فجر الرئيس السوداني عمر البشير مفاجأة سياسية من العيار الثقيل من شأنها تغيير خريطة الحياة السياسية للبلاد لو أوفى الرجل بما وعد في خطاب الجمعة المثير، فقد أعلن حالة الطوارئ في البلاد، واستبقها بإقالة الحكومة والولاة وإعلان عدم رغبته الترشح للانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى الاستقالة من الحزب الحاكم الذي يرأسه منذ صعد على ظهر الدبابة ذات من يوم من العام 1989، ذلك اليوم الذي لا ينساه السودانيون، عندما أطل عليهم الجنرال المتشبث بالسلطة حتى الآن.
يجد السودانيون من رئيسهم الجنرال خطابًا مغايرًا غير الذي عهدوه، يتسم بالحكمة والتعقل والوعود ويطرح العديد من الأسئلة والاحتمالات عن سبب التغيير المفاجئ في سياسته وخطابه تجاه المتظاهرين
البشير عبر عن حالة واضحة من القلق الذي سببته مظاهرات الـ19 من ديسمبر من العام 2018 لنظامه، وظل الرجل طوال 3 أشهر منذرًا ومتوعدًا ومخونًا كل خارج ضد نظامه مطالبًا بتغييره، بل لجأ البشير إلى التهديد علانية بسحق المتظاهرين تحت ذريعة الخروج على الحاكم الشرعي ممثلاً في شخصه.
اليوم يجد السودانيون من رئيسهم الجنرال خطابًا مغايرًا غير الذي عهدوه، يتسم بالحكمة والتعقل والوعود ويطرح العديد من الأسئلة والاحتمالات عن سبب التغيير المفاجئ في سياسته وخطابه تجاه المتظاهرين من شعبه الذين لا يثقون كثيرًا في وعود الرجل، فله قصص ووعود مشابهة وليس آخرها وعده إبان مظاهرات العام 2013 التي كانت أسبابها مشابهة لأسباب الاحتجاجات الأخيرة، وقابلها البشير بقمع شديد راح ضحيته أكثر من 200 قتيل، ليخرج الرئيس السوداني بوعد بعدم الترشح لانتخابات 2015 قبل أن ينكث وعده ويترشح ويفوز في انتخابات توضع أمامها العديد من علامات الاستفهام.
ها هو البشير يكرر نفس الوعود اليوم، بعدم الترشح لولاية ثالثة مع تقديم تنازلات أكثر من بينها إقالة الحكومة والولاة وإعلان حالة الطوارئ.
أما عن القراءات التي طالت خطاب البشير الأخير المشابه كثيرًا لخطابات الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أيامه الأخيرة مع اختلاف الزمان والمكان والمكانة، فمتعددة وكثيرة: أولها ما تحدثت عنه شبكة الـ”بي بي سي” قبل أيام من ضغط دولي يمارس على البشير من طرف الأمم المتحدة مفاده أن البشير سيتنازل عن الحكم مقابل إغلاق ملف محكمة الجنايات الدولية التي يعد البشير أحد الرؤوس المطلوبة لها، وتلك دارفور شاهدة على جرائم الجنرال بحق شعبه والإنسانية من وراء ذلك خير الشاهدين.
اليوم يقف الشارع السوداني حائرًا بين مصدق لخطاب البشير منتظرًا التغيرات السياسية الجديدة أو السودان ما بعد البشير ومكذب للخطاب يرى فيه مناورة للثورة
أما ثاني الاحتمالات: فهو المناورة السياسية التي عهدها السودانيون من البشير ومحاولة كسب الوقت حتى تهدأ عاصفة الاحتجاجات التي لم يسلم منها شارع سوداني منذ ديسمبر الماضي، وإعلان البشير عدم رغبته في الاستمرار بالسلطة فيه دغدغة لمشاعر المقعدين من الشعب السوداني، فيظهر في ثوب المنقذ والمحب لوطنه الذي قدم مصلحة البلاد على مصالحه الشخصية، وكم قدم البشير نفسه كمنقذ وموحد للسودان!
فالرجل الذي صعد للسلطة عبر الانقلاب على حكومة الصادق المهدي في ثمانينيات القرن الماضي ورفع يومها شعاري الإسلام والسياسة والعسكري الحاكم بأمر الله، وظل يرفض فكرة إجراء الانتخابات حتى عام 2010 مع بداية إشراقة شمس الربيع العربي.
أما ثالث الاحتمالات: فهو خذلان الحلفاء وخاصة العرب منهم، فالسعودية حامية نظام البشير غاضبة عليه بسبب الموقف من حصار قطر حين رفض الرضوخ مع الراضخين، أما قطر فمحرجة من البشير وإن قربه نظامها بسب موقفها الداعم للثورات والحرية والديمقراطية.
أما الولايات المتحدة ففي حرب دائمة مع نظام البشير وهي قديمة متجددة، وكذلك حال الغرب الذي يرفع شعار حماية حقوق الإنسان خاصة أن نظام البشير مدان بارتكاب جرائم إنسانية ومطلوب دوليًا، وربما قال قائل منهم نستبدل البشير ببشير لا محاكم تطلبه.
اليوم يقف الشارع السوداني حائرًا بين مصدق لخطاب البشير، منتظرًا التغيرات السياسية الجديدة أو السودان ما بعد البشير ومكذب للخطاب يرى فيه مناورة للثورة ومطالبًا باستكمال الاحتجاجات حتى إسقاط نظام البشير، وقد أخلف الرجل وعوده مرات، فهل يصدق في هذه؟