات الإسلامية في الخروج بمرشح موحد للمعارضة لمنافسة بوتفليقة، واكتفى المجتمعون بمواصلة المشاورات حول الموضوع.
وغاب عن الاجتماع المرشح المحتمل الجنرال المتقاعد علي غديري رغم أنه كان قد وافق سابقا على الحضور، لكن اللقاء عرف مشاركة رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ورئيس طلائع الحريات علي بن فليس، وهما من ابرز المترشحين لانتخابات 18 إبريل نيسان المقبل.
وقال جاب الله الذي رفض الترشح هذه المرة “إنّ تفرق المعارضة وكثرة المترشحين منها ضعف، وضعف الضعيف يزيد في قوة القويّ ويفتح الطريق أمامه لفرض نفسه على الأمّة وأمامنا عهدة خامسة لا يعلم ما هم صائرون لفعله فيها إلاّ الله تعالى، وإنّ تحالف المعارضة حول مرشح واحد والتعاون على برنامج واضح في الإصلاحات الدستورية والقانونية والعمل على إنجاحه هو سبيلها لإنقاذ شعبها وإنقاذ نفسها من سوء ما يريده أصحاب العهدة الخامسة لمن أوجب الواجبات”.
ما حمله خطاب جاب الله لم يلق تجاوبا كبيرا من قبل المشاركين في الاجتماع، بعد أن أجلوا قرارهم إلى 3 مارس المقبل المتزامن مع اليوم الأخير لإيداع ملفات الترشح للرئاسيات لدى المجلس الدستوري
وأضاف ” لا تقولوا إن المرشح بوتفليقة ومن يقف وراءه أقوى منا فعندهم السلطة والمال والأحزاب والمنظمات والإعلام، واذكروا ما عندنا من عوامل القوة المادية والمعنوية إن نحن اجتمعنا وتعاونا وأحسنا تصريف ما عندنا واستغلاله في دحض ما هم عليه من باطل ، فاذكروا ما هم عليه من باطل وما تسببوا فيه من إفلاس سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي، فمرشحهم لا يملك شروط الأهلية للمنصب وترشيحه مخالف للدستور في المواد: 84-90-91-92 فقرة11- 107- 109- 110، ومخالف لقانون الانتخابات في المادة 139 فقرة 8 وأوضاع البلد بالغة السوء وهي مرشحة للتدهور أكثر فأكثر في السنوات القليلة القادمة .”
وختم جاب الله خطابه بالقول ” وإن تعذّر تحقيق ذلك لاعتبارات قاهرة، فالواجب يدعونا للتجاوب مع مطلب الجماهير في رفض العهدة الخامسة والتظاهر الشعبيّ لإسقاطها، فنحن بالشعب نكون ومن أجله نناضل، وحقُّه علينا أن يرانا نتقدم صفوفه في الدفاع عن حقوقه في السلطة والثروة، فلا يبقى عندئذ معه في المسرحية الانتخابية إلاّ قلّة قليلة من المترشحين الذين لا يعرف لهم تاريخ ولا يذكر لهم فضل.”
غير أن ما حمله خطاب جاب الله لم يلق تجاوبا كبيرا من قبل المشاركين في الاجتماع، بعد أن أجلوا قرارهم إلى 3 مارس المقبل المتزامن مع اليوم الأخير لإيداع ملفات الترشح للرئاسيات لدى المجلس الدستوري.
وعلى عكس تردد قوى المعارضة، يبدو أن احتجاجات الشارع ليس في قاموسها مصطلح الانتظار، فقد انطلقت أمس في بجاية احتجاجات جديدة حُملت فيها شعارات ” لا للعهدة الخامسة” ورفعت فيها رايات سوداء بمعنى أن الجزائر في حداد بسبب القرار الذي اتخذه بوتفليقة.
وبين تحرك الشارع وتردد المعارضة وتمسك بوتفليقة الذي سيخرج الأحد في حملة مسبقة لتدشين بعض المشاريع، يظل كثير من الجزائريين مجرد ملاحظين يتمنون أن يتم تحكيم العقل من الجميع في مثل هذه الظروف، وذلك بأن لا تؤدي هذه المسيرات إلى أوضاع شبيهة بما تعيشه دول ليبيا وسوريا ومصر، وكذا بأن يتراجع بوتفليقة عن قرار التمسك بالكرسي والقبول بمبدأ التداول على السلطة، بهدف الخروج من وضع جعل شباب البلاد يفضلون الهجران إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط عبر قوارب الموت على البقاء في بلاد تزخر بخيرات ظاهرة وباطنة.