ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر كانون الثاني/ يناير في الدوحة، اتفقت كل من الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية من حيث المبدأ على خطوط اتفاق سلام، الذي بموجب شروطه، ستضمن طالبان عدم استخدام الأراضي الأفغانية مطلقا من قبل الإرهابيين. في الواقع، يعتبر هذا التنازل حاسما بالنسبة للولايات المتحدة. مع ذلك، وفي حين بشّر بعض المعلقين بوعد طالبان باعتباره إنجازا عظيما، أشار المحللون إلى أن المجموعة سبق لها أن قدّمت ضمانات مماثلة في الماضي، التي فشلت في الإيفاء بها. في الأثناء، تظل الأسئلة تحوم حول ما إذا كانت طالبان مستعدة حقا لقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة، وهو الاحتمال ذاته الذي رفضته المجموعة في سنة 2001، ما دفع الولايات المتحدة إلى غزو البلاد.
يمتدّ المشهد الإرهابي في جنوب ووسط آسيا إلى ما أبعد من تنظيم القاعدة. فمن جانبها، كانت حركة طالبان تقاتل فرع تنظيم الدولة في المنطقة، التي تعرف باسم “تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان”، ما انجرّ عنه خسائر فادحة دون أن تنجح في اجتثاث هذا الخصم. ومنذ سنة 2002، اعتُبر التمرد الذي تقوده طالبان في أفغانستان قضية مُوحِّدة للمنظمات المسلحة في المنطقة. تجدر الإشارة إلى أن ما لا يقل عن 18 جماعة إرهابية تنشط في أفغانستان، حيث تمارس طالبان قدرا من التأثير على أنشطة 14 منهم، ما يسمح لهم بالانضمام إلى التمرد مقابل القوة العاملة والخبرة.
من وجهة نظر الولايات المتحدة، يعد أهم ارتباط بالنسبة لطالبان هو تنظيم القاعدة الذي يواصل إعطاء الأولوية لضرب الولايات المتحدة
من جهتها، ستتوقّع هذه الجماعات تحقيق فوائد في حال فازت طالبان، كما من المرجح أنها ستسعى إلى مواصلة استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للأنشطة الإرهابية. أما إذا أثبتت طالبان أنها غير راغبة أو غير قادرة على منع تحوّل البلاد إلى مرتع للمنظمات المسلحة بعد الانسحاب الأمريكي، فستكون بذلك كل من الولايات المتحدة، وباكستان، والهند، فضلا عن دول آسيا الوسطى، مهدّدة.
التهديد للولايات المتحدة
من وجهة نظر الولايات المتحدة، يعد أهم ارتباط بالنسبة لطالبان هو تنظيم القاعدة الذي يواصل إعطاء الأولوية لضرب الولايات المتحدة. ولم تنجح حركة طالبان في وضع حدّ لأنشطة القاعدة، بل على العكس من ذلك، حيث زودت التنظيم بملاذ آمن في أفغانستان بينما خططت قيادته ونفذت هجمات على السفارتين الأمريكيتين في كل من كينيا وتنزانيا في سنة 1998، وضد المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في اليمن خلال سنة 2000، فضلا عن مركز التجارة العالمي والبنتاغون سنة 2001.
في الحقيقة، لم تطلب قيادة تنظيم القاعدة الإذن من طالبان للقيام بهذه الهجمات، إذ أنها في الواقع نفذتها في تحد مباشر لأوامر طالبان القاضية بالامتناع عن القيام بهجمات دولية. في الأثناء، دفعت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان وإبعاد طالبان عن السلطة. مع ذلك، رفضت طالبان قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة وظلت عاجزة عن الحيلولة دون سلوكها الضار.
تعتبر حركة طالبان الباكستانية مظلة جامعة ولا مركزية تسعى إلى طرد القوات الباكستانية من المناطق القبلية، والإطاحة بالحكومة الباكستانية، والقضاء على المسلمين الشيعة في البلاد
منذ سنة 2001، واصلت القاعدة التمتع بالملاذات الآمنة بفضل طالبان. وعلى وجه الخصوص، وجدت القاعدة ملاذا في شمال وزيرستان في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، تحت حماية “شبكة حقاني” وهي فصيل داخل طالبان. وإلى غاية سنة 2014، حين أدى هجوم عسكري باكستاني إلى تعطيل نشاط عدد من الجماعات المسلحة التي تعمل في هذه المنطقة، انبثقت معظم المؤامرات الرئيسية للقاعدة والهجمات ضد الولايات المتحدة وأوروبا من المناطق القبلية، وبالتحديد من شمال وزيرستان.
في هذا الصدد، لا يوجد أي دليل على أن حركة طالبان أو شبكة حقاني ساعدت في هذه الهجمات أو حتى كانت على علم بها، لكنها لم تمنع حدوثها أيضا. أما “طالبان باكستان”، وهو حليف آخر لطالبان أفغانستان، فقد ثار ضد الولايات المتحدة التي تعتبر المسؤولة عن مقتل ثلاثة من قادة هذه الحركة. وفي سنة 2010، زرعت هذه المجموعة قنبلة في “تايمز سكوير” (ولم ينفجر الجهاز).
تعتبر حركة طالبان الباكستانية مظلة جامعة ولا مركزية تسعى إلى طرد القوات الباكستانية من المناطق القبلية، والإطاحة بالحكومة الباكستانية، والقضاء على المسلمين الشيعة في البلاد، فضلا عن الدفع بالولايات المتحدة خارج أفغانستان. ومنذ أن أجبر الجيش الباكستاني العديد من عناصره على عبور الحدود في أعقاب العمليات في جنوب وزيرستان سنة 2009 وشمالها في سنة 2014، عملت “طالبان باكستان” بشكل كبير انطلاقا من أفغانستان. وفي حين تعتبر أجندة هذه الحركة محلية أكثر مقارنة بتنظيم القاعدة، إلا أنها من المرجح أن تستغل الفرص، إذا ومتى ظهرت، لمهاجمة الولايات المتحدة.
لطالما تلقّت طالبان الأموال والملاذ من المؤسسة الأمنية الباكستانية، لكن العلاقة بين الطرفين مشحونة بالتعقيدات
لم تُظهر طالبان رغبة حقيقية لمنع العمليات التي تقودها كلتا المجموعتين التي تكون من المرجح للغاية موجهة ضد الولايات المتحدة. وحتى في حال رغبت طالبان في ذلك، فعلى الأغلب أنها تفتقر إلى القدرة. وإذا استمرت طالبان في السماح لأي من المجموعتين بالعمل في منطقة خاضعة لسيطرتها، وهو ما من المرجح أن تفعله، فسيجعلها ذلك عاجزة بشدة عن الوفاء بتعهّدها من أجل منع الهجمات الدولية الصادرة من أفغانستان.
التهديد للمنطقة
لطالما تلقّت طالبان الأموال والملاذ من المؤسسة الأمنية الباكستانية، لكن العلاقة بين الطرفين مشحونة بالتعقيدات. من جانبها، تتعاون طالبان مع الجماعات المسلحة التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة في إسلام آباد. وفي الماضي، حثت طالبان هذه الجماعات على التركيز على أفغانستان والامتناع عن مهاجمة باكستان، لكن دون جدوى. وعلى سبيل المثال، يتعاون فرع تنظيم القاعدة في جنوب آسيا، الذي يعرف باسم “قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية”، بشكل وثيق مع تمرد طالبان في أفغانستان، كما أنه يشن هجمات إرهابية في جميع أنحاء باكستان بهدف إضعاف الحكومة. فضلا عن ذلك، تستهدف مجموعات أخرى، على غرار حركة “طالبان باكستان” وفروعها، ولشكر جهنكوي، الحكومة الباكستانية، لكن تربطها أيضا علاقات طويلة الأمد مع طالبان وتشارك في التمرد في أفغانستان.
كان الصراع في أفغانستان بمثابة صمام ضغط لباكستان، حيث وفّر منفذا للجماعات المناهضة للدولة من قبيل المذكورة آنفا، لا سيما بالنسبة لتلك المتمركزة في المناطق القبلية. وقد عقدت قوات الأمن الباكستانية هدنات مع بعض الجماعات ووعدتهم بأن تتركهم لحال سبيلهم في باكستان طالما أنهم يركزون أنشطتهم على أفغانستان. وفي حال انتهى تمرّد طالبان وفازت هذه الجماعات بحرية أكبر لتنشط من داخل أفغانستان، فعلى الأرجح أنها ستختار توجيه اهتمامها نحو باكستان في المقابل.
تُعادي هذه الجماعات الهند على نطاق أوسع، وقد هاجمت أجزاء أخرى من البلاد. وتتفق كلتا الجماعتين إلى حد بعيد مع المؤسسة الأمنية الباكستانية التي تستخدمهما كأسلحة ضد الهند
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الهند مهددة بتكبّد الخسائر إذا لم تحافظ طالبان على تعهدها. ويتمثل أكبر تهديد للهند في أن طالبان ستسمح للجماعات الباكستانية المتشددة، المقربة تقليديا من الدولة، لا سيما “لشكر طيبة” “وجيش محمد”، بالعمل على أراضيها. وتعمل كلتا هاتين المجموعتين بشكل وثيق مع تمرد طالبان في أفغانستان، لكن قضيتهما الرئيسية تتجسد في تحدّي سيطرة الهند على كشمير.
وتُعادي هذه الجماعات الهند على نطاق أوسع، وقد هاجمت أجزاء أخرى من البلاد. وتتفق كلتا الجماعتين إلى حد بعيد مع المؤسسة الأمنية الباكستانية التي تستخدمهما كأسلحة ضد الهند. وفي حال اتُهمت حركة طالبان بإدارة الجماعات المتشددة على أراضيها، ستسعى كل من لشكر طيبة وجيش محمد بشكل شبه مؤكد إلى استخدام أفغانستان كملاذ آمن للتدريب والتخطيط لهجمات ضد الهند وكشمير الهندية. ويقدم استخدام الأراضي الأفغانية لباكستان إنكارا معقولا. وقد استخدمت باكستان أفغانستان بهذه الطريقة بالذات عندما حكمت طالبان في التسعينات.
كانت جماعتان إسلاميتان باكستانيتان أخريان، اللتان استهدفتا الهند، وهما حركة المجاهدين وحركة الجهاد الإسلامي، مقربتان أيضا من طالبان خلال التسعينات، ولا زال لديهما عملاء ضمن التمرد في أفغانستان. ولم تعد هذه الجماعات متماسكة من الناحية التنظيمية، لكن الأشخاص المنتمين إليها لا زالوا في أفغانستان ووقع دمجهم في شبكات أوسع من المسلحين. ومع مساحة أكبر للعمليات في أفغانستان، يمكن لهذه الجماعات الأضعف أن تعيد بناء نفسها.
حتى جمهوريات آسيا الوسطى لديها ما تخشاه من دولة أفغانية تسيطر عليها طالبان مجددا. وتعمل مجموعة صغيرة من الجماعات الإرهابية، التي تعود أصولها إلى آسيا الوسطى، منذ فترة طويلة في المنفى في أفغانستان. وتعتبر جماعات من قبيل اتحاد الجهاد الإسلامي، وحركة شرق تركستان الإسلامية، وفصائل من الحركة الإسلامية، ملتزمة في المقام الأول بالتمرد في أفغانستان وبمعارضة الدولة الباكستانية، لكنها لا زالت تغذي طموحاتها في ضرب أوطانها. ومن المرجح أن تستغل هذه الجماعات ملاذا في أفغانستان تحت حكم طالبان من أجل إعادة بناء قدراتها الخارجية وتطويرها.
تمثل طالبان الأفغانية المحور المركزي في جنوب ووسط آسيا، الذي تدور حوله منظمات متشددة أخرى، كما أن تمردها يتمتع بسلطة إيديولوجية ودعم مُهمَّين
من هذا المنطلق، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لديها ما يدعو إلى القلق، إلا أن هذه الدول قد تواجه تهديدا أكثر خطورة من قبل الجماعات المسلحة المتحالفة مع طالبان. وسيتطلّب تعهّد طالبان من هذه الأخيرة لعب دور الشرطي على أكثر من 12 منظمة تحدوها الطموحات لضرب ما لا يقل عن خمسة بلدان أخرى. وسيكون الوفاء بالتزام مماثل مهمة كبرى بالنسبة لأي حكومة، فكيف بمجموعة متمردة تربطها علاقات طويلة الأمد بتلك المنظمات.
وعد لا قيمة له
تمثل طالبان الأفغانية المحور المركزي في جنوب ووسط آسيا، الذي تدور حوله منظمات متشددة أخرى، كما أن تمردها يتمتع بسلطة إيديولوجية ودعم مُهمَّين. مع ذلك، لا يُترجم هذا الموقع المميز إلى سيطرة على شركاء طالبان الذين يحتاجون إلى الاقتناع بالتخلي عن طموحاتهم الخارجية، ما يعتبر اقتراحا غير محتمل. بالتالي، ومن أجل الحفاظ على تعهّدها، يجب على طالبان أن تكون على استعداد إما لتُدير ظهرها لحلفائها منذ فترة طويلة، أو لاستخدام القوة لردعهم، وهما سيناريوهان يصعب تخيّلهما.
بعد دعمهم لحملة طالبان لأكثر من 17 سنة، مما لا شك فيه أن شركاءها المسلحين يتوقعون الحصول على بعض المكاسب عندما يكون الانتصار من نصيب التمرد. وستكون الجائزة النهائية عبارة عن ملاذ آمن في مناطق تخضع لسيطرة طالبان، مع حرية ملاحقة أجنداتهم الخارجية. ومن خلال التعهد بمنع انبثاق الإرهاب من أفغانستان، تُقدم طالبان وعدا ستُكافح من أجل الحفاظ عليه، وذلك إذا كانت تنوي محاولة القيام بذلك من الأساس.
المصدر: فورين أفيرز