ترجمة وتحرير: نون بوست
تعرض صورة معلقة على أحد جوانب باب المدخل الرئيسي رسومات الأطفال الذين جسدوا من خلالها مشاهد العنف والدماء: إلى جانب قطرات الدم الحمراء، تعكس الخربشات المرسومة، باستخدام قلم الرصاص، وابل القنابل والرصاص والجثث الهامدة، كما تقدم وصفا دقيقا لسلاح رشاش يطلق النار عبر جدار صخري، فضلا عن صورة لبندقية كلاشنكوف.
في المقابل، يتنبأ عرض على الجانب الآخر من الباب بمستقبلِِ سعيد، من خلال مشهد لصبي يثبّت قدمه فوق كرة ويرفع كأسا بين يديه، إلى جانب ضابط ينتمي إلى قوات الجيش ويحمل ثلاثة نجوم على كلا كتفه. وفي المنتصف، يوجد المدخل المؤدي إلى مركز إعادة تأهيل الأطفال المجندين في مدينة مأرب باليمن، والذي تموله المملكة العربية السعودية، حيث تُعلق صورة الملك سلمان على الحائط.
من المرجح أن عملية تهيئة المركز تأتي في إطار حملة دعائية تروج لها السعودية؛ إذ لم يغفل الممولون السعوديون وحلفائهم اليمنيين عن دعوة قائمة طويلة من المؤسسات الإخبارية الغربية
عموما، حرص المركز، الذي افتتح منذ فترة تتجاوز السنة بقليل، على توفير أجواء ملائمة تراوح بين التعليم واللعب داخل فيلا مريحة، لمدة ستة أسابيع، لأطفال يفوق عددهم حوالي 200 طفل والذين تندرج أسماؤهم ضمن قائمة الأفراد الذين جندوا من قبل الجماعات المسلحة التي تقاتل في اليمن. وقد جُنّد جميعهم، تقريبا، من قبل الحوثيين، الذين عرفهم موظفو المركز على أنهم مجموعة يمنية متحالفة مع إيران وتقاتل ضد القوات المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية.
لكن، من المرجح أن عملية تهيئة المركز تأتي في إطار حملة دعائية تروج لها السعودية؛ إذ لم يغفل الممولون السعوديون وحلفائهم اليمنيين عن دعوة قائمة طويلة من المؤسسات الإخبارية الغربية، ليشهدوا على روايات الأطفال حول الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون.
في ساحة شاسعة خلف جدار عال يقع المركز في عالم بمنأى عن فوضى واكتظاظ المدينة. وقد شهدت مدينة مأرب، التي بلغ عدد سكانها قبل الحرب 40 ألف نسمة فقط، توافد ما يقارب 1.5 مليون نازح يمني. وفي ظل الظروف البائسة داخل المخيمات، تعيش عائلات بأكملها محشورة داخل أكواخ تتكون من غرفة واحدة. ويعتبر الأطفال الذي يتسنى لهم ارتياد المدرسة الفئة الأوفر حظا. ومقارنة بالظروف القاسية التي يمرون بها، يعتبر مركز إعادة تأهيل الأطفال الذين جندوا خلال الحرب بمثابة المنتجع الفخم.
يتكون الفصل الدراسي حاليا من 27 تلميذا، حيث يظهرون في زي مدرسي يشبه ذلك الذي يرتديه طلاب المدارس البريطانية بأحذيتهم وسراويلهم السوداء، وبقمصانهم زرقاء اللون المجعّدة وذات أزرار.
مركز إعادة تأهيل الأطفال المجندين الذي تموله السعودية في مدينة مأرب
عموما، يحصل كل صبي على جهاز حاسوب لوحي جديد، بالاضافة إلى مبلغ مالي يعادل 200 دولار، أي أكثر بكثير مما يجنيه جندي يمني خلال شهر. في هذا الصدد، يقول الطفل طاهر، الذي أشار إلى أنه في سنّ الخامسة عشر، في حين أنه يظهر وكأنه لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره: “أنت تشعر بأنك طفل هنا، حيث تتاح لك الفرص للتصرف مثل الأطفال”. وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة نيويورك تايمز تخفي أسماء الأطفال الكاملة نظرا لأنهم قصر.
في هذا المركز، ينام الأطفال في المركز فوق أسرة مرتبة بعناية، وسط مهاجع فسيحة. كما أنهم يقضون أيامهم في دراسة القرآن أو الرسم أو لعب كرة القدم، فضلا عن الاسترخاء في ردهة مشرقة مزودة بألعاب الألواح.
توصي مجموعات الإغاثة بعودة الأطفال إلى أسرهم في أقرب الآجال، مقترحين العمل على توفير الدعم والتعليم على المدى الطويل داخل مجتمعاتهم المحلية
من جانب آخر، أفاد طفل آخر يدعى رشيد بأنه كان يبلغ الثانية عشرة من عمره حين جُنّد من قبل الحوثيين خلال السنة الماضية. ووفقا للخبراء، قد لا تكون الفترة القصيرة التي يقضيها الأطفال كافية لضمان رفاهيتم على المدى الطويل، حتى وإن كان ذلك في مراكز إعادة التأهيل فخمة. في المقابل، من المحتمل أن يزداد الوضع تعقيدا عند مغادرتهم المركز، وذلك بسبب بناء توقعات تقوم على أسس واهية.
من هذا المنطلق، توصي مجموعات الإغاثة بعودة الأطفال إلى أسرهم في أقرب الآجال، مقترحين العمل على توفير الدعم والتعليم على المدى الطويل داخل مجتمعاتهم المحلية. حيال هذا الشأن، قالت البروفيسورة في كلية بوسطن، والتي كانت بصدد دراسة هذه القضية، تيريزا بيتانكورت: “يكمن المشكل الفعلي في لحظة مغادرة الشخص للمركز ليعود إلى عائلته ومجتمعه”.
في مركز مأرب، يتولى مهيوب المخلافي، الذي صرح خلال مقابلة له بأنه تحصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس من الجامعة الأمريكية في القاهرة، تقديم المشورة إلى الأطفال. لكن خلال المقابلة، عجز المخلافي عن فهم اللغة الإنجليزية البسيطة على الرغم من أن الجامعة التي يدعي بأنه ارتادها لا تقدم دروسا بلغة مغايرة لهذه اللغة، ناهيك عن كونها لا تمنح شهادة الدكتوراه في علم النفس.
من جانب آخر، يزعم المخلافي أنه يعتمد “عملية التنويم المغناطيسي الذاتي” في تعامله مع الأطفال الذين جندوا سابقا. وأقرت مجموعات الإغاثة بأن تجنيد الأطفال ظاهرة منتشرة لدى جميع أطراف النزاع في اليمن ولا تقتصر على الحوثيين أو أية مجموعة أخرى بصفة خاصة. وفي بيان لها أرسلته عبر البريد الالكتروني، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسف، إنها تحققت من وجود حوالي 2700 عملية تجنيد للأطفال في اليمن؛ مشيرة إلى أنه من المرجح أن هذا الرقم يمثل “مجرد جزء بسيط من الواقع”.
نظرا لحضور الزوار السعوديين الذين كانوا بصدد الإصغاء لروايات الأطفال، قاطع موظفو مركز إعادة التأهيل مقابلة مع طفل أفاد بأنه قاتل في صفوف القوات اليمنية المدعومة من السعودية، لا لصالح قوات الحوثيين. في سياق متصل، قال الطفل علي، الذي قاتل بين صفوف القوات المدعومة من السعودية والذي أجريت معه مقابلة في مكان آخر في مأرب، إنه يبلغ السادسة عشرة من عمره في الوقت الحالي وإنه جُند حين كان في الخامسة عشرة.
في وقت لاحق، اعترف مدير المركز والذي كان يحمل الجنسية اليمنية، عبد الرحمان القباطي، بأن القوات المدعومة من السعودية غالباً ما تعتمد على خطة تجنيد أبناء مقاتلين لاقوا حتفهم أثناء الحرب، باعتباره شكلا من أشكال الدعم لأسرة هذا الجندي. وعلق القباطي قائلا: “إنها مشكلة عويصة، يعامل الطفل على أنه طفل إلى أن يبلغ سن الثانية عشرة، ثم يصبح رجلا. وفي ظل هذا الوضع، يفكر المجتمع بشدة بشأن الأطفال الذين يحملون السلاح”.
في الأثناء، اتخذ المسؤولون السعوديون الترتيبات اللازمة بشأن زيارة صحيفة نيويورك تايمز إلى المركز من أجل دحض تقرير سابق، والذي يقر بأن الميليشيات السودانية التي تقاتل في صفوف التحالف شملت أيضا جنودا دون سن الثمانية عشرة. علاوة على ذلك، أصر هؤلاء المسؤولون على أن السودان يعد المسؤول عن اختيار أعمار جميع مقاتليه، وأن التحالف حرص على إعادة جميع الأشخاص الذين تبيّن أن أعمارهم لا تتجاوز الثمانية عشرة سنة إلى أوطانهم.
في الآن ذاته، أكد المسؤولون المذكورون أن كلا الطرفين في اليمن تورطا على حد السواء في عمليات تجنيد بعض الأطفال، إلا أن قوات تحالفهم حاولت، على الأقل، وضع حد لهذه الممارسات.
الصورة على اليمين تمثل رسما لطفل يمني في مركز إعادة تأهيل الأطفال المجندين الذي تموله السعودية، صوّر من خلاله ساحة معركة. على اليسار، طفل يرسم نفسه في أعلى تلة مرتديا ملابسا تحمل اللون الأحمر وبصدد مواجهة العدو الذي يقف على التلة في الجهة المقابلة
حسب الإعلامي بسفارة السعودية في واشنطن، سعود كابلي، “تكتسي قضية تجنيد الأطفال، التي نأمل في تسليط الضوء عليها، أهمية وخطورة كبرى، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى تأسيس مشروع مركز إعادة التأهيل”. ولم يسمح التحالف بأي اتصال أو مقابلات مع قوات الدعم السريع والتي تمثل القوات السودانية الرئيسية التي تقاتل في اليمن. في الواقع، تعد هذه القوات جماعة شبه عسكرية تنتمي إلى ميليشيا الجنجويد، التي حاربت لصالح الحكومة السودانية خلال الصراع في دارفور.
عوضا عن ذلك، نظمت قوات التحالف زيارات إلى معسكرين صغيرين في المملكة العربية السعودية، سجل فيها وجود مجموعات صغيرة من القوات المسلحة السودانية الرسمية. وقد استخدم اللواء أحمدان محمد خير العوض ملصقا أصفر اللون للإشارة إلى فقرة في الدليل العسكري، تتحدث عن وجود بند يجرم تجنيد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة سنة. في الأثناء، نفى الجنرال عوض أي علم بانتشار أوسع للميليشيات في اليمن. وعلق قائلا: “مَن من الموجودين في السودان أخبركم بذلك؟ أنا مسؤول فقط عن لواء الحزم”. وبينما يتبادل الجنرالات والدبلوماسيين الاتهامات، يواصل مقدمي الطلبات التوافد على مركز مأرب بأعداد غفيرة.
خلال مقابلات أشرف عليها مسؤول سعودي، قال ستة فتيان دون الخامسة عشرة من عمرهم إنهم استُقطبوا وفصلوا عن عائلاتهم على أيدي الجنود الحوثيين من خلال تقديم مبالغ مالية، على غرار راتب شهري قدره 50 دولارًا. في بداية الأمر، دعا الحوثيون الأطفال إلى التدريب العسكري أو طلبوا منهم في بعض الأحيان يد المساعدة لدفن جثة جندي لاقى حتفه. وبحسب أقوالهم، سرعان ما تحول الأمر إلى عملية اختطاف فعلية.
نوه الطفل رساس، صاحب الخمسة عشر ربيعا، بأنه انضم إلى الحوثيين قبل مدة تتجاوز الثلاث سنوات، كما أضاف أن الجنود أمروه بالمساعدة في استعادة جندي مصاب من الجبهة
وفقا للضحايا، تولى المقاتلون الحوثيون لاحقا مهمة تعليمهم كيفية استخدام أسلحة الكلاشنكوف والرشاشات الثقيلة، ثم أجبروهم على العمل محملين بالذخيرة والطعام والتبغ، علاوة على نبتة القات المخدرة التي اعتاد الرجال اليمنيون على مضغها. وقد صرح شقيقان بأنهما قاتلا لصالح القوات المدعومة من قبل السعودية. وأشار الجميع إلى أن القتال أثار الخوف في أنفسهم، مما دفعهم إلى الفرار بعد مرور شهر أو شهران فقط.
نوه الطفل رساس، صاحب الخمسة عشر ربيعا، بأنه انضم إلى الحوثيين قبل مدة تتجاوز الثلاث سنوات، أي خلال أواخر سنة 2015 حين كان في الثانية عشرة من عمره. كما أضاف أن الجنود أمروه بالمساعدة في استعادة جندي مصاب من الجبهة. واصل رساس حديثه قائلا: “حملته من كتفه بينما حمله شخص آخر من ساقيه، ثم نقلناه على متن شاحنة صغيرة إلى مستشفى عسكري في صنعاء، وفي تلك اللحظة أدركت أنني بحاجة إلى الفرار”.
في حين كان الأطباء يهتمون بالرجل المصاب، استقل رساس سيارة أجرة متجها نحو منزل عمه الذي عمل على تهريبه إلى مدينة مأرب. عند حلوله بالمنطقة، التقى الطفل بوالدته وأشقائه الأربعة في مخيم للنازحين. وردا على سؤال حول ما إذا كانوا سعداء بلقائه، عجز الطفل عن الكلام بينما كان يحاول كبح دموعه. وبعد مرور لحظات، جمع موظفو المركز الأطفال بهدف تقديم فقرة غنائية لزوارهم، حيث كانوا يرددون الكلمات التالية: “نحن نعيش بسلام في مركز الملك سلمان، نحن بناة الغد”.
المصدر: نيويورك تايمز