السيناريوهات والتحليلات كافة التي توضع على طاولة نقاش أمام السياسيين والمحليين والاقتصاديين، تؤكد أن قطاع غزة مقبل على المرحلة الأخطر والأشد حساسية وتأثيرًا، وقد تشل حياة سكانه وتزيدهم ويلات وأزمات سيصعب عليهم تجاوزها أو حتى الوقوف أمام رياحها الشديدة.
معبر كرم أبو سالم التجاري، الكائن أقصى جنوبي قطاع غزة، يعد الرئة الاقتصادية الوحيدة التي يتنفس منها أهل غزة، لكن الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس ألقت بظلالها السوداء على هذه الرئة
ورغم أن الحصار الإسرائيلي المستمر للعام الـ12 على التوالي، الذي أكل الأخضر واليابس في غزة، وعقوبات الرئيس محمود عباس التي ستدخل عامها الثاني بعد شهر وأثقلت كاهل الغزيين، فإنهم حاولوا الصمود والوقوف على قدميهم أمام هذه الهجمة التي يشارك فيها القريب قبل العدو، لكن إذا تعطلت رئتهم التجارية الوحيدة فالوضع سيتغير ويزداد سوءًا وبؤسًا ويضيف ضبابية للمشهد القاتم.
معبر كرم أبو سالم التجاري، الكائن أقصى جنوبي قطاع غزة، يعد الرئة الاقتصادية الوحيدة التي يتنفس منها أهل غزة، لكن الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس ألقت بظلالها السوداء على هذه الرئة وحاولت إيقافها، حين أعلنت السلطة الفلسطينية سحب موظفيها من المعبر، لتفجر أزمة جديدة تسببت بإرباك الوضع الاقتصادي في غزة وأصابته بالشلل وزاد معه فصلاً جديدًا من المعاناة على ظهر السكان.
انهيار اقتصاد غزة
محللون وخبراء اقتصاديون أكدوا أن قرار مغادرة موظفي السلطة معبر كرم أبو سالم، نتيجة المناكفات السياسية بين حركتي فتح وحماس، وتعطيل الاحتلال العمل داخل المعبر في أعقاب ذلك، سيؤدي لانهيار الوضع الاقتصادي في غزة بشكل كامل.
مازن العجلة الخبير في الشأن الاقتصادي، يقول: “تعطيل العمل في معبر كرم أبو سالم جراء انسحاب موظفي السلطة منه في ظل الأزمة السياسية بين فتح وحماس، كارثة جديدة تضاف لمجموع الكوارث والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ ما يزيد على 12 عامًا”.
ويرى العجلة أن تعطيل العمل في المعبر سيزيد الوضع الاقتصادي بقطاع غزة سوءًا وسيلقى بظلاله على العائلات والتجار، في ظل توقف عجلة الاقتصاد في غزة بشكل شبه كامل، مما أدى لإغلاق عدد كبير من المصانع والمحال التجارية وتعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية.
جميع التوقعات ستبقى سوداوية حال تعثر عجلة المصالحة وعدم التوصل لحلول سياسية قريبة
ويوضح الخبير الاقتصادي أن معبر كرم أبو سالم المعبر الوحيد المتخصص بإدخال البضائع الاستهلاكية اللازمة للعائلات والإنتاجية لأصحاب المحلات والورش بالقطاع، مبينًا أن تعطل عمل المعبر سيؤدي لشح البضائع بالأسواق المحلية وتعطل الواردات والصادرات.
وشدد على أن جميع التوقعات ستبقى سوداوية حال تعثر عجلة المصالحة وعدم التوصل لحلول سياسية قريبة، قائلاً: “أصبحنا في الوقت الحاليّ بعيدين عن مواجهة الخلافات الداخلية، الأمر الذي يزيد من الانفصال بين الضفة والقطاع وسيزيد من الصعوبات التي يتعرض لها الفلسطينيون في الفترة القادمة”.
شاحنة فلسطينية قادمة من معبر كرم أبو سالم باتجاه غزة
ويعد معبر كرم أبو سالم المعبر التجاري الوحيد في غزة الذي تمر من خلاله البضائع والمواد الغذائية والتموينية ومواد البناء والمحروقات والمستلزمات الطبية والأدوية لأهالي القطاع، ويدخل عبر المعبر يوميًا ما بين 300-400 شاحنة.
ويعمل في المعبر 82 موظفًا يتبعون الإدارة العامة للمعابر والحدود في السلطة، إضافة إلى عناصر أمنية، منذ تسلم السلطة إدارته في نوفمبر 2017، بموجب اتفاق المصالحة الموقع بين حماس وفتح بالقاهرة في أكتوبر من العام نفسه.
زيادة معاناة السكان
“طرد موظفي السلطة من معبر كرم أبو سالم وعودة موظفي حكومة غزة لإدارة المعبر سيؤثر سلبًا على أسعار السلع والخدمات في أسواق قطاع غزة”، الحديث هنا للمحلل الاقتصادي والخير المالي أمين أبو عيشة.
وتوقع أبو عيشة عودة الازدواج الضريبي على المعبر التجاري، قائلاً: “عودة موظفي حكومة غزة إلى إدارة المعبر سيرفع قيمة التعرفة الجمركية والتحصيل الضريبي بهدف تحسين مستوى الإرادات في غزة”.
وتابع حديثه “قد يرتفع التحصيل الضريبي إلى الضعف، فوفقًا لبعض الإحصاءات فإن التحصيل الضريبي لمعبر كرم أبو سالم في ظل إدارة موظفي حكومة الحمدالله يقدر بمتوسط شهري 10 ملايين دولار، وقد يبلغ 20 مليون دولار شهريًا حال إدارة المعبر من موظفي غزة للأسباب أنفة الذكر”.
وأوضح أن كل السلع والخدمات القادمة من معبر كرم أبو سالم سيرتفع سعرها عن السابق، لافتًا إلى أن المتضرر من هذه الأزمة المواطن، مشيرًا إلى أن الحركة التجارية لن تتأثر بانسحاب موظفي السلطة من إدارة المعبر، لأن البضائع والسلع القادمة إلى غزة يتم شراؤها من خلال عملية تجارية بين تجار غزة والاحتلال الإسرائيلي، لافتًا إلى أن “إسرائيل” لن تسمح بتوقف عمل المعبر بشكل كامل مطلقًا.
وفي ذات السياق، يقول الكاتب المحلل السياسي طلال عوكل: “القرار له تداعيات على المدى البعيد فيما يتعلق بتعميق الانقسام وقطع الأمل ببقاء أي تفاهمات سابقة”، مضيفًا “القرار كان متوقعًا منذ انسحاب السلطة الفلسطينية من معبر رفح وإعادة فتحه لاحقًا تحت مسؤولية وزارة الداخلية التي تديرها حماس”.
وانسحبت السلطة الفلسطينية من معبر رفح في 6 من يناير الماضي، إثر اتهامها حركة حماس بمضايقة العاملين فيه من حرس الرئاسة الفلسطينية، واستلمته داخلية حركة حماس في قطاع غزة، حيث ظل مغلقًا عدة أيام قبل أن يعاد فتحه في إطار تفاهمات مع مصر لأسباب إنسانية.
وأشار عوكل إلى أن هناك عاملين تسوقهما حماس لتبرير إعادة سيطرتها على معبر كرم أبو سالم: الأول أمني والثاني اقتصادي، حيث تدعي أن المعبر يستغل من “إسرائيل” لإدخال أجهزة ومعدات كما حدث مع الوحدة الخاصة التي اكتشفت في خان يونس مؤخرًا وحدث اشتباك معها أسفر عن مقتل 7 من المقاومين في حين قتل قائد الوحدة وأصيب أحد أفرادها.
أمام هذه المناكفات والخلافات السياسية الطاحنة بين حركتي فتح وحماس يبقى المواطن الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص سكان غزة، من يدفعون الثمن غاليًا
وتشهد منطقة معبر كرم أبو سالم، منذ 16 من فبراير الحاليّ، إجراءات أمنية مشددة، منذ إعلان الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس اكتشاف محاولة تجسس إسرائيلية عبر شرائح إلكترونية زرعت بدقة في أحذية عسكرية كانت في طريقها من المعبر إلى الأسواق في غزة.
وتتهم أوساط نافذة في حماس موظفي السلطة الفلسطينية في المعبر بـ”الضعف الرقابي”، الأمر الذي يحدث ثغرات أمنية قد تعمد “إسرائيل” عبرها إلى اختراق الجبهة الداخلية.
وأمام هذه المناكفات والخلافات السياسية الطاحنة بين حركتي فتح وحماس يبقى المواطن الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص سكان غزة، من يدفعون الثمن غاليًا، في ظل لعنة انقسام تجرع من كأسها المر كل فلسطيني طوال الـ12عامًا الماضية، فيما يبتعد أمل الوحدة والوفاق كثيرًا عن دروب الواقع الوعرة.