ترجمة وتحرير: نون بوست
تشبه بياناتك الموجودة على الإنترنت إلى حد ما مادة البلاستيك ذات الاستخدام الواحد، إذ أن هناك أطنانا من الأشياء التي يصعب التخلص منها. وحين يتوفاك الأجل، سيتحلل جسمك ببطء، أو تُرسل جثتك إلى محرقة أو يقع إذابتها في خزان مليء بهيدروكسيد البوتاسيوم. لكن ما سيكون مصير تلك الجثة الرقمية المزعجة؟ ستكون هذه البيانات بمثابة روح عالقة في البرزخ الإلكتروني، لن تحظى بالخلاص أبدا ما لم تحرّرها بالتأكيد.
كل ما عليك فعله هو تنظيم جنازة إلكترونية. فبفضل التغييرات الأخيرة التي طرأت على القوانين التي تحمي خصوصية الأفراد في كل من أوروبا وكوريا الجنوبية، أضحى لدينا الآن نفوذ أكثر من أي وقت مضى على معلوماتنا الشخصية تتجاوز حدود القبر. قد يبدو هذا الأمر كأنه وسيلة للتحايل في الماضي، إلا أن الجنازات الإلكترونية حيث يطلب الشخص محو جميع بياناته على الإنترنت بعد وفاته، باتت بشكل تدريجي خيارًا ناجعا وقابلاً للتطبيق. لكن لماذا قد ترغب في حجز موعد مع متعهد دفن عبر الانترنت؟
تتمثل الجنازات الرقمية في مسح وترتيب البيانات العامة الخاصة بك بعد الوفاة
في حين يستطيع الأصدقاء أو العائلة أو حتى مجموعة قانونية ترتيب الشؤون المادية الخاصة بالشخص المتوفى، فإن مصير الإرث الرقمي يُترك للصدف. وقد تساعد الجنازة الالكترونية على إلغاء المقالات أو المدونات التي تشير إلى قناعات العميل أو التأكد من أن حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي محمية. وفي حال وافتك المنية في العالم الحقيقي، فإنه من المتوقع أن تتوفى أيضًا على “فيسبوك” و”إنستغرام” و”غوغل”.
تتمثل الجنازات الرقمية في مسح وترتيب البيانات العامة الخاصة بك بعد الوفاة. ووفقًا لخدمة معلومات التوظيف الكورية، تعد هذه الفكرة جديدة نسبيًا، ولكنها قيد التطبيق بالفعل في كوريا الجنوبية. وبالنسبة لمعظم متعهدي الدفن الرقميين، فإن الصعوبة تكمن في الاتصال بشركات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث وشركات الإعلام التي تنشر المعلومات الشخصية، ودعوتها لمحو هذه البيانات عندما يُتوفى أحد حرفائها. وفي حال لم ينجح هذا الأمر، فستتمكن الشركات سواء تلك التي في كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، من دفن نتائج محرك البحث عن طريق إغراق غوغل ببيانات جديدة متضاربة حول الشخص المتوفى.
في الواقع، تعتبر شركة “سانتا كروز”، التي يقع مقرها في العاصمة الكورية سيول، واحدة من أولى الشركات التي تتولى مهمة مراسم الدفن الرقمي. تأسست هذه الشركة سنة 2008 حيث كانت في الأصل وكالة للترفيه، ولكنها أصبحت الآن متخصصة في محو البيانات الشخصية من الإنترنت لحرفائها سواء الذين توفوا أو أولئك الذين مازالوا على قيد الحياة. ويشمل نطاق هذه الشركة ترتيب الجنازة الرقمية و”إدارة السمعة” لأولئك الذين سقطوا ضحية الإباحية التي تُنشر بدافع الانتقام.
على الرغم من أن الشركات الرقمية لا تقدم أي توابيت أو خدمات تزيين باهضة التكلفة، إلا أنه لا يزال يتعين على العميل إنفاق مبلغ مهم للتخلص من معلوماته الشخصية
حيال هذا الشأن، أوضح الرئيس التنفيذي “لسانتا كروز”، كيم هو جين، أن الشركة “لا تستخدم أي برنامج [لمحو البيانات]، ولكنها [عوضا عن ذلك] تبحث عن مقالات أو أي نوع من المنشورات وتطلب من كل شركة أن تحذفها بموجب النموذج الموحّد أو العقد أو قانون الجرائم الجنسية”، مضيفا أنه “لحدود سنة 2017، طلب نحو 5500 فردا وشركة الحصول على عقود. وقد تابع 10 بالمئة منهم تنفيذ الإجراءات، بيد أنه من الصعب محو جميع البيانات”. لكن يدّعي كيم أن الشركة تمكنت من حذف معلومات حرفائها بنسبة 98 بالمئة.
لا يقتصر وجود متعهدي الدفن الرقميين على كوريا الجنوبية، فعلى سبيل المثال تساعد الشركة البريطانية “ديجيتال أوكس”، التي تقع في لينكونشير والتي تأسست سنة 2017، العملاء المتوفين أو عائلاتهم على محو جميع بياناتهم الخاصة من خلال التواصل بالنيابة عنهم مع الشركات الإلكترونية على غرار “غوغل” في إطار النظام الأوروبي العام لحماية البيانات.
في هذا السياق، أوضح الرئيس التنفيذي للشركة، آرون يونغ، أنه “في حال رفض محرك البحث إزالة المحتوى المعني بالأمر فإن الخطوة التالية تتمثل في تسليم الأمر إلى مكتب مفوضية المعلومات، وفي بعض الحالات النادرة التي رفض فيها محرك البحث إتمام العملية، فإن الخطوة الأخيرة هي تعيين محامٍ لتولي القضية. علاوة على ذلك، انتقلت 25 من أصل 80 عملية محو قانونية قمنا بها خلال السنة الماضي إلى مفوضية المعلومات، بينما اضطررنا إلى نقل واحدة من هاته العمليات إلى المحكمة بسبب رفض غوغل”.
تقدم بعض المنظمات الأخرى حلولًا إبداعية للتخلص من البيانات بعد وفاتنا، على غرار شركة “فرود”، والتي تعمل على مشاريع التحنيط الرقمي المتمثلة في جمع الأجهزة التي تحتوي على المعلومات الشخصية للعميل وتخزينها
على الرغم من أن الشركات الرقمية لا تقدم أي توابيت أو خدمات تزيين باهضة التكلفة، إلا أنه لا يزال يتعين على العميل إنفاق مبلغ مهم للتخلص من معلوماته الشخصية. من جهتها، تتكفل شركة “سانتا كروز” بإزالة بياناتك مقابل مبلغ ألفي دولار شهريا (أي ما يعادل 1548 جنيه إسترليني)، ويمكنها إزالة حوالي 100 منشور في غضون أسبوع. في المقابل، تتقاضى “ديجيتال أوكس” قرابة 295 جنيهًا إسترلينيًا لإزالة نتيجة محرك بحث واحدة، و100 جنيه إسترليني عن كل طلب إضافي لمحو نتائج محرك بحث أخرى. وأفاد يونغ بأن “ديجيتال أوكس” تقدم عادة فاتورة واحدة للعائلة بما أن عملاءها متوفون.
تقدم بعض المنظمات الأخرى حلولًا إبداعية للتخلص من البيانات بعد وفاتنا، على غرار شركة “فرود” التي لها مقر ضمن “سومرست هاوس ستوديوز” في لندن، والتي تعمل على مشاريع التحنيط الرقمي المتمثلة في جمع الأجهزة التي تحتوي على المعلومات الشخصية للعميل وتخزينها. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لا يحل مشكلة الوجود الرقمي للأشخاص على مواقع الإنترنت، إلا أن عملية “فرود” تجعل الأقراص الصلبة أو الفلاشات غير قابلة للاستخدام من خلال تغطيتها بمادة الراتنج.
إن هذا الحل يعد طريقة فنية لمعالجة مشكلة رقمية متنامية، تهدف إلى إثارة الجدل حول مصير معلوماتنا على الإنترنت. وفي هذا السياق، أفادت المؤسسة المشاركة في “فرود”، أودري سامسون، بأن “جنازات البيانات الرقمية هي استراتيجية فنية لمناقشة سياسة المحو، وحق العميل في أن يغدو منسيا، بالاضافة إلى أشباح البيانات. وتتمثل العملية في مزج مركبين من الراتنج، ووضع الفلاشات في قوالب من السليكون، ثم تغطيتها بتلك المادة”. وبعد مرور 15 دقيقة، تجف مادة الراتنج، وتحبس البيانات الشخصية داخل الجهاز.
خلال سنة 2014، أطلقت شركة “ياهو” اليابانية خدمة “إنهاء ياهو” التي تتكفل بمحو حسابك الإلكتروني في حال وفاتك، كما تبعث رسالة على البريد الإلكتروني لكل معارفك لتعلمهم بالخبر، وتمحو الصور والمستندات من الدرايف الخاص بك، بالإضافة إلى إلغاء الاشتراكات
قد يكون من السهل تحنيط الأجهزة بالراتنج، ولكن التخلص من الحسابات الرقمية الخاصة بالعملاء المتوفين يمثل عملية مختلفة. خلال سنة 2009، قدمت شركة “غوغل” خاصية “إحياء الذكرى”، بينما أضافت في سنة 2015 خاصية اختيار “وصي” ليمحو حساب الشخص بعد وفاته، إلا أن هاتين الخاصيتين قد حركتا حملة نقد حول إساءة استعمال هذه السلطة.
خلال سنة 2014، أطلقت شركة “ياهو” اليابانية خدمة “إنهاء ياهو” التي تتكفل بمحو حسابك الإلكتروني في حال وفاتك، كما تبعث رسالة على البريد الإلكتروني لكل معارفك لتعلمهم بالخبر، وتمحو الصور والمستندات من الدرايف الخاص بك، بالإضافة إلى إلغاء الاشتراكات. ولكن من المقرر أن تلغى هذه الخدمة في آذار/ مارس 2019 بسبب عدم شعبيتها.
لكن كل ما في الأمر هو أننا عندما نعيش معظم حياتنا على مواقع الإنترنت بين التغريدات وحساباتنا على مواقع التعارف ومعلوماتنا الطبية، فإن طريقة التخلص من تلك البيانات الشخصية يغدو ذو أهمية كبرى، وأهم حتى مما يحصل في الواقع لجسدنا. وبينما تتحلل الجثة بمرور الوقت، فإن تركتنا الرقمية يمكن أن تظل إلى الأبد.
المصدر: وايرد