أغلقت السلطات الموريتانية مساء الثلاثاء جمعيتين خيريتين تحسبان على التيار الإسلامي في البلاد، بعد أشهر قليل من غلقها مركز تكوين العلماء الذي يحسب على نفس الجماعة، دون أن تقدّم أسباب واضحة، ما اعتبره عديد الموريتانيين مساع حكومية لضرب التيار الإسلامي وكل ما يتصل به في بلاد شنقيط، خاصة وأن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية استثنائية.
مراكز علم فجمعيات خيرية
مسّ قرار الغلق جمعية “الخير“، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وتنشط جمعية الخير التي تأسست في مايو/أيار 2001، في مجال الدعم الاجتماعي وكفالة الأيتام والتدخل في حالات الجفاف والكوارث ونقل المرضى والتكفل بعلاجهم.
وتعتبر هذه الجمعية، من أنشط الجمعيات الخيرية الموريتانية منذ تأسيسها قبل 15 سنة، حيث كفلت- حسب إحصائيات نشرتها قبل أيام- أكثر من 7471 يتيما، ونظمت 520 نشاطا ترفيهيا للأيتام، وكونت 550 من الأيتام وأمهاتهم مهنيا، وكفلت 363 أسرة فقيرة بمؤن غذائية ومساعدات مادية، وأقامت 642 مشروعا مدرا للدخل، وحفرت أو أسست 89 منشأة مائية.
من المنتظر أن تشهد موريتانيا في يونيو/ حزيران المقبل، انتخابات رئاسية ستشكّل محطة صراع قوي بين أركان النظام الحاكم، والقوى السياسية المعارضة
أكدت الإحصائيات “أن الجمعية استفاد عن طريقها أكثر من 112881 من برامج إفطار الصائم، كما استفاد عن طريقها 221256 من الأضاحي والنذر والعقائق والعيديات”، وتقول الجمعية إنها تسعى إلى محاصرة الفقر، والتخفيف من الآثار الناجمة عن البطالة، وكذا محاربة الجهل والأمية.
ولم توضح السلطات الموريتانية أسباب إغلاق الجمعيتين، وهو القرار الذي يأتي بعد أشهر من إغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله ابن ياسين، اللتان يرأسهما الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وهو شخصية علمية معروفة في موريتانيا.
كسب ود الحكام في الإمارات والسعودية
غلق هذه المؤسسات في وقت وجيز، يقول الناشط السياسي الموريتاني محمد الأمين الفاضل إنه لم يجد له تفسيرا مقنعا، فـ “لا توجد تفسيرات مقنعة لسلسة عمليات سحب التراخيص وإغلاق الجمعيات المحسوبة على الإسلاميين التي تقوم بها الحكومة الموريتانية من حين لآخر والتي كان آخرها إغلاق جمعية الخير وفرع ندوة الشباب الإسلامي”، وفق قوله.
ويضيف في تصريح لنون بوست، “لا يوجد تفسير مقنع لذلك، خاصة وأن جمعية المستقبل التابعة للشيخ الددو قد تم إغلاقها في فترة كانت فيها العلاقات بين حزب تواصل والسلطة على أحسن ما يرام، فتواصل كان هو الحزب الوحيد من بين كل أحزاب تنسيقية المعارضة الذي قبل بالمشاركة في انتخابات 23 نوفمبر/تشرين الأول 2013، أي أنه قبل بتشريع تلك الانتخابات، فبأي منطق يكافأ الحزب على تلك الخطوة التي تقرب بها من النظام بإغلاق أهم جمعية محسوبة عليه؟”
وأكّد محمد الأمين الفاضل، أن “التفسير الوحيد الذي يمكن تقديمه لسلسلة عملية الإغلاق وسحب التراخيص للجمعيات المحسوبة على الإسلاميين في موريتانيا هو أنها مجرد رسائل سياسية لكسب ود الحكام في الإمارات والسعودية والذين يعتبرون بأن الإسلام السياسي هو عدوهم الأول، وبأن التضييق على الإسلاميين هو أولوية المرحلة.”
أعالة جمعية الخير أكثر من 5 ألاف يتيم
أضاف محدّثنا، “في إطار التقرب لحكام الإمارات والسعودية يمكننا أيضا أن نفسر الخطوة الغريبة التي قامت بها الحكومة الموريتانية بعد تفجر الأزمة الخليجية، وهي الخطوة المتمثلة في قطع العلاقات مع الشقيقة قطر يوما واحدا بعد قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر للعلاقات معها، وذلك على الرغم من أن كل دول المغرب العربي الكبير رفضت بشكل حازم أن تقطع العلاقات مع قطر.”
وأوضح الناشط السياسي الموريتاني، أن “النظام قد أراد بالعودة في هذا الوقت إلى إغلاق الجمعيات أن يؤكد من جديد لحلفائه في الإمارات والسعودية بأنه مستمر في حربه ضد الإسلاميين، وبأن النهج مستمر، وبأن المسار سيتواصل مع الرئيس القادم.”
ومن المنتظر أن تشهد موريتانيا في يونيو/ حزيران المقبل، انتخابات رئاسية ستشكّل محطة صراع قوي بين أركان النظام الحاكم، والقوى السياسية المعارضة الطامحة إلى إحداث تغيير على مستوى الرئاسة. وتسعى المعارضة إلى كسب الرهان رغم صعوبة المهمة.
وسبق أن حذر رئيس حزب “تواصل” الإسلامي محمد محمود ولد سيدي من الدفع نحو توتير الوضع في موريتانيا، ومن استيراد المعارك الخارجية لأن ذلك لا يخدم استقرار الوطن، ودعا المعارضة إلى التعجيل بتقييم الوضع واتخاذ خطوات تمنع الحكم الاستثنائي، ومن أجل التناوب السلمي على السلطة عام 2019، بعد انتهاء ولاية الرئيس الثانية والأخيرة.
اضعاف ومحاصرة انتشار التيار الإسلامي اجتماعيا
يرى العديد من الموريتانيين أن الهدف من إغلاق الجمعيات الخيرية الحد من شعبية التيار الإسلامي في البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة، خاصة وأنه يخشى أن قوة هذا التيار اجتماعي لما له من قدرة على الانتشار داخل المجتمع.
ويقول الباحث الموريتاني صبحي ودادي، إن “النظام العسكري الذي خبر قوة الإسلاميين الإعلامية والتعبوية لا يريد الدخول في معركة مفتوحة ومباشرة مع الإسلاميين ولكنه يسعى لضرب ما يعتبرها أجنحة اجتماعية وعلمية ومؤسسات خدمية لهذا التيار.”
ويرى الباحث الموريتاني، أن الغاية من هذا التوجه للنظام هو “اضعاف ومحاصرة انتشار التيار الإسلامي اجتماعيا، فهو إلى حد ما يواجه الإسلاميين على أرضياتهم غير السياسية أصلا، وغير النضالية، وفِي ذلك دلالة على خشيته من المواجهة المباشرة،” من وجهة نظر ودادي.
يراهن النظام الموريتاني على اضعاف شوكة الإسلاميين قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة
يضيف صبحي، “النظام استهدف هذه المؤسسات لأنها ليست في قبضة الدولة ولا تستفيد منها سياسيا وقد تكون لها علاقة ما بالمعارضة الاسلامية، فالنظام يتخوف من أن تشكل هذه المؤسسات وعملها الاجتماعي الفاعل مستوى من المصداقية للمعارضة الاسلامية.”
وتابع، “أعتقد أن الموضوع في جانبه العميق هو رفض من طرف دولة الريع السياسي أن تكون هناك قوة اجتماعية يمكن أن تمنح للمجتمع مستوى من القدرة على الاستقلال والخروج من عباءة توجه الإدارة التي تحكم البلاد.”
وتخشى عديد الأطراف في موريتانيا، من تواصل هذه الممارسات وتداعياتها على البلاد. ومن شأن هذه الهجمة المتواصلة ضد كل ما له علاقة بالإسلاميين، أن تبقي جميع الاحتمالات مفتوحة بالنسبة لمستقبل الحياة العامة في البلاد، خاصة أن الحقبة التاريخية الحديثة في موريتانيا تشير إلى أن هناك خبرة للنظام في منع الوجود الشرعي لتنظيمات الإسلام السياسي، واستخدام حملات إعلامية وأمنية ممنهجة كأداة لمواجهة الصعود الإسلامي في البلاد.
استهداف السلم الاجتماعي
من شأن ممارسات النظام المتتالية ضدّ الجمعيات ومراكز التدريس التي لها صلة بالمعارضة في البلاد أن تسرّع وفق عديد الموريتانيين إلى مزيد الاحتقان، ويقول صبحي ودادي في هذا الشأن، “الاستهداف الدائم والمصادرات المستمرة لمؤسسات العمل الاجتماعي لها تأثيرات سلبية أكيدة على السلم الاجتماعي.”
يخشى النظام الموريتاني التيار الإسلامي في البلاد
أكّد الباحث الموريتاني، أن هذه الممارسات “تضعف قدرة المجتمع المدني على استيعاب الكثير من الشرائح الاجتماعية (تعليم الشباب ومواجهة الغلو في حالة المؤسسات التعليمية، والمساهمة في مواجهة الفقر والجريمة والبطالة في حالة المؤسسات الاجتماعية والخيرية).
وأوضح ودادي، أن “النظام الحالي بمصادرة العمل الخيري والتعليمي يطلق تفاعلات اجتماعية بعيدة عن الاستيعاب والتوجيه ويعجل بالانفجارات الاجتماعية الناشئة عن الفقر والحرمان.” وتشهد موريتاني في الفترة الأخيرة احتقان اجتماعي كبير يخشى النظام انفجاره في كل لحظة.
يراهن النظام الموريتاني على اضعاف شوكة الإسلاميين قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى يعبّد الطريق أمام مرشحه لشغل منصب الرئاسة خلفا للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، ويرى النظام أن الإسلاميين هم أقوى المنافسين الواجب التصدّي لهم، فهل يفلح العسكر في ذلك؟