ترجمة وتحرير: نون بوست
يعيش شعب الأويغور، وهم أقلية عرقية مسلمة في منطقة سنجان غرب الصين، في واحدة من أكثر المناطق التي تتبع سياسة الاضطهاد والقمع في العالم. وهذه الخريطة تساعد على توضيح الأسباب. يخضع أهالي سنجان للمراقبة من قبل عشرات الآلاف من الكاميرات المزودة بتقنية التعرف على الوجه، وتطبيقات المراقبة في هواتفهم، ناهيك عن أن نحو مليونين منهم محتجزون في معسكرات الاعتقال حيث يتعرضون للتعنيف الجسدي والنفسي.
على امتداد سنوات، ألقت الحكومة الصينية باللوم على شعب الأويغور في ما يتعلق بالأعمال الإرهابية واتهمتهم بأنهم السبب وراء دخول التطرف الإسلامي إلى آسيا الوسطى. ولكن السبب الآخر وراء رغبة بكين في فرض رقابة على الأويغور في سنجان يتمثل في أن المنطقة موطن لبعض أهم عناصر المشروع التجاري الصيني الرائد “مبادرة الحزام والطريق”.
في الواقع، تهدف هذه المبادرة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2013 إلى الربط بين بكين وما يقارب 70 دولة حول العالم عبر خطوط السكك الحديدية وخطوط أنابيب الغاز وممرات الشحن ومشاريع البنية التحتية الأخرى. ويولي الرئيس الصيني شي جين بينغ أهمية كبرى لهذا المشروع، الذي يمثل جزءا هاما من ميراثه السياسي. وتوضح الخريطة أعلاه موقف سنجان من مشاريع البنية التحتية التي ستوفرها هذه المبادرة.
خريطة توضح بعض الطرق البرية لمبادرة الحزام والطريق التي تمر عبر منطقة سنجان الصينية
وراء قمع سنجان سبب بقيمة تريليون دولار
تركّز هذه المبادرة على ست طرق برية تسمى “حزام طريق الحرير الاقتصادي”، وطريق بحري واحد يسمى “طريق الحرير البحري”. وتعد سنجان موطنًا للعديد من المشاريع على طول حزام طريق الحرير الاقتصادي، مثلما تشير الخريطة. وقد أورد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الصين قد استثمرت ما بين تريليون وثمانية تريليونات دولار في هذا المشروع. وقد نقلت وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” عن وزارة التجارة الصينية أن إجمالي قيمة المبادلات التجارية بين الصين والدول الأخرى في إطار مبادرة الحزام والطريق قد بلغ 1.3 تريليون دولار خلال سنة 2018 فقط.
تندرج العديد من مشاريع البنية التحتية، على غرار محطة الخدمات اللوجستية بين الصين وكازاخستان التي بنيت سنة 2014، ضمن مبادرة الحزام والطريق
أشار الخبراء إلى أن تركيز الصين المتزايد على مشاريع مبادرة الحزام والطريق يتزامن مع الحملة الصارمة التي تشنها بكين على منطقة سنجان. فقد اتهمت الصين المتشددين الأويغور بأنهم إرهابيون ويحرّضون على العنف في جميع أنحاء البلاد منذ أوائل سنة 2000 على أقل تقدير، وذلك بسبب توجه العديد من الانفصاليين الأويغور إلى أماكن مثل أفغانستان وسوريا ليصبحوا مقاتلين.
لكن حملة القمع التي شنتها بكين لم تبلغ ذروتها إلا خلال السنتين الماضيتين، في ظل حكم تشن كوانغو، وهو أمين الحزب الشيوعي الذي سبق وأن صمم برنامج المراقبة المكثفة في منطقة التبت. في المقابل، وجد متساكنو سنجان أنفسهم إما مهمشين أو معتقلين داخل معسكرات الاعتقال لأسباب واهية، مثل ضبط ساعاتهم وفق منطقة زمنية مختلفة أو التواصل مع أشخاص يعيشون في دول أخرى حتى لو كانوا من أقاربهم.
امرأة وطفلة تنتظران خارج مدخل المدرسة مجهزة بكاميرات مراقبة ومطوّقة بأسلاك شائكة في بيزاوات سنجان، في أغسطس/ آب سنة 2018، حيث شنت الصين حملة صارمة على المنطقة
في مقابلة لها مع مراسل “بزنس إنسايدر”، أفادت روشان عباس، وهي ناشطة من الأويغور تقيم في فرجينيا، بأن “ذلك له علاقة بمشروع شي جين بينغ “مبادرة الحزام والطريق”، لأن أراضي الأويغور هي القلب النابض لمختلف النقاط التي يتضمنها المشروع”. وتعد عباس من بين أفراد شعب الأويغور المقيمين بالخارج، والذين طالتهم سياسة الصين القمعية لإخراس صوت هذه الأقلية. وقد اختفت كل من أختها وخالتها في منطقة سنجان بعد ستة أيام من انتقادها لسجل حقوق الإنسان في الصين بواشنطن. وتعتقد عباس أن اختفاء عائلتها يعتبر نتيجة مباشرة لنشاطها.
في وقت سابق من هذه السنة، قال الخبير الأكاديمي في السياسة المتعلقة بالأقلية الصينية أدريان زينز، خلال حديثه إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، إن: “دور منطقة سنجان قد تغير بشكل كبير مع ظهور مبادرة الحزام والطريق”، علاوة على أن طموحات الصين حولت المنطقة إلى “مركز” التنمية الاقتصادية.
على اليمين، الناشطة المنتمية إلى شعب الأويغور روشان عباس، وعلى اليسار، شقيقتها غولشان عباس، في فرجينيا سنة 2015
عروض سنجان في إطار الحملات الدعائية
بذلت بكين جهودا إضافية للتأكد من أن الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق لن تتحدث في العلن عن قضية منطقة سنجان. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، دعت السلطات الصينية العشرات من الصحفيين والدبلوماسيين من 16 دولة بما في ذلك الدول المجاورة والمشاركة في مبادرة الحزام، على غرار كازاخستان وطاجيكستان وباكستان، إلى القيام بجولات تخضع لمراقبة مشددة داخل معسكرات إعادة التعليم بسنجان.
كتبت مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين، صوفي ريتشاردسون، أن “بكين لديها تاريخ طويل من الاستعراضات السياسية، وقد لا تتمكن زيارة الدبلوماسيين من تعويض تقييم مستقل وذو مصداقية”.
عملت الصين على تنظيم هذه الجولات كدليل على أنه ليس لديها ما تخفيه في المنطقة. من هذا المنطلق، تسمي الصين هذه المعسكرات بـ “معسكرات التدريب المهني الحر” التي تجعل الحياة “ملوّنة”. وفي هذا الصدد، تظهر صور غريبة نشرتها الصحافة رجالا ونساء من أقلية الأويغور العرقية وهم بصدد الرقص وحضور العروض الموسيقية داخل الفصول الدراسية، كما يعملون على آلات الخياطة، ويحفظون كلمات أغاني مؤيدة للصين من كتاب مدرسي.
أديت هذه الرقصة الغريبة بحضور الصحافيين الأجانب داخل أحد الفصول الدراسية، خلال زيارة نظمتها الحكومة إلى كاشغر، سنجان في الرابع من كانون الثاني/ يناير سنة 2019
وفقا لما نقلته وكالة “رويترز” للأنباء، تخطط الصين لإجراء رحلة أخرى في وقت لاحق من هذا الشهر لدبلوماسيين من باكستان وفنزويلا وكوبا ومصر وكمبوديا وروسيا والسنغال وروسيا البيضاء. لكن لم تتم دعوة ممثلين عن الأمم المتحدة والنشطاء التابعين لجماعات على غرار هيومن رايتس ووتش، الذين قاموا بحملات لم تلق نجاحا من أجل النفاذ إلى المنطقة. وفي الشهر الماضي، كتبت مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين، صوفي ريتشاردسون، أن “بكين لديها تاريخ طويل من الاستعراضات السياسية، وقد لا تتمكن زيارة الدبلوماسيين من تعويض تقييم مستقل وذو مصداقية”.
الأفراد الذين يعتبرون مقيمين في مركز التدريب المهني في مدينة كاشغر بصدد حضور درس صيني
لكن نجحت جولات العروض في بعض هذه البلدان. وقد صرح ممتاز زهرة بالوش المكلف بالأعمال في السفارة الباكستانية في الصين، للتابلويد الذي نشرته صحيفة “غلوبال تايمز”: “لقد عززت زيارتنا تصوراتي بشأن هذه المنطقة التي تتميز بامتلاكها لهوية متعددة الثقافات والأعراق والتي تعتبر أساسية من أجل تطوير مناطق الصين الغربية، فضلا عن تشكيلها همزة وصل تضمن الترابط الإقليمي في إطار مبادرة الحزام والطريق. وتبدو سنجان على استعداد للعب دور حاسم في تطوير مبادرة الحزام والطريق”.
المصدر: بزنس إنسايدر