لم تكن مظاهرات أمس الجمعة، الأولى التي تخرج ضد النظام الجزائري ويطالب فيها الجموع بضرورة ابتعاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن قصر المرادية وترك المجال لمن يختارهم الشعب لحكم البلاد، إلا أنها المرة الأولى التي تتناول وسائل الإعلام الجزائرية خاصة العمومية منها هذه المظاهرات وتنقل مطالبها بمهنية، فهل بدأت نسائم التغيير تداعب الجزائر؟ وهل نرى تراجع بوتفليقة عن الترشح للعهدة الخامسة؟
الإعلام الرسمي يغطي المظاهرات
على إثر المظاهرات التي عرفتها مناطق مختلفة من البلاد، كتبت وكالة الأنباء الجزائرية على غير عادتها خبرًا جاء فيه “تجمع مئات المواطنين، أغلبهم من الشباب، اليوم (أمس) بعد صلاة الجمعة في الجزائر العاصمة وفي مناطق أخرى من البلاد تعبيرًا عن مطالب ذات طابع سياسي، حسب ما لوحظ بعين المكان”.
وأضافت “وسط حضور أمني مكثف، تنقل المتظاهرون مباشرة بعد صلاة الجمعة حاملين أعلام وطنية ولافتات كتب عليها “نعم للعدالة” و”مسيرة سلمية” و”تغيير وإصلاحات” مطالبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالعدول عن الترشح لعهدة جديدة”.
وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر، قالت إن المتظاهرين يطالبون الرئيس بالعدول عن الترشح لعهدة جديدة، الأمر الذي لم يحصل أبدًا من قبل، وهو الأمر الذي اعتبره العديد من الجزائريين بمثابة الإنجاز الكبير وبداية التغيير في البلاد.
من المنتظر أن يتوجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة غدًا الأحد إلى جنيف لإجراء فحوص طبية روتينية
يعرف عن السلطات الجزائرية منذ توليها حكم البلاد، إحكام سيطرتها على وسائل الإعلام الخاصة والعامة في الجزائر، ولا سبيل لأي مؤسسة إعلامية أن تتكلم خارج ما يريد النظام، وخارج الرؤية التي يريد توجيهها إلى الداخل والخارج، حتى باتت قطعة من النظام تقول ما يقول وتنشر ما ينشر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، احتفل الصحافيون في الجزائر، بـ”اليوم الوطني للصحافة”، في ظل غياب ما يؤشر على نية السلطة تحسين ظروف المؤسسة الصحافية ورفع الإكراهات والضغوط المسلطة على الصحافيين، وتُصنَف الجزائر بحسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” في المراكز الأخيرة في مجال حرية الصحافة، وتحتل المرتبة الـ134.
بوتفليقة يسحب ترشحه؟
ليس من السهل على وكالة أنباء رسمية عرفت بالتزامها التام بتوجيهات النظام الحاكم منذ عقود وتبييض صورته أمام الجزائريين بطرق غير نزيهة، دون أن تبالي بأخلاقيات المهنة الصحفية وبالدور الذي يجب أن تضطلع به لإنارة الرأي العام المحلي، أن تنشر هذا الخبر إن لم يكن هناك حدث جلل سيحصل قريبًا في البلاد.
ويقول الصحفي الجزائري رياض معزوزي: “في الوقت الذي غابت فيه كاميرات وميكروفونات الإعلام الخاصة التي تدعي الحيادية، عن تغطية المسيرات التاريخية للشعب الجزائري والمطالبة بعدول الرئيس بوتفليقة عن قرار الترشح، تأتي في آخر المساء وكالة الأنباء الجزائرية وهي لسان حال الدولة لتنشر تغطيتها ومطالب الشعب في سابقة تاريخية لم يسبق للوكالة أن فعلتها”.
وأضاف معزوزي في تصريح لنون بوست “هذه التغطية لم تأت اعتباطية أو روتينية كما يعتقد البعض، بل في اعتقادي جاءت وفق خط مدروس يمهد لأخبار جديدة سترافق زيارة بوتفليقة للعلاج في جنيف السويسرية”.
طالب المحتجون بوتفليقة بالعدول عن الترشح للعهدة الخامسة
من المنتظر أن يتوجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة غدًا الأحد إلى جنيف لإجراء فحوص طبية روتينية، وفق ما أعلنته الرئاسة في بيان، وكان بوتفليقة قد أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 من أبريل/نيسان، وأصيب الرئيس المنتهية ولايته بجلطة في 2013 أجبرته على التنقل بكرسي متحرك، ويطالب الكثير من الجزائريين بانسحابه من السباق الرئاسي.
وقال الصحفي الجزائري: “هذا الخط سينتهي في اعتقادي بإعلان بوتفليقة سحب ترشحه والنزول عند طلب الشعب للخروج من باب مشرف، أي أن بوتفليقة بشكل شبه رسمي سينسحب من السباق الرئاسية المنتظر ويقرر الخروج من قصر المرادية”.
السيناريوهات المنتظرة
معزوزي يرى أن إعلان بوتفليقة الانسحاب لن يؤدي حتمًا إلى استسلام أحزاب السلطة التي رشحت بوتفليقة في وقت سابق، بل إنه سيكون منطلقًا لتطبيق سيناريوهات أخرى معدة للغرض، وقع إعدادها مسبقًا من قبل الموالاة.
ويقول رياض معزوز: “هناك سيناريوهان، الأول بالضغط لتأجيل الانتخابات وإعادة ترتيب البيت للحفاظ على مصالحها ورتبها في الدولة”، وسبق أن تحدثنا في تقارير سابقة عن إمكانية تأجيل هذه الانتخابات، وذلك بأن يحل الرئيس بوتفليقة البرلمان، لتنظم انتخابات تشريعية مسبقة ويؤجل موعد الرئاسيات لعامين إضافيين.
أما السيناريو الثاني، حسب معزوز، فهو “خروج أحزاب الموالاة لدعم أحد المترشحين المستقلين والالتفاف حوله، وقد يكون بنسبة كبيرة الجنرال المتقاعد علي لغديري الذي يرى الجميع بأنه ابن النظام ومدعوم فرنسيًا، حيث رفض مؤخرًا اجتماع المعارضة لترشيح شخص توافقي”.
شهدت عديد المناطق من البلاد، خروج آلاف الشبان الجزائريين، للاحتجاج على سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للفوز بفترة رئاسية خامسة
السيناريو الثاني الذي تكلم عنه الصحفي رياض معزوز، استبعده الأستاذ في الجامعة الجزائرية رضوان بوجمعة، حيث اعتبر أنه من الصعب أن يفرز النظام مرشح من عنده بديلاً لبوتفليقة، وقال في هذا الشأن: “أعتقد أن المجتمع تحرر ولن يقبل المغامرات أخرى”.
وأضاف رضوان بوجمعة في تصريح لنون بوست “ما نشرته وكالة الأنباء هو بداية الترتيبات التي قد تحدث في الساعات أو في الأيام القليلة القادمة بشأن سيناريوهات خلافة بوتفليقة فمن الناحية العملية بوتفليقة انتهى رمزيًا وسياسيًا وهو في حكم الماضي”.
كيف سيتفاعل الشارع والنظام؟
يؤكد بوجمعة صعوبة معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد في ظل التطورات الأخيرة، وقال: “يبقى ما لا تعرفه هو كيف سيتفاعل الشارع مع ما ستقرره مراكز القرار، وكيف تتطور مراكز القرار مع ما سيطرحه الشارع والنخب التي ستلتحق بالشارع أو التي سيتم تكليفها بركوب الشارع”.
وينتظر أن تشهد البلاد، غدًا أيضًا مظاهرات أخرى، دعت إليها تنظيمات بينها تكتل حركة “مواطنة” التي تضم أحزابًا وشخصيات سياسية معارضة إلى التظاهر يوم غد الأحد، تزامنًا مع ذكرى تأميم المحروقات في البلاد.
وأكد بوجمعة، أن الواضح في الوقت الحاليّ، أن “كل من دعوا إلى العهدة الخامسة سيكون دورهم ضعيفًا لأنهم فقدوا كل مصداقية والشارع يتحرك ضدهم وليس من مصلحة مراكز القرار أن تستخدمهم لأنهم سلعة مستعملة وملطخة بملفات الفساد الشامل”، وفق قوله.
مظاهرات كبيرة
هذه التطورات والقراءات، جاءت في أعقاب يوم استثنائي في تاريخ الجزائر، حيث شهدت العديد من المناطق من البلاد، خروج آلاف الشبان الجزائريين، للاحتجاج على سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للفوز بفترة رئاسية خامسة، وانطلقت الاحتجاجات رغم تحذيرات خطباء المساجد للمصلين في أثناء صلاة الجمعة من أن التظاهر قد يثير العنف، وشملت الجزائر العاصمة ومدن عنابة وسطيف وقالمة وجيجل وبجاية (شرق) وتيزي وزو والبويرة وبومرداس (وسط)، وتيارت وغليزان ووهران (غرب)، وورقلة (جنوب).
شملت المظاهرات العديد من المناطق في الجزائر
ردد المتظاهرون في العاصمة هتافات، تقول “لا لبوتفليقة ولا لسعيد” في إشارة إلى شقيقه الأصغر والمستشار الرئاسي، وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على حشد مما دفع محتجين للهرب، وردد البعض هتافات منها “نحن والأمن أخوة”، كما اندلعت الصدامات بين الشرطة الجزائرية ومئات المتظاهرين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى مقر رئاسة الجمهورية، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع بعدما حاول المتظاهرون اختراق الطوق الأمني في الشارع المؤدي إلى رئاسة الجمهورية في حي المرادية.
وكان بوتفليقة الذي وصل إلى الحكم سنة 1999، أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، التي من المقرر أن تجرى يوم 18 من أبريل/نيسان المقبل، سعيًا للفوز بولاية رئاسية خامسة، إلا أنه لا يظهر في اللقاءات العامة إلا نادرًا، وذلك منذ أن أصيب بجلطة في 2013، أجبرته على التنقل في كرسي متحرك.