قرابة 40 يومًا تفصلنا عن موعد الانتخابات البلدية المقررة في 31 من مارس/آذار 2019، حيث سلمت كل الأحزاب التي تنوي المشاركة في الانتخابات قوائمها الانتخابية للجنة العليا للانتخابات قبل مساء 19 من فبراير/شباط الحاليّ، ومع الاقتراب يوميًا من موعد الانتخابات تبرز العديد من المواضيع والعناوين التي تعد معبرة عن إطار النقاش بين الأحزاب وهو ما يحدث قبيل كل عملية انتخابية.
برزت عدة مواضيع في الانتخابات الحاليّة منها على سبيل المثال تنظيم بيع الخضار بعد ارتفاع أسعاره بشكل مفاجئ إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف وموضوع البناء الأفقي والمدن الذكية، ولكن ما نريد أن نسلط عليه الضوء في هذا المقال هو ربط الانتخابات البلدية بمسألة بقاء أو وجود تركيا.
وعند هذه النقطة نستحضر بعض ما قاله كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، حيث قال الرئيس التركي في سياق حديثه عن التحالف مع الحركة القومية إنهم يرون التحالف مسألة متعلقة بوجود تركيا، كما أن رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي قال في حديث أمام أعضاء حزبه: “لا نريد حديث ونميمة عن أخذنا موقع هنا ولم نأخذ هناك – يقصد مناصب أو مواقع في رئاسات بعض البلديات – ولو سألتموني هل المهم المواقع في البلديات أم بقاء تركيا لقلت البقاء”، وتشير التصريحات التالية أن عدم فوز تحالف الجمهور الذي يجمع حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بالانتخابات البلدية يعتبر أمرًا مهددًا لبقاء تركيا ووجودها.
لم يكن هناك حديث بارز في العمليات الانتخابية السابقة عن مفهوم وجود تركيا أو بقائها، وكان المسوغ الأبرز الذي يطرحه كل حزب أنه الأقدر على تحقيق الاستقرار والرفاه للمجتمع، لكن هذه المرة برز مفهوم البقاء بشكل بارز.
يسوق أوزكوك عبارة أخرى بالقول إن الرئيس أمامه فترة انتخابية كاملة وكذلك البرلمان وبالتالي فإن الفوز بالانتخابات البلدية قد لا يكون مناسبًا ربطه بالحكم والبقاء، كما استشهد بفوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسكيشهير وأن فوزه المتعاقب فيها لم يعرض وجود تركيا للخطر يومًا من الأيام
بالتأكيد لم تلق عملية الربط هذه بين نتائج الانتخابات البلدية ومسألة بقاء تركيا قبولاً من المعارضة، وقلل كثير من الكتاب المحسوبين على المعارضة من أهمية هذا الربط واعتبروه أمرًا خطابيًا مبالغًا فيه، فعلى سبيل المثال كتب أرطغرل أوزكوك في صحيفة حرييت مقالاً بعنوان: هل ستضيع منا تراقيا لو فاز حزب الشعب الجمهوري؟ مشيرًا إلى مدينة تراقيا الشرقية وهي تمثل الجزء الغربي من تركيا وتعتبر من الإقليم الأوروبي، حيث يريد أوزكوك أن يقول إن حزب الشعب الجمهوري دائمًا يفوز ببلديات مدينة تراقيا ومع هذا لم تنفصل تراقيا ولم تنضم إلى اليونان وهو بذلك يسخر من مسألة ربط الانتخابات بموضوع البقاء.
كما يسوق أوزكوك عبارة أخرى بالقول إن الرئيس أمامه فترة انتخابية كاملة وكذلك البرلمان وبالتالي فإن الفوز بالانتخابات البلدية قد لا يكون مناسبًا ربطه بالحكم والبقاء، كما استشهد بفوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسكيشهير وأن فوزه المتعاقب فيها لم يعرض وجود تركيا للخطر يومًا من الأيام.
وعلى الجانب الآخر دافع عدد من مؤيدي الحكومة وحزب العدالة والتنمية عن عملية الربط بين نتائج الانتخابات البلدية ومسألة وجود تركيا وبقائها وأستعرض هنا على سبيل المثال أيضًا ما ذكره يالتشين أكدوغان مساعد رئيس الوزراء السابق في مقال له في صحيفة ستار بعنوان: إلى القائلين بأن الأمر غير متعلق بمسألة البقاء، حيث يشير أكدوغان إلى أن مسألة البقاء مرتبطة بمفهوم الوجود والغياب، متسائلاً هل المسألة بهذه الجدية؟
ويقول أكدوغان مجيبًا أيضًا إن تركيا ليست دولة يمكن أن تغيب أو ينهى وجودها بسهولة وهو رد على الحالة التهكمية من القائلين بأن لا علاقة للانتخابات البلدية بأي مسألة وجودية، ولكن لو نجح تنظيم غولن في الانقلاب كيف كانت ستكون تركيا؟ ولو نجح انقلاب 17 ديسمبر القضائي كيف كان سيكون شكل تركيا؟ ولو نجحت محاولات داعش وحزب العمال الكردستاني في زعزعة أمن تركيا في ظل الخطط الإقليمية المضادة لتركيا كيف سيكون الحال؟
وأمام هذه الأسئلة يطرح أكدوغان سؤالاً آخر مفاده: هل انتهت هذه التهديدات؟ هل يمكن أن يخرج أحد ويقول إن تنظيم غولن انتهى والقوى العالمية أوقفت خططها المضادة لتركيا والوصاية على الديمقراطية رفعت تمامًا؟ لكن الأمر ليس كذلك، وما زالت المواجهة مستمرة مع هذه الأطراف والتنظيمات، وصحيح أن هناك قرارًا وسلوكًا بالحسم مع هذه الجهات لكن المخاطر لم يتم تحييدها تمامًا، فإلى الآن يتم اعتقال مئات العسكريين من داخل الجيش بتهم الانتماء لتنظيم غولن وما زالت القوى العالمية تلعب لعبة خطرة ضد تركيا في سوريا.
ويضيف الكاتب لا يراد أن تكون تركيا ديمقراطية وقوية ومستقلة ولا يراد أن تكون محافظة على وحدتها ولا يراد أن يفوز تحالف الجمهور، ويقولون فليغب حزب العدالة وليكن ما يكن المهم أن يغادر حزب العدالة والتنمية، وهذا توجه مظلم وخطير ويجر تركيا إلى فخاخ كثيرة على رأسها اللعب بخريطة تركيا وحدودها وإعادة الوصاية على الديمقراطية فيها.
ويضيف أكدوغان “أيضًا إضعاف تركيا وكسر قدرتها على الصدح بالحقائق وإضعاف قدرتها على التحدي هو أحد أبعاد مسألة الوجود وعدم الوجود”، ويستشهد بما يجري من منافسة في شرق المتوسط ورفض حزب الشعب الجمهوري للموقف الرسمي، ويربط هذا الموقف بموضوع وجود تركيا، ويربط عملية السعي لإضعاف الرئيس أردوغان بعملية بقاء تركيا ويرى أن الأتاتوركيين الذين يحبون الوطن لا بد أن يدعموا أردوغان ويدعموا بقاء تركيا ونتائج الانتخابات البلدية القادمة جزء مهم في هذا الموضوع.
أن تعامل الأحزاب الأخرى سواء حزب الشعب الجمهوري أم حزب الشعوب الديمقراطي لن يكون بنفس القوة والتحدي أمام القوى العالمية، كما أن موقفهما وخاصة حزب الشعوب منسجم مع حزب العمال الكردستاني وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا لتركيا
وفيما حاول أكدوغان شرح الموضوع وتوضيح الرابط ما زال المعارضون غير مقتنعين بهذا الربط وأن الانتخابات البلدية لم يفز بها في يوم من الأيام حزب واحد وربطها بهذا الشكل غير منطقي وأن الربط يخدم الحزب الحاكم.
وملخص ما قاله أكدوغان بطريقة غير مباشرة أن تعامل الأحزاب الأخرى سواء حزب الشعب الجمهوري أم حزب الشعوب الديمقراطي لن يكون بنفس القوة والتحدي أمام القوى العالمية، كما أن موقفهما وخاصة حزب الشعوب منسجم مع حزب العمال الكردستاني وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا لتركيا.
ولعل القناعة الأقرب لتوضيح هذا أن الحزب الذي يفوز بالانتخابات البلدية في بلديات تركيا وخاصة إسطنبول وأنقرة سيكون مؤهلاً لحكم تركيا وفي هذا السياق يرى حزبا العدالة والحركة القومية أن وجودهما في هذه المرحلة تأمين لوجود تركيا، فيما تهون الأحزاب المعارضة من قيمة هذا ويبقى القرار للمواطن التركي في الانتخابات القادمة.