أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الثلاثاء، أمرًا أميريًا بتعديل وزاري تضمّن تعيين 6 وزراء بينهم سيدتان، إلى جانب قرارات أميرية بتعديلات حكومية أخرى في رئاسة الديوان الأميري، وجهاز أمن الدولة، ومؤسسة حمد الطبية، وصندوق الثروة السيادية وغيرها.
نصَّ الأمر الأميري على تعيين الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدولة لشؤون الدفاع، كما شمل التعديل الوزاري تعيين لولوة بنت راشد الخاطر وزيرةً للتربية والتعليم العالي، بعد أن كانت تشغل منصب وزير الدولة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية، وهي أول دبلوماسية قطرية تتولى منصب مساعد وزير الخارجية والمتحدث الرسمي، فضلًا عن تعيين بثينة بنت علي الجبر النعيمي وزيرةً للتنمية الاجتماعية والأسرة، بعدما كانت تتولى وزارة التربية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
أمام سمو الأمير الوزراء يؤدون اليمين القانونية#تلفزيون_قطر pic.twitter.com/fWZgPBFQo8
— تلفزيون قطر (@QatarTelevision) November 12, 2024
وتضمّن الأمر الأميري للشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تعيين الشيخ فيصل بن ثاني بن فيصل آل ثاني وزيرًا للتجارة والصناعة، والشيخ محمد بن عبد الله بن محمد آل ثاني وزيرًا للمواصلات، ومنصور بن إبراهيم آل محمود وزيرًا للصحة العامة، فضلًا عن انتقال وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة مريم بنت علي بن ناصر المسند إلى أروقة وزارة الخارجية لتكون وزيرة للدولة للتعاون الدولي، فضلًا عن تعيين أحمد بن محمد السيد وزيرًا للدولة لشؤون التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة.
كما أصدر أمير قطر قرارًا أميريًا حمل الرقم 69 لسنة 2024، بإعادة تنظيم اللجنة العليا للمشاريع والإرث، إلى جانب إصداره قرارات أميرية بتعيين كل من محمد بن خليفة السويدي مديرًا عامًّا لمؤسسة حمد الطبية، ومحمد المير رئيسًا لهيئة الأشغال العامة “أشغال”، ومحمد سيف السويدي رئيسًا تنفيذيًا لجهاز قطر للاستثمار.
وتضمّنت التعديلات نقل رئيس جهاز أمن الدولة عبد الله بن محمد بن مبارك الخليفي من منصبه ليصبح رئيسًا للديوان الأميري، خلفًا للشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني الذي سبق الإشارة إلى تعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدولة لشؤون الدفاع، كما جرى تعيين خلفان بن علي بن خلفان البطي الكعبي رئيسًا لجهاز أمن الدولة.
تعديلات بعد استفتاء دستوري
جاءت الأوامر والقرارات التي أصدرها أمير قطر بعد أسبوع من ثاني استفتاء في تاريخ البلاد على الدستور الدائم، حيث حصلت التعديلات الدستورية التي تتضمن تعيين أعضاء مجلس الشورى وإلغاء شرط الجنسية القطرية الأصلية لتولي المناصب العامة، على نسبة موافقة شعبية بلغت 90.6% من إجمالي الأصوات الصحيحة، فيما بلغت نسبة المشاركين في الاستفتاء 84% ممّن يحق لهم التصويت من المواطنين.
جاء ذلك بحسب بيان لوزير الداخلية ورئيس اللجنة العامة للاستفتاء، الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني.
سعادة الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني وزير الداخلية – رئيس اللجنة العامة للاستفتاء – يُعلِن النتائج العامة للاستفتاء على بعض مواد الدستور الدائم للبلاد لعام 2024#لبيه_سمو_الأمير#استفتاء_2024#يوم_الولاء_والانتماء#الداخلية_قطر pic.twitter.com/af8Aj4XimY
— وزارة الداخلية – قطر (@MOI_Qatar) November 5, 2024
وأفاد المسؤول القطري، في البيان الذي نشرته وزارة الداخلية عبر حسابها الموثّق في منصة إكس، بأنَّ “عملية الاستفتاء العام، على مشروع التعديلات الدستورية، وعلى الدستور الدائم لدولة قطر، جرت وسط استجابة كبيرة من المواطنين والمواطنات”.
كانت اللجنة العامة للاستفتاء على التعديلات الدستورية للمواطنين المؤهّلين للتصويت، القيام بالاستفتاء عبر لجان الاستفتاء الورقي وعددها 10 لجان، أو لجان الاستفتاء الإلكتروني وهي 18 لجنة، بالحضور شخصيًا في أحد مقار الاستفتاء المعلن عنها، وإبراز البطاقة الشخصية القطرية، أو هوية قطر الرقمية، أو من خلال التصويت “عن بُعد” باستخدام تطبيق “مطراش 2″ داخل الدولة وخارجها.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أقرَّ مجلس الشورى (البرلمان) القطري بـ”الإجماع” مشروع التعديلات الدستورية، ورفعه إلى الأمير، وذلك بعد أسبوعَين من طرحها من قبل أمير البلاد.
وتتضمن التغييرات الدستورية على الاستفتاء بندًا يسمح لجميع القطريين، ومن بينهم المواطنون المجنّسون، بتولي مناصب وزارية، وهو حق كان حكرًا في السابق على المواطنين المولودين في قطر.
ويعدّ تعديل المادة رقم 77 في الدستور التعديل الأكثر أهمية، إذ يذكر نصّه: “يتألف مجلس الشورى من عدد لا يقل عن 45 عضوًا، ويصدر بتعيين الأعضاء قرارٌ أميريٌ”، بعد أن كان النص الأصلي “يتألف مجلس الشورى من 45 عضوًا. يتم انتخاب 30 منهم عن طريق الاقتراع العام السرّي المباشر، ويعيّن الأمير الأعضاء الـ 15 الآخرين من الوزراء أو غيرهم، وتنتهي عضوية المعيّنين في مجلس الشورى باستقالتهم أو إعفائهم”.
أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر، علي الهيل، علّق في مقابلة إعلامية سابقة على التعديلات الدستورية، قائلًا إن “التوترات الاجتماعية التي رافقت أول تجربة انتخابية، والتي كادت أن تمسّ أمن المجتمع، هي السبب الرئيسي الذي استوجب إعادة النظر بجدوى العملية الانتخابية”.
وبالنسبة إلى الهيل، فإن تعيين أمير قطر لكامل أعضاء المجلس يضمن المساواة بين جميع المواطنين والعائلات، واصفًا المرحلة القادمة بأنها مرحلة “العودة إلى أهل الحل والعقد وأعيان البلاد”.
أما المحلل السياسي والخبير في الشؤون القانونية الدكتور جاسم بن ناصر آل ثاني، فيرى أن “مواد الدستور ليست ثابتة أو أبدية، بل يمكن تعديلها بحسب مصلحة الدولة والمواطن”، موضحًا في منشور مطوّل على منصة إكس، أنّه “يمكن أن يتم تغيير الدستور في المستقبل أو تحسين مواده، وستراعي الحكومة بلا شك التمثيل لكل فئات المجتمع، وهو حق مكتسب لهم”
ووصف أمير قطر الشيخ تميم، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، الانتخابات بأنها تجربة خضعت للدراسة، وهو ما دفع الحكومة إلى اقتراح التعديلات الدستورية.
وقال في كلمته السنوية لافتتاح مجلس الشورى: “ليس مجلس الشورى برلمانًا تمثيليًا في نظام ديمقراطي، ولن تتأثر مكانته وصلاحياته سواء اختير أعضاؤه بالانتخاب أو التعيين”.
بينما تحدّث رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، عن تأثير انتخابات مجلس الشورى على المجتمع، موضحًا أن بعض القوانين أثّرت على اللحمة الاجتماعية، حيث ظهرت تحديات داخل الأسر والعائلات والقبائل.
وأكد في مقابلة تلفزيونية أن هذه التحديات كانت واضحة لدى القيادة القطرية، ما دعا الأمير إلى التوجيه بضرورة تحسين هذه القوانين لضمان المساواة بين المواطنين. وبناءً على ذلك، تمّ البدء في عملية مراجعة تعديلات دستورية وقانونية لضمان تحقيق المساواة والعدالة بين المواطنين.
إحلال وإبدال
كان من اللافت في التغيير الواسع الذي أجراه أمير قطر الثلاثاء، تجديد الثقة في رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي يشغل في الوقت ذاته منصب وزير الخارجية.
وقرّر أمير قطر في مارس/ آذار 2023، تعيين الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيسًا لمجلس الوزراء، بعد قبول استقالة رئيس الوزراء السابق الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني.
وبعد دقائق من الأمر الأميري رقم 2 الذي قضى بتعيين رئيس مجلس الوزراء، ذكرت “وكالة الأنباء القطرية” أن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أصدر الأمر الأميري رقم 3 لسنة 2023 بتشكيل مجلس الوزراء، متضمنًا تعيين الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني وهو شقيق الشيخ تميم، وزيرًا للداخلية، بعد تقديم الشيخ خالد بن عبد العزيز آل ثاني استقالته من منصبيه رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.
وبالعودة إلى التعديلات الحكومية الأخيرة بموجب الأمر الأميري رقم 2 لسنة 2024، نلاحظ انتقال لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر من منصب وزير الدولة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية لتصبح وزيرةً للتربية والتعليم والتعليم العالي، ومن التربية والتعليم انتقلت الوزيرة بثينة بنت علي النعيمي إلى التنمية الاجتماعية والأسرة لتحلَّ محل مريم بنت علي المسند، التي تم تعيينها في منصب وزير الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية خلفًا للولوة الخاطر.
والأخيرة حظيت بشعبية واسعة منذ ظهورها الذي صادف أصعب أزمة دبلوماسية شهدتها قطر في تاريخها الحديث، حيث عيّنها وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني متحدثةً رسميةً باسم الوزارة في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أي بعد أشهر قليلة من أزمة الحصار.
لفتت الخاطر آنذاك انتباه الجميع بلغتها الرصينة وردودها الدبلوماسية الرفيعة باللغتَين العربية والإنجليزية، على استفسارات الإعلاميين وتساؤلاتهم عن موقف قطر من الاتهامات الجائرة التي لاحقتها من دول الحصار.
وفي العام الماضي الذي شهد العدوان الإسرائيلي على غزة والحرب في السودان والعدوان الأخير على لبنان، اكتسبت لولوة الخاطر المزيد من الاحترام والتقدير على مستوى العالم، خاصة بعد رسالتها المصوّرة من قطاع غزة كأول مسؤولة رفيعة المستوى تصل القطاع المحاصر.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والعاقبة للمتقين
من داخل قطاع غزة من أرض الرباط جئتكم محملة برسالة إخاء ومحبة ورسالة تضامن وتعاضد من دولة قطر قيادة وشعبا 🇶🇦🇵🇸
أقول لكم أننا وكل أحرار العالم معكم.. والحق والإنسانية معكم.. والله جلّ في علاه معكم .. فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم… pic.twitter.com/6uqLWeY2Td
— لولوة الخاطر Lolwah Alkhater (@Lolwah_Alkhater) November 26, 2023
تجديد الطاقات
ترى المدونة القطرية “نفود” أن التشكيل الوزاري الجديد يعدّ خطوة مهمة نحو تعزيز مسيرة التنمية في قطر، موضحةً في منشور على منصة إكس أنه يأتي لتجديد الطاقات وتوجيه الجهود نحو تحقيق #رؤية_قطر_2030.
وأضافت أن التشكيل يساعد على ضخّ دماء جديدة في المناصب القيادية، ما يعزز الابتكار ويرفع من مستوى الأداء الحكومي لتحقيق أهداف المجتمع القطري في التنمية المستدامة والرفاهية.
يعضّد رأي المدونة القطرية أن الأوامر الأميرية تضمنت استحداث منصب جديد هو وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة، وهو ما يشير إلى اهتمام الدولة بالأسواق الخارجية في ظل رؤية قطر التي تقوم على تشجيع الشركات الوطنية على الانخراط في الأسواق العالمية، ضمن رؤية الدوحة لتقليل الاعتماد على الغاز والنفط.
وقالت لـ”نون بوست” إن “التعديلات الوزارية الجديدة خطوة مهمة لتحقيق التنمية المستدامة والاستجابة لمتطلبات المرحلة الحالية. هذه التعديلات تعكس رؤية القيادة القطرية بقيادة سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني لضمان كفاءة الأداء الحكومي وتحديث آليات صنع القرار. تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز الابتكار في الإدارة، ورفع كفاءة القطاعات المختلفة، وضمان تنفيذ استراتيجية قطر الوطنية 2030، التي تركز على التنوع الاقتصادي والتعليم والصحة والبيئة”، مشيرةً إلى أن التعديلات تمثل تحفيزًا للوزارات لتلبية توقعات المواطنين وتحقيق التنمية الشاملة.
واختتمت بقولها: “بتركيز القيادة على اختيار كوادر ذات كفاءة عالية، تعزز قطر من دورها الإقليمي والدولي، وتستجيب لتحديات العصر، سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية وتغيرات السوق العالمية”.
بينما نشر الكاتب القطري المعروف حمد لحدان المهندي على منصة إكس، تدوينةً جاء فيها: “المنصب تكليف وليس تشريف.. ومن يعتقد ان المنصب هو تكريم له أو لتلميع نفسه فهو مخطئ، ومن يعتقد ان المنصب كيكة يتنفع منها أيضًا مخطئ، عليك واجبات الوظيفة وعليك القيام بها”.
المنصب تكليف وليس تشريف
ومن يعتقد ان المنصب هو تكريم له او لتلميع نفسه فهو مخطئ ، ومن يعتقد ان المنصب كيكة يتنفع منها أيضاً مخطئ ، عليك واجبات الوظيفة وعليك القيام بها .
— حمد لحدان المهندي (@hamadlahdan) November 13, 2024
أخيرًا، المراقب للشأن القطري يجد أن الدولة الخليجية عادة ما تشهد تغييرًا وزاريًا واحدًا على الأقل كل عام، ففي مطلع العام الحالي 2024 أصدر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأمر الأميري رقم 1، الذي نصَّ على 4 تغييرات وزارية شملت وزارة البلدية ووزارة البيئة والتغيير المناخي ووزارة الرياضة والشباب ووزارة العدل.
ومن حيث التوقيت وطبيعة المناصب التي شملها التعديل الوزاري والحكومي الأخير، فمن الواضح أن هناك اهتمامًا واضحًا بالشأن الاقتصادي من خلال تعيين وزير جديد للتجارة والصناعة، واستحداث منصب جديد هو وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية بالوزارة، إلى جانب تعيين رئيس جديد لجهاز قطر للاستثمار الذي يعدّ ثامن أكبر صندوق سيادي في العالم، بحوالي 510 مليارات دولار من الأصول قيد الإدارة، وفقًا لشركة الاستشارات Global SWF.
وإلى جانب الاقتصاد، تحظى قطر بحضور دولي مهم، خاصة فيما يتعلق بملف وساطتها بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعقد صفقة لتبادل الأسرى كما فعلت من قبل، ونجحت في التوسط في عدة أزمات دولية أخرى.