خرج آلاف الجزائريين عبر مختلف ولايات البلاد الـ48 في مسيرات منددة بترشح الرئيس بوتفليقة الذي يعاني متاعب صحية منذ أبريل/نيسان 2013 لولاية خامسة، وسط غياب واضح لأطياف المعارضة الذين لم يكن لهم وجود بين جموع المتظاهرين، إلا البعض منهم.
ولبى الآلاف من الجزائريين الدعوات التي أطلقت منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي المنادية بتنظيم مسيرات حاشدة في مختلف الولايات في مقدمتها العاصمة الجزائر رفضًا لقرار الرئيس بوتفليقة التشبث بكرسي الرئاسة الذي وصل إليه سنة 1999، بعد عشرية عنف عاشتها البلاد وأودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص، حسب مصادر رسمية.
لا خوف
استطاع الجزائريون أن يكسروا حاجز الخوف من تنظيم مسيرات في الجزائر العاصمة ومعظم الولايات، فقد كانت الحشود المحتجة في ولايات البويرة وسطيف وباتنة وسكيكدة والجلفة وغيرها من محافظات البلاد نفسها، المنادية كلها برفض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وفي عاصمة البلاد، تابع “نون بوست” خروج آلاف المواطنين من مختلف الأعمار ومن الجنسين في أحياء وشوارع ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي والبريد المركزي وباب الوادي والحراش في مسيرات سلمية عنوانها التغيير الذي يقي بلادهم من انحرافات تعكر مستقبله بسبب أنانية السياسيين.
استمرت المسيرات المنددة بترشح بوتفليقة التي خرجت بعضها منذ الصباح في بعض الولايات حتى المساء، لكنها بلغت ذروتها بعد صلاة الجمعة مثلما حدث في عاصمة البلاد، وردد المتظاهرون شعارات “لا بوتفليقة لا السعيد” في إشارة إلى شقيق الرئيس
ووصلت الحشود مقر رئاسة الحكومة وسط العاصمة الجزائر، لكن الشرطة منعت مسيرة لمئات الشباب كانت متوجهة نحو مقر الرئاسة في بلدية المرادية في أعالي عاصمة البلاد، وذلك باستعمال خراطيم المياه.
والتفت الجماهير في ساحة البريد المركزي من كل الجوانب قرب المقر الولائي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة أحمد أويحيى، الذي قال في وقت سابق “الشعب الجزائري يشعر بالسعادة لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة”، غير أن الحزب بعد مشاهدة مسيرات الجمعة التزم الصمت ولم يصدر تعليقًا بشأنها، على عكس ما كان يتم على صفحته الرسمية النشطة على فيسبوك.
ولا تشهد عاصمة البلاد احتجاجات، فلا بد من منح وزارة الداخلية رخص لتنظيم احتجاجات بها، فآخر مسيرة بها قد نظمت في فبراير/شباط 2018 عندما كسر الأطباء المقيمون قرار حظر التظاهر، وتمكنوا من التجمع في ساحة البريد المركزي قبل أن تحاصرهم الشرطة وقتها.
واستمرت المسيرات المنددة بترشح بوتفليقة التي خرجت بعضها منذ الصباح في بعض الولايات حتى المساء، لكنها بلغت ذروتها بعد صلاة الجمعة مثلما حدث في عاصمة البلاد، وردد المتظاهرون شعارات “لا بوتفليقة لا السعيد” في إشارة إلى شقيق الرئيس الذي يتهم بأنه من يتدخل في تسيير شؤون البلاد بعد مرض أخيه الرئيس في أبريل/نيسان 2013.
أظهرت المسيرات الرافضة لترشح بوتفليقة غياب الطبقة السياسية عن الميدان، وهو ما فسر بعدها عن واقع الشارع الجزائر، فيما برر البعض هذا الغياب باتقاء المعارضة شر محاولة السلطة إلباس هذه المسيرات الغطاء الحزبي
ورسمت الاحتجاجات التي كان الشباب العنصر البارز فيها صورة مغايرة لما تحاول الأحزاب الحاكمة التخويف منه تحت شعار عدم المخاطرة بمستقبل البلاد، فقد كانت المسيرات هادئة تحت شعار “سلمية سلمية”.
وأظهرت المسيرات الرافضة لترشح بوتفليقة غياب الطبقة السياسية عن الميدان، وهو ما فسر بعدها عن واقع الشارع الجزائر، فيما برر البعض هذا الغياب باتقاء المعارضة شر محاولة السلطة إلباس هذه المسيرات الغطاء الحزبي، وهو ما شدد المتظاهرون على رفضه.
إشادة
رغم غياب معظم السياسيين عن هذه المسيرة، فإن رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري كان من المشاركين فيها، وقبلها عقد المكتب التنفيذي الوطني لحركته لقاءً مفتوحًا لمتابعة تطورات الحراك الشعبي المناهض للعهدة الخامسة، وأشادت الحركة بما أسمته “التعبير الشعبي الواسع الذي أظهر من خلاله الجزائريون رفضهم للامعقول”، وأشادت أيضًا بـ”السلمية والمستوى الحضاري الذي تميز به الجزائريون في مسيراتهم التي شارك فيها الرجال والنساء والشباب وكبار السن ومناضلون من مختلف الأطياف”، داعية “الجهات التي تريد فرض العهدة الخامسة إلى التعقل وفهم رسالة الشعب وعدم تحميل الجزائر ما لا تطيقه”.
ولم تتفاعل معظم الأحزاب مع هذه المسيرات وفضلت الترقب خاصة في ظل عدم معرفة الجهة التي دعت لهذه الاحتجاجات، لكن المتتبع للنشاط السياسي يدرك بسهولة أن تحركات الطبقة السياسية سواء معارضة أم موالاة أصبحت غير قادرة على مواكبة التطورات التي يشهدها الشارع الجزائري، وبالتالي فإن عدم تفاعل الأحزاب مع هذه المشاهد يعتبر أمرًا شبه عادي.
صمت
رغم الحراك اللافت الذي عرفته البلاد، فإن الرئيس بوتفليقة لم يبد رأيًا بخصوص هذه الخرجة الشعبية، ولم تعلق رئاسة الجمهورية بالمطلق على هذه المسيرات التي تم قطعها عند محاولتها التوجه إلى مقر الرئاسة في المرادية.
ولم تتفاعل معظم وسائل الإعلام الجزائرية مع هذه المسيرات الحاشدة كما يجب، فبسبب التضييق الذي تمارسه السلطة على القنوات التليفزيونية باستعمال عصا الإشهار الذي يبقى محتكرًا من الحكومة لم تبث القنوات الخاصة سوى مقاطع قصيرة الزمن عن هذه المسيرات الحاشدة، والأمر ذاته بالنسبة للتليفزيون الحكومي الملزم بتقديم خدمة عمومية للمواطنين لأنه يأخذ ميزانيته من دافع الضرائب الجزائري، حيث لم تتطرق نشراته الإخبارية لهذا التجمع الشعبي.
وتأتي هذه المسيرة قبل يومين من رحلة بوتفليقة اليوم الأحد إلى جنيف (سويسرا) لإجراء “فحوصاته الطبية الدورية”، حسبما أعلنت رئاسة الجمهورية
لكن على غير العادة، فضلت وكالة الأنباء الرسمية تغطية هذه الاحتجاجات في سابقة غير معتادة، وخصصت لذلك برقية تزيد حروفها على 300 حملت عنوان “مظاهرات سلمية بالجزائر العاصمة ومناطق أخرى للبلاد تعبيرًا عن مطالب ذات طابع سياسي”، وأقرت البرقية المسيرات التي كانت تطالب الرئيس بوتفليقة البالغ من العمر 81 سنة بعدم الترشح لولاية جديدة، وذلك وسط حضور أمني مكثف.
وتأتي هذه المسيرة قبل يومين من رحلة بوتفليقة اليوم الأحد إلى جنيف (سويسرا) لإجراء “فحوصاته الطبية الدورية”، حسبما أعلنت رئاسة الجمهورية، وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية “يتوجه عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية يوم الأحد 24 من الشهر الحاليّ إلى جنيف من أجل إقامة قصيرة لإجراء فحوصات طبية دورية”، وتتزامن هذه الزيارة المرضية مع الذكرى السنوية لتأميم المحروقات، الذي كان من المفروض أن يدشن خلالها بوتفليقة منشآت شرق العاصمة الجزائر.
وبعد كسر حاجز الخوف لدى الشارع الجزائري، تطرح أسئلة عديدة عن مدى استطاعة المتظاهرين مواصلة مسيرتهم السلمية التي قد توصلهم إلى مبتغاهم، وهل يملك بوتفليقة القدرة على التضحية بهاجسه الرئاسي والتنحي عن الحكم لإخماد نار المحتجين وتجسيد مبدأ تداول السلطة الذي يعد من أساسيات الممارسة الديمقراطية.