المظاهرات المستمرة منذ الـ19 من ديسمبر/كانون الأول الماضي ليست الخطر الوحيد الذي يهدد حكومة الرئيس السوداني عمر البشير، إذ شهدت الأيام الماضية إضرابًا واسع النطاق لعمال ميناء بورتسودان احتجاجًا على توقيع وزارة النقل عقدًا مع الشركة العالمية لخدمات حاويات الموانئ الفلبينية (أي. سي. آي) لإدارة وتشغيل محطة الحاويات في ميناء بورتسودان التي يطلق عليها الأهالي “الميناء الجنوبي” وذلك لفترة تبلغ 20 عامًا.
بدأ الإضراب فعليًا من محطة الحاويات لكنه امتد صباح الأربعاء ليشمل كل الموانئ البحرية السودانية الواقعة شرقي البلاد.
ولكي نفهم بالضبط أهمية محطة الحاويات التي حدثت بسببها الأزمة الحاليّة سنعطي أولًا فكرة عامة عن موانئ السودان الرئيسية التي تنقسم إلى 5 هي:
1- الميناء الجنوبي: يستوعب أكثر من 85% من حركة الصادرات والواردات، حيث تمر عبره البضائع العامة من مواد غذائية ومنتجات صناعية وغيرها، ويضم صومعة لتخزين الغلال تبلغ سعتها 50 ألف طن.
2- الميناء الشمالي: مخصص لشحنات الحبوب بأنواعها المختلفة إلى جانب القليل من البضائع العامة للتخفيف عن الميناء الجنوبي.
3- ميناء الخير: مخصص للمواد البترولية.
4- الميناء الأخضر: خاص بنقل واستيراد الآليات الثقيلة.
5- ميناء الأمير عثمان دقنة: تنطلق منه رحلات المسافرين عن طريق البحر الأحمر، إلى جانب نقل صادرات الماشية واللحوم الجاهزة إلى الخارج.
أهمية وخطورة الميناء الجنوبي في أنه الميناء الأول الذي تمر عبره البضائع العامة الصادرة والمستوردة، فأكثر من 85% من حركة التجارة تمر عبر محطة الحاويات التي يضمها الميناء
وهناك موانئ أصغر حجمًا مثل ميناءي هيدوب والشيخ إبراهيم والأخير يفترض أن يحل محل ميناء عثمان دقنة الذي يخضع للتأهيل بصفقة كبيرة أبرمتها حكومة السودان مع دولة قطر.
إذًا، تكمن أهمية وخطورة الميناء الجنوبي في أنه الميناء الأول الذي تمر عبره البضائع العامة الصادرة والمستوردة، فأكثر من 85% من حركة التجارة تمر عبر محطة الحاويات التي يضمها الميناء.
بداية الأزمة
العام الماضي، أعلن وزير النقل السوداني السابق مكاوي عوض أن أربع شركات تتنافس على تأهيل الميناء الجنوبي هي: شركة فرنسية وشركة فلبينية وشركة بوابة البحر الأحمر السعودية، فضلًا عن شركة موانئ دبي، مشيرًا إلى أنه عند الانتهاء من تأهيل الميناء الجنوبي سيرتفع عدد استقبال الحاويات بالميناء إلى مليون حاوية بدلاً من 400 ألف حاوية حاليًّا.
حديث عوض وإن كان منمقًا فإنه لم يعجب كثيرين رأوا أن البلاد تفرط في مقدراتها وبنيتها التحتية كما فرطت من قبل في مشروع الجزيرة وشركة الخطوط الجوية السودانية وقطاع السكة حديد والاتصالات، فمن العام قبل الماضي بدأت إرهاصات الاحتجاج والإضراب عندما اضطر وفد تابع لشركة موانئ دبي العالمية إلى مغادرة ميناء بورتسودان الجنوبي وذلك عقب اعتراض العمال على وجوده والتعبير عن رفضهم لمقترح تسليم إدارة الميناء لشركة أجنبية.
المصادر الحكومية اعتبرت أن إسناد إدارة الميناء الجنوبي لشركة عالمية متخصصة في إدارة محطات الحاويات يعتبر رؤية وإستراتيجية عميقة تهدف لتطوير أساليب العمل وترقية معايير الأداء وكسب مزايا تفضيلية واستقطاب فرص جديدة للحصص السوقية
وقد زاد الرفض الشعبي لوجود موانئ دبي في السودان بعد السمعة السيئة التي اكتسبتها في منطقة القرن الإفريقي في أعقاب طردها من جيبوتي ثم صوت البرلمان الصومالي بعد نحو شهر من القرار الجيبوتي لصالح قرار يمنع شركة موانئ دبي العالمية من العمل في البلاد، متضمنًا مشروع اتهام لشركة موانئ دبي، بـ”الاعتداء الصارخ على سيادة الصومال ووحدته”.
الشركة الفلبيينية.. هل هي واجهة لموانئ دبي؟
في الـ20 من يناير/كانون الثاني الماضي وبينما كان السودان كله مشغولًا بالمظاهرات الشبابية المنادية بإسقاط النظام، كانت الحكومة السودانية ممثلة في وزارة النقل توقع اتفاقًا مع “الشركة العالمية لخدمات حاويات الموانئ الفلبينية” (أي. سي. آي) لإدارة وتشغيل محطة الحاويات بميناء بورتسودان، وقضى الاتفاق حسب الصحف السودانية بأن تدفع الشركة الفلبينية 410 ملايين يورو (نحو 468 مليون دولار) كمقدم، على أن تقوم لاحقًا بدفع مليوني يورو (2.28 مليون دولار) شهريًا.
المصادر الحكومية اعتبرت في حينها أن إسناد إدارة الميناء الجنوبي لشركة عالمية متخصصة في إدارة محطات الحاويات يعتبر رؤية وإستراتيجية عميقة تهدف لتطوير أساليب العمل وترقية معايير الأداء وكسب مزايا تفضيلية واستقطاب فرص جديدة للحصص السوقية وخلق أنشطة لوجستية داعمة وتمليك العاملين مهارات جديدة وتقنية حديثة، إضافة إلى توفير آليات حديثة بما يتيح للموانئ البحرية السودانية لأن تصبح في مصاف الموانئ العالمية.
يقول ممثل المواطنين المضربين عن العمل عبود الشربيني، إن الشركة الفلبينية “مجربة وفاشلة منذ عام 2013″، كما أنها شركة وهمية لأنها في الحقيقة شركة إماراتية تضم مساهمين سودانيين
ولكن صحفيين ومراقبين شككوا في أن تكون الشركة الفلبينية المذكورة مجرد واجهة لموانئ دبي صاحبة السمعة السيئة في المنطقة، فمن بين الـ5 شركات التي تقدمت لنيل حق إدارة الميناء، توجد من بينهم 3 شركات تتخذ من دبي مقرًا لها، هي: موانئ دبي العالمية نفسها إلى جانب كل من الشركة السعودية والشركة الفلبينية التي يعتقد أنها واجهة للإمارات، حيث سبق أن أبدى المستشار السابق بهيئة الموانئ والأكاديمي في مجال اقتصاديات النقل البحري أمين موسى الحاج شكوكه بشأن وجود علاقة بين الشركة الفلبينية وشركة موانئ دبي.
ويقول ممثل المواطنين المضربين عن العمل عبود الشربيني، إن الشركة الفلبينية “مجربة وفاشلة منذ عام 2013″، كما أنها شركة وهمية لأنها في الحقيقة شركة إماراتية تضم مساهمين سودانيين، وفق تعبيره، بينما تقول مصادر صحيفة التغيير الإلكترونية إن الشركة لها صلة بأحد أشقاء الرئيس البشير، وتضيف أن عبدالله “شقيق البشير”، زار الميناء عدة مرات خلال الفترات الأخيرة والتقى عددًا من قيادات الولاية والميناء، لذلك ترجح مصادر الصحيفة أن تكون هذه الشركة الفلبيبنة المسجلة في الإمارات مدعومة من شقيق البشير بشكل مباشر.
رفض شعبي واسع للصفقة
ظُهر الأربعاء الماضي، مَنَع العاملون بالميناء الجنوبي في مدينة بورتسودان مساعد الرئيس موسى محمد أحمد، ووزير النقل حاتم السر، وأعضاء لجنة توفيق الأوضاع، من دخول ميناء الحاويات، ورددوا هتافات وشعارات مناوئة للاتفاقية الموقعة مع الشركة الفلبينية.
وكانت اللجنة التي تضم مساعد الرئيس ووزير النقل ومندوب من وزارة المالية ومندوب من جهاز الأمن والمخابرات وممثلين لجهات ذات صلة، قد فشلت في لقاء العاملين بالميناء، يوم الثلاثاء، الأمر الذي دعا موسى والسر إلى تمديد الزيارة لبورتسودان يومين آخرين، وقال حينها طاهر عثمان أحد القيادات العمالية لوسائل إعلام محلية إن الإضراب استمر لليوم الثالث على التوالي، وأنهم قرروا الاستمرار في الإضراب عن العمل حتى تحقيق مطالبهم.
يوم الخميس 21 من فبراير/شباط، دخل عمال الموانئ السودانية في إضراب مفتوح تضامنًا مع زملائهم في ميناء بورتسودان الجنوبي
وبالفعل، رفض العاملون بالميناء الجنوبى الاستماع إلى لجنة توفيق أوضاع العاملين التي كوّنها رئيس الوزراء معتز موسى ولم يسمحوا لهم حتى بالنزول من عرباتهم، وكان المشهد أكثر إثارة حينما قدم عدد من أعضاء اللجنة التي يرأسها مساعد رئيس الجمهورية موسى محمد أحمد لجمهور العمال معلومة إقالة مدير الموانئ عبد الحفيظ صالح وتعيين جلال شلية بديلًا عنه، فتعالت هتافات العمال المحتشدين ضد جلال شلية واعترضوا طريق الوفد ولم يسمحوا لهم بمخاطبة الجمهور.
بينما نظمّت اللجنة العليا لمناهضة الخصخصة التي تم تكوينها حديثًا ندوةً بنادي “البجا” عن العقد المبرم بين هيئة الموانئ والشركة الفلبينية لإيجار الميناء الجنوبي، وأكد المتحدثون في الندوة بأنه لا مساومة ولا تفاوض في خصخصة الموانئ وقالوا إن الخصخصة عرض من أعراض مرض التخلص من المؤسسات العامة ولا تصلح في مجتمعات فقيرة، وزادوا أن حجة الدولة في تطبيق الخصخصة بهدف التطوير والتحديث غير مقبولة، لأن الميناء الآن عمره أكثر من 100 عام ومصدر رزق لأكثر من 30 ألف عامل.
يوم الخميس 21 من فبراير/شباط، دخل عمال الموانئ السودانية في إضراب مفتوح تضامنًا مع زملائهم في ميناء بورتسودان الجنوبي، الذين نفذوا الإثنين الماضي إضرابًا عن العمل للمطالبة بحقوقٍ تشغيلية قبيل دخول المشغل الأجنبي الجديد لإدارة الميناء، وقال الصحفي المقيم في بورتسودان والمهتم بشؤون الموانئ عبد القادر باكاش للأناضول إنه منذ الصباح توقفت كل الموانئ البحرية (الشمالي، الأخضر، الخير، ميناء عثمان دقنة بمدينة سواكن).
المدير المقال يكشف: استبعدنا الشركة الفلبينية منذ المرحلة الأولى!
مدير هيئة الموانئ البحرية اللواء عبد الحفيظ صالح الذي يعتقد أنه أُقيل لموقفه الرافض للاتفاقية مع الشركة، كشف أنهم في الهيئة “استبعدوا الشركة الفلبينية من المنافسة بعد فترة أولى من التمحيص والتدقيق والبحث الفني”، مضيفًا في حوار صحفي: “كانت هنالك شركة في المرتبة الثانية بالعطاء لم تمنح العطاء لأسباب موضوعية، وبالتالي الشركتان الأولى والثانية لم تفوزا بالعطاء، ولكن تفاجأنا بعودة الشركة الفلبينية”.
يصف الكاتب الصحفي مزمل أبو القاسم رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي، الصفقة بأنها “جريمة في حق الميناء”
ويؤكد صالح مخاوف العمال المضربين بقوله “لا يوجد شيء موثق أو مكتوب عن أن العامل سيستمر بالعمل أو يمنح حقوقه”، وعن إمكانية التراجع عن الصفقة يقول المدير المقال: “لا يوجد ما يمنع إيقاف الصفقة مطلقًا، والاتفاقية نفسها أعطت الحق في التراجع عن الصفقة في الفترة التأهيلية ما بعد التوقيع وقدرها 4 شهور”.
ويصف الكاتب الصحفي مزمل أبو القاسم رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي، الصفقة بأنها “جريمة في حق الميناء”، مشيرًا إلى أنه في العام الماضي استقبل الميناء الجنوبي 480 ألف حاوية، وبلغ دخل الميناء منها 156 مليونًا ونصف المليون يورو، أي أن دخل الميناء في الشهر بلغ العام الماضي وحده أكثر من 13 مليون يورو، متسائلًا: “أي منطق وأي حساب، ولمصلحة من يتم استبدال 13 مليون يورو، بمليوني يورو شهريًا؟”، ويتابع “بحسبة بسيطة نجد أن القيمة الكلية للعقد الفلبيني، تساوي دخل الميناء الجنوبي لمدة ثلاث سنوات فقط!”.
أخطر بند في الصفقة يتضارب واتفاق سواكن مع قطر
يلفت أبو القاسم إلى أن أخطر ما في العقد المشار إليه أنه مَنَح الشركة الفلبينية الحق الحصري في احتكار العمل في كل موانئ الحاويات بالسودان، لمدة 20 سنة مقبلة، يُحظر خلالها على أي جهة أخرى أن تمارس أي عمل في مجال تنزيل الحاويات من البواخر قطعيًا، ذلك يعني أن الدولة لن تمتلك أي سلطة لتطوير بقية موانئها، كي تستقبل المزيد من الحاويات على مدى عقدين مقبلين، إلا عبر هذه الشركة المحظوظة.
لم تكن حكومة البشير بحاجة إلى ورطة جديدة ومواجهة مع الشعب السوداني ككل وليس أهل الشرق فحسب بعد أن أرهقتها المظاهرات المستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي
وبالفعل يتعارض الاتفاق مع الاتفاقية التي وقّعتها حكومة السودان مع دولة قطر في مارس/آذار من العام الماضي، بخصوص تطوير وتأهيل ميناء سواكن بصفقة هائلة تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار، الأمر الذي يعكس تخبُّط الحكومة السودانية وعدم التزامها بالاتفاقيات المبرمة مع الدول الصديقة، خاصة أن الشركة القطرية لإدارة الموانئ أرسلت عددًا من رافعات وقوارب السحب تنفيذًا للمرحلة الأولى لمذكرة التفاهم التي وقعتها الشركة القطرية مع هيئة الموانئ البحرية لتطوير ميناء “سواكن” وجعله ميناءً رئيسيًا لنقل البضائع يخدم السودان ودول الجوار التي لا تمتلك موانئ مثل جنوب السودان وإثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى.
هل تتراجع الحكومة السودانية؟
لم تكن حكومة البشير بحاجة إلى ورطة جديدة ومواجهة مع الشعب السوداني ككل وليس أهل الشرق فحسب بعد أن أرهقتها المظاهرات المستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، فالميناء قضية حيوية تهم السودانيين كلهم وليس أهالي بورتسودان وما جاورها لأنه ملك الشعب السوداني ولا يتم التصرف فيه إلا بأمر الشعب كا قال لـ”نون بوست” حمد دفع الله المهتم بقضايا شرق السودان.
ولم يخفِ دفع الله، خشيته من أن تفتح صفقة ميناء بورتسودان مع الشركة الفلبينية ثغرة كبيرة في الأمن القومي السوداني، وذلك بتمكين جهات أجنبية من الاطلاع على صادرات وواردات البلد، مضيفًا في حديثه الخاص مع نون بوست “الصفقة تمس سيادة البلد، وأنا أشك جدًا في نوايا هذه الشركة بالنظر إلى الطريقة المريبة التي تمت بها الصفقة وكل المؤشرات تدل على أن هذه الشركة شركة إماراتية، وأبو ظبي تسعى للسيطرة على البحر الأحمر، وقد شاهدنا حليفهم السيسي في كل لقاءته مع البشير كان يتحدث ويركز على أمن البحر الأحمر”.
يبدو أن الإنفاق الهائل على الاستعداد الأمني مع استمرار التظاهرات طيلة الشهرين الماضيين كلّف خزينة الحكومة السودانية المنهكة أصلًا مبالغ طائلة
وجّهنا سؤالًا لمحدثنا عن إمكانية تراجع الحكومة السودانية عن الاتفاق خاصة أن العقد يسمح بذلك وفق إفادة مدير هيئة الموانئ المقال، فعلّق دفع الله قائلًا: “نتمنى أن تستمع الحكومة لرأي الشعب السوداني ولو لمرة واحدة فقط وتوقف هذه الصفقة الكارثة علي السودان”، وتابع “يجب ألا يضيع الميناء وأن يكون مصيره كمصير خط هيثرو وشركة موبيتيل التي بدأ بيعها ببيع جزء من أسهمها لزين الكويتية وما لبثت قليلًا حتى تم بيعها بالكامل وبذلك أصبحت شركة الاتصالات الوطنية الأولي في السودان مملوكة لدولة أجنبية”.
لهذا وقّعت حكومة البشير العقد الكارثي رغم خطورته
قد يسأل أحدنا ما دامت صفقة استحواذ الشركة الفلبينية على ميناء سواكن الجنوبي بهذه الدرجة من الخطورة على اقتصاد البلاد وأمنها وعلى عشرات الآلاف من مواطني ولاية البحر الأحمر، فلماذا وقعتها الحكومة السودانية من الأساس دون وضع اعتبار لهذه المخاطر؟
للإجابة عن السؤال سنعود بالذاكرة إلى حديث رئيس الوزراء معتز موسى في يناير/كانون الثاني الماضي عندما قال: “ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻱ ﺯﻭﻝ ﺷﺎﻳﻞ ﻟﻴﻬﻮ ﺩﻭﻻﺭ ﻓﻲ ﻳﺪﻭ ﺃﺧﻴﺮ (أفضل) ﻳﺘْﺨﺎﺭﺝ ﻣِﻨُّﻮ”، وأضاف ﻓﻲ ﻠﻘﺎﺀ ﺟﻤﻌﻪ ﺑﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ بمجلس الوزرﺍﺀ “ﻳﻮﻡ الإثنين ﺳﻨﻌﻠﻦ ﺇﺗّﻔﺎﻗاﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻧﺸﻮﻓﻬﻢ ﺣﻴﻤﺸﻮﺍ ﺑﻴﻬﻮ ﻭﻳﻦ ﺗﺎﻧﻲ”.
ليس لدينا تفسير لحديث موسى سوى أنه يعني بالاتفاقات التي توقَّع أن تخفض سعر الدولار إلا اتفاقية الميناء مع الشركة الفلبينية الغامضة لأنها تمّت في الفترة ذاتها، وحصلت حكومته بموجبها على أقل من نصف مليار دولار، كان رئيس الوزراء يعتقد أنها كفيلة بحل أزمة النقد الأجنبي ولو مؤقتًا بعد أن فشلت الحكومة في ترويضه وجرّبت محاولة الحصول على مساعدات نقدية من دول الخليج دون جدوى، فها هو الدولار يتصاعد إلى أن وصل 76 جنيهًا بسعر “الكاش” فيما تجاوز الـ94 بالبيع الآجل عن طريق الشيكات.
حكومة البشير أضافت أزمة جديدة إلى الأزمة السياسية الاقتصادية المستفحلة التي تعصف بها
ويبدو أن الإنفاق الهائل على الاستعداد الأمني مع استمرار التظاهرات طيلة الشهرين الماضيين كلّف خزينة الحكومة السودانية المنهكة أصلًا مبالغ طائلة، إضافة إلى الالتزامات القائمة عليها أصلًا كسداد متأخرات القروض المتعثرة ومحاولة مجاراة تردي العملة الوطنية لتوفير الوقود والسلع الأساسية بسعر معقول إلى المواطنين، كل هذا جعل المبلغ الذي حصلت عليه الخرطوم من الشركة الفلبينية عديم الأثر.
حكومة البشير أضافت أزمة جديدة إلى الأزمة السياسية الاقتصادية المستفحلة التي تعصف بها، فحديث مدير الموانئ المقال الذي أبدى فيه استغرابه من عودة الشركة الفلبينية بعد استبعادها يشير بوضوح إلى اتهامات خطيرة بتورط شخصياتٍ نافذةٍ أنهت الصفقة على النحو الذي أثار غضب عمال الميناء وجعلهم يقاومون الاتفاقية بسلاح الإضراب الذي أدخل الحكومة في مأزق لم تكن بحاجة إليه، فهل تتراجع عن الاتفاق من أجل إنهاء الأزمة المتصاعدة؟ وهل هي على استعداد لإرجاع الـ410 مليون يورو للشركة مع تنفيذ الشروط الجزائية التي تترتب على فسخ العقد؟