الزعماء الأوروبيون ينطلقون نحو شرم الشيخ حيث سيستأنفون مباركة أسوأ دكتاتور شهدته مصر في تاريخها المعاصر.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشغول في الساحة الدولية. ففي نهاية الأسبوع كان في مؤتمر ميونيخ الأمني حيث كان يقول لمضيفيه الألمان إنه لن يظهر على نفس المنصة مع أمير قطر.
وبعد ذلك يأتي الدور على منتجع شرم الشيخ في بلده، حيث يستضيف أول رابطة تجمع رؤساء الاتحاد الأوروبي والدول العربية. سوف يستعرض يوم الأحد أمام عشرين من زعماء الدول الأوروبية.
وصفت منظمة “ريبريف”، التي تعارض عقوبة الإعدام، عمليات الإعدام بأنها “أزمة حقوق إنسان شاملة”
واستعداداً لتلقي هذه الحقنة من الشرعية الدولية ارتكب السيسي جريمة قتل جماعية، حيث ما فتئ يرسل بأعداد غير مسبوقة من المعتقلين إلى المشنقة. فقد تم يوم الأربعاء شنق تسعة من الشباب بعد محاكمة صورية بتهمة اغتيال النائب العام هشام بركات، وبهذا يكون عدد من أعدموا خلال الأسبوعين الماضيين خمسة عشر شخصاً.
وصفت منظمة “ريبريف”، التي تعارض عقوبة الإعدام، عمليات الإعدام بأنها “أزمة حقوق إنسان شاملة”. أما منظمة العفو الدولية فطالبت السلطات المصرية بوقف عمليات الإعدام التي تتم بناء على اعترافات تم الحصول عليها تحت التعذيب. إلا أن هذه المطالبات لم تلق أذاناً صاغية. يذكر أن ثلاثة عشر متهماً صدرت بحقهم أحكام إعدام غيابية في نفس هذه القضية تحديداً.
في شهر أغسطس/آب من عام 2016، ظهر مقطع فيديو للمتهمين يسحبون اعترافاتهم داخل المحكمة ويشرحون كيف انتزعت منهم.
قال محمود الأحمدي، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً وكان واحداً من التسعة الذين أعدموا يوم الأربعاء، مخاطباً المحكمة: “بإمكانكم أن تروا الآن. قيود اليدين تركت علامات مازالت ظاهرة بعد ستة شهور. وانظروا إلى هذه، هذه كانت موبوءة وفيها صديد. خبراء الطب الشرعي كاذبون.”
“هنا في هذه المحكمة يوجد ضابط شرطة كان موجوداً معنا داخل السجن وكان يعذبنا. إذا رغبتم في أن أشير إليه فسأفعل.”
لم يكن توقيت عمليات الإعدام مصادفة، بل حصل ذلك قبل أيام من استقبال السيسي للعظماء والنبلاء القادمين من أوروبا، بما في ذلك دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلاوديونكر، رئيس المفوضية الأوروبية
“أعطوني عصا كهربائية وبإمكاني أن أجعل أي شخص داخل هذه المحكمة يعترف بجريمة لم يرتكبها. لقد ضخوا الكهرباء فينا. كهربونا بما يكفي لتزويد مصر بالكهرباء لعشرين عاماً.”
رسالة إلى مصر
أما عبد القاسم يوسف، وهم متهم آخر أعدم هذا الأسبوع وكان طالباً في جامعة الأزهر، فأخبر المحكمة بأن عصابة وضعت على عينيه وعلق على الباب مقلوباً و رأسه مدلى إلى أسفل لسبع ساعات متعاقبة وتعرض للصعق الكهربائي في مناطق حساسة من جسده.
لم يكن توقيت عمليات الإعدام مصادفة، بل حصل ذلك قبل أيام من استقبال السيسي للعظماء والنبلاء القادمين من أوروبا، بما في ذلك دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلاوديونكر، رئيس المفوضية الأوروبية.
جاءت عمليات الشنق بمثابة رسالة إلى مصر. أراد السيسي إخبار المصريين بأنه بإمكانه أن يفعل ما يشاء لمن يشاء ثم يفلت من المحاسبة والمساءلة داخل الساحة الدولية. وهي على النقيض تماماً من الرسالة التي قصد الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون توجيهها عندما قال إن الأمن لا يمكن فصله عن حقوق الإنسان.
ما هذه الإعدامات سوى البداية. فبحسب ما يقوله موقع جبهة مصر دوت كوم، تم إعدام 46 شخصاً خلال عام 2018 بينما يواجه 737 آخرون حكم الإعدام. ومن هؤلاء وصلت قضايا خمسين منهم إلى المرحلة النهائية، بمعنى أنه لم يعد أمامهم فرصة للاستئناف داخل المحكمة.
إذا كان هناك فرق بين الشرعية التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للسيسي والدعم الذي يتلقاه من دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه “شخص عظيم”، فليت عضواً في وكالة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي يشرح لي ما هو
ومع بداية هذا العام، كان 65 شخصاً، بما في ذلك أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام منذ عام 2013، ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهم. ومن هؤلاء قتل حتى الآن خمسة عشر شخصاً، بما يعني أن خمسين مازالوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم.
إذا كان هناك فرق بين الشرعية التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للسيسي والدعم الذي يتلقاه من دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه “شخص عظيم”، فليت عضواً في وكالة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي يشرح لي ما هو.
من خلال توجههم إلى شرم الشيخ نهاية هذا الأسبوع يبارك زعماء أوروبا، بإدراك منهم أو بغيره، أسوأ دكتاتور شهدته مصر في تاريخها المعاصر، ومن خلال تعزيزهم للسيسي فإن زعماء أوروبا يلعبون دوراً فاعلاً في دفع مصر باتجاه حالة من عدم الاستقرار. ما من شك في أن تاسكويونكر والعشرين من رؤساء الدول الآخرين الذين ينوون المشاركة في الحدث ما هم سوى مغفلي السيسي المفيدين.
رئيس مدى الحياة
إن القمع الذي يجري حالياً في مصر دوافعه سياسية بحتة، ولا علاقة له من بعيد أو قريب بالإرهاب أو الأمن. وقد صمم لسحق أي معارضة للتعديلات الدستورية، وهي التعديلات التي من شأنها أن تزيد بشكل هائل من مدة حكم السيسي ومن صلاحياته كرئيس.
تعتبر هذه التعديلات الدستورية في غاية الأهمية بالنسبة للسيسي لدرجة أنه نصب ابنه محمود ليكون مسؤولاً عن تنفيذها
سوف تمدد التعديلات الدستورية الفترة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست بينما تسمح مادة منفصلة للرئيس الحالي بإعادة الترشح للمنصب في نهاية الفترة الحالية. وتضع التعديلات القوات المسلحة فوق الدستور من خلال منحها صلاحية “حماية الدستور والديمقراطية والحفاظ على قواعد الدولة وطبيعتها المدنية، وعلى مكاسب الشعب، وحقوق وحريات الفرد”.
كما تسلم مهمة تعيين المسؤولين في المناصب الهامة داخل الجهاز القضائي للرئيس، وتوجد مجلساً برلمانيا ثانيا يعين ثلث أعضائه الرئيس.
تعتبر هذه التعديلات الدستورية في غاية الأهمية بالنسبة للسيسي لدرجة أنه نصب ابنه محمود ليكون مسؤولاً عن تنفيذها. وحسبما يقول موقع مدى مصر، قام محمود السيسي، وهو مسؤول كبير داخل جهاز المخابرات العامة، بعقد اجتماعات يومية تقريباً لتنسيق خطط تمديد فترة رئاسة والده.
والآن قارن هذه الصلاحيات بتلك التي اكتسبها الرئيس محمد مرسي في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2012 عندما حصن بشكل مؤقت قراراته من المراجعة القضائية إلى حين انتخاب برلمان جديد.
كان ذلك خطأ قاتلاً، وقراراً اتخذه في ذروة شعبيته، شكل بداية انهيار حكمه، مع أنه تبين فيما بعد أن مرسي كان يحاول استباق تحرك تخطط له المحكمة الدستورية لتعطيل استفتاء دستوري مقترح كان المفروض أن يجري بعد ذلك بثلاثة أسابيع. أخفق مرسوم مرسي، مع أنه فيما لو أخذ على ظاهره لتبين أنه كان لفترة زمنية محدودة.
يشبه الدور الذي قام به خالد يوسف خدمة للثورة المضادة في مصر ذلك الدور الذي لعبه ليني ريفنستهل في ألعاب هتلر الأولمبية عام 1936. لم يكن ما قام به سوى عملاً دعائياً
أما تعديلات السيسي الدستورية فقد صممت لتستمر لعقود.
المتعلمون ببطء
السيسي دكتاتور بالنسبة للمتعلمين ببطء. لقد صفق الليبراليون الذين شاركوا في اعتصامات ميدان التحرير، للإطاحة بمرسي. أحدهم، واسمه ممدوح حمزة، قال التالي عن إعلان مرسي الدستوري: “إذا لم تحتجوا على الإعلان فسوف نُحكم لثلاثين عاماً بأحذيتهم. وكل من يتكلم ضد الإخوان المسلمين سيعتبر معادياً للثورة. فهو لا يريد سماع صوت آخر، ويضع نفسه في نفس مستوى الإله.”
وصف حمزة مظاهرات الثلاثين من يونيو / حزيران ضد مرسي بأنها “الثورة الحقيقية” ودفع تكاليف راية طولها أربعمائة متراً تطالب مرسي بالاستقالة. وقال حمزة: “مرسي وحكومته كانا مجرد وهم. لا أعرف أياً منهم، فهم سموم، وسوف نخرجها من أجسادنا يوم الثلاثين من يونيو.”
وحرض حمزة على فض اعتصامي ميدان رابعة وميدان النهضة، حيث شهدا أسوأ مجزرة ترتكب بحق المدنيين منذ مجزرة ميدان تيانانمين (في الصين).
وهناك شخص آخر اسمه خالد يوسف،المخرج السينمائي وعضو البرلمان، الذي منح حصرياً حق استخدام مروحية عسكرية تابعة للجيش لتصوير فيلم للمظاهرات التي نظمت ضد حكم مرسي في يونيو / حزيران 2013.
يشبه الدور الذي قام به خالد يوسف خدمة للثورة المضادة في مصر ذلك الدور الذي لعبه ليني ريفنستهل في ألعاب هتلر الأولمبية عام 1936. لم يكن ما قام به سوى عملاً دعائياً. بل لقد اشتمل الفيلم الذي صوره على مشاهد للمظاهرة المؤيدة لمرسي والتي دمجها في مشاهد الاحتجاجات المعارضة له. آتت الصور أكلها، لدرجة أن طوني بلير زعم بأن ثلاثين مليون شخص قاموا ضد مرسي، وهو رقم مضخم جداً ومبالغ فيه.
أين هو ممدوح حمزة اليوم وأين هو خالد يوسف؟ أما الأول فيقبع في السجن وأما الثاني ففي المنفى
وشارك خالد يوسف بنفسه في عملية التحريض، حيث قال: “علينا أن نثور، ولا ينبغي أن نترك الميادين إلى أن يسقط مرسي ونظامه. أطالب إما بسحب الإعلان الدستوري أو بإسقاط النظام. ولن نشارك في أي حوار أو نقاش، فالشعب غير مستعد لأن يُستعبد.”
أين هو ممدوح حمزة اليوم وأين هو خالد يوسف؟ أما الأول فيقبع في السجن وأما الثاني ففي المنفى. لا يشعر خالد يوسف بالندم لأنه دعم إسقاط مرسي، فقد كتب في تدوينة له على الفيسبوك: “لم يثر الشعب المصري مرتين لكي يؤمم جميع السلطات ويضعها في يد رجل واحد – مهما كان ذلك الرجل عظيماً – أو لكي يمنحه الحق ليحكم حتى عام 2034، أي لمدة عشرين عاماً.”
في مصر التي ساعد خالد يوسف على إيجادها تجده الآن مهدداً بفقد حصانته البرلمانية وقد تحول إلى هدف لحملات التشهير بسبب أشرطة فيديو جنسية مسربة له مع ممثلتين، وكل ذلك لأنه عبر عما في نفسه. رسمياً، يقضي خالد يوسف إجازة له في فرنسا.
محكوم عليه بأن ينضم إلى قائمة طويلة من المصريين المنفيين. ومؤخراً صدر حكم بالسجن عشر سنوات على الجنرال السابق سامي عنان لأنه تجرأ على الترشح ضد السيسي في الانتخابات الأخيرة.
ما يقرب من 30 بالمائة من سكان مصر يعتبرون رسمياً فقراء، حتى بعد تخفيض مستوى الفقر إلى ما بين 700 و 800 جنيه مصري في الشهر
قدم السيسي نفسه خلال مؤتمر ميونخ للأمن على أنه الرجل الذي يتزعم عملية التغيير في الإسلام في المنطقة، وأنه الرجل الذي يجلب التسامح إلى بلده. وقد اصطحب معه بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي تشيد بمصر على ما حققته من نمو بلغت نسبته 5.2 بالمائة، أما وقد بلغت نسبة التضخم 15 بالمائة فلا أحد يشعر بمعدل النمو المشار إليه. بل إذا ما استثنينا قطاع النفط، سنجد أن الاقتصاد انكمش للشهر الرابع على التوالي في ديسمبر.
في واقع الأمر ما يقرب من 30 بالمائة من السكان يعتبرون رسمياً فقراء، حتى بعد تخفيض مستوى الفقر إلى ما بين 700 و 800 جنيه مصري في الشهر. ولو أن مصر تقيدت بالتعريف الدولي للفقر المدقع، حوالي 150 جنيه مصري في الشهر، لكانت نسبة الفقراء أعلى.
سوف تستمر المسرحية الهزلية في شرم الشيخ. وإذا أردت أن تعرف لماذا يخطئ الزعماء الغربيون باستمرار في فهم الشرق الأوسط، ولماذا يختارون حلفاء يعملون على زعزعة استقرار دول كانت ذات يوم قوية مثل مصر ويحولونها إلى جمر متوهج، ولماذا الغرب غير قادر على دعم الديمقراطية في العالم العربي، فما عليك سوى تسجيل التصريحات التي ستصدر عن رؤساء الدول الأوروبية في شرم الشيخ. وسيكون من بينهم رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي.
المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة وتحرير: عربي21