في سنة 1949 كانت تركيا ثاني دولة ذات أغلبية مسلمة تعلن اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية على الأراضي الفلسطينة، ومنذ ذلك الوقت اعتمدت تركيا بشكل أساسي على السلاح الإسرائيلي لتزويد الجيش التركي بالعتاد، وذلك بالإضافة إلى عشرات الاتفاقيات الثنائية في مجال التدريبات العسكرية وتبادل الخبرات والشراكة.
واستمرت العلاقات التركية الإسرائيلية في النمو بنسق متصاعد شاملة الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية وحتى البحثية. وشهدت سنة 2000 إحدى أكبر مراحل الانفتاح في العلاقات الإسرائيلية التركية عبر توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
وبعد وصول حكومة حزب العدالة والتنمية للحكم، بدأت العلاقات الإسرائيلية التركية تشهد توترات خفيفة لأسباب هامشية مثل استياء تركيا من عدم الأخذ برأيها في خصوص الصراع الإسرائيلي السوري الإيراني، وإصدار إسرائيل لتصريحات مستفزة لتركيا حول التواجد العسكري التركي في شمال قبرص.
وفي نهاية سنة 2008 وبسبب الحرب التي أعلنتها إسرائيل على قطاع غزة آن ذاك، انتقد أردوغان ووزير خارجيته “أحمد داوود أوغلو” السياسات الإسرائيلية بشدة، ثم ولأول مرة في تاريخ زعيم إسرائيلي، وقف أردوغان في مؤتمر دافوس في يناير 2009 ووصف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بالقاتل، قائلاً: “تحدثت مع اثنين من رؤساء وزرائكم، وكلاهما أخبراني أنهما يكونان سعداء عندما يدخلون غزة على ظهر الدبابات.. وعند الحديث عن القتل، أنتم تعرفون القتل وتتقنون قتل الأطفال”.
وتطورت تبعات حرب غزة متضاعفة تدريجيًا إلى أن شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية منعطفًا جادًا في 14/10/2009 عندما أعلنت تركيا إلغاء مناورات “نسر الأناضول” الجوية التي كانت ستشارك فيها إسرائيل إلى جانب قوات من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي، متذرعة بتصريحات لأحد الجنرالات الإسرائيليين حول الدور الإقليمي للجيش التركي.
وفي 31 مايو من سنة 2010، جاء اعتداء البحرية الإسرائيلية على سفينة مرمرة التي كانت متوجهة لكسر الحصار عن غزة، وقتلها لتسعة أتراك كانوا على سطح السفينة، الأمر الذي ردت عليه أنقرة بالتهديد بقطع العلاقات بشكل كامل في حال عدم تلبية إسرائيل للشروط التي وضعتها تركيا وهي توجيه اعتذار رسمي وتعويض أهالي المتضررين من الاعتداء الإسرائيلي والسماح للمساعدات التركية بالوصول إلى غزة.
وفي سبتمبر 2011 وبعد صدور تقرير الأمم المتحدة حول ما تعرضت له سفينة مرمرة، قامت تركيا بطرد السفير الإسرائيلي وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى أدنى مستوياته بالإضافة إلى تجميد كل الاتفاقيات المشتركة بين البلدين في المجال العسكري.
وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في سنة 2012، قاد أردوغان وداوود أوغلو حملة دولية للتشهير بـ “الجرائم الإسرائيلية” والتنديد بـ “العجز الدولي” أمام الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
وفي مارس آذار 2013، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إن نتنياهو أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره التركي بوساطة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، واعتذر له عن “الأخطاء التي ربما تسببت في مقتل تسعة نشطاء أتراك في الهجوم على أسطول الحرية”، وطلب منه “استعادة العلاقات التي تضررت بشدة بين الجانبين”.
غير أن أردوغان عاد في الصيف الماضي ليصعد من لهجته ضد إسرائيل، متهمًا إياها بالوقوف خلف الانقلاب العسكري الذي عاشته مصر يوم 3 يوليو 2013 قائلاً: “إسرائيل تقف خلف هذا الانقلاب، لدينا دلائل قطعية على هذا”.
وفي الأسابيع الأخيرة ومع كثرة الحديث عن مصالحة (تركية – إسرائيلية) وعن انتهاء الأزمة وعن عودة العلاقات إلى طبيعتها، صرح أردوغان لوسائل الإعلام أن الطرفين اتفقا على التعويض المناسب الذي سيقدم لذوي الضحايا الذين سقطوا في الهجوم، مؤكدًا أن نجاح الاتفاق لا يتوقف عند الاعتذار ودفع التعويضات وأن نجاحه مرتبط بتحقيق الشرط الثالث الذي وضعته تركيا والمتعلق برفع الحصار عن قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية التركي “أحمد داوود أوغلو” إن تحقيق الشرط الثالث عبر تأمين آلية لنقل المساعدات إلى قطاع غزة عبر تركيا أو عبر أية آلية أخرى تضمن رفع الحصار عن القطاع المحاصر منذ سنة 2007.