ترجمة حفصة جودة
خلا شهر واحد أو أسبوعين فقط في الواقع تعرض 15 مواطنًا مصريًا للإعدام في 3 قضايا مختلفة وآخرها قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، حُكم بالإعدام في تلك القضية على 9 شباب الأسبوع الماضي في ظل عدم اكتمال أو غياب العدالة.
كانت القوات الأمنية قد أعلنت في بيان لها يوم 1 من يوليو 2915 أنها قتلت 9 من قادة الإخوان المسلمين في شقة سكنية بمحافظة 6 أكتوبر وأدّعت أنهم قتلوا النائب العام، وفي 3 من فبراير 2016 أعلنت وزارة الداخلية أن قواتها قتلت كلاً من محمد عباس حسن ومحمد أحمد عبد العزيز لاغتيالهم النائب العام، وفي مارس 2016 أعلنت وزارة الداخلية القبض على 48 مشتبهًا في قضية اغتيال النائب العام ثم أعدمت 9 منهم الأسبوع الماضي.
لقد استخدموا واستغلوا دماء النائب العام لقتل خصومهم، لقتل 20 مواطنًا مصريًا بريئًا في أحداث ومواقف مختلفة، بعضهم قُتل على أيدي الشرطة وبعضهم بأيدي القضاء، إنهم جميعًا قتلة ولم يخضع أي منهم للمساءلة والحساب سواء قتلة هشام بركات أم قتلة المواطنين الأبرياء.
لقد ثبت أيضًا أنه منذ اللحظة التي انفجرت فيها السيارة وخروج هشام بركات منها وكان قادرًا على السير على قدميه والركوب في سيارة أخرى للذهاب إلى المستشفى لإجراء الفحوصات والاختبارات، وذلك وفقًا لتصريحات أدلى بها سائقه وما زالت موجودة على موقع يوتيوب، غابت العدالة عن تلك القضية وكان كافيًا أن نعلم أنها ليست قائمة على أي دليل يثبت القتل العمد سوى تحقيقات الشرطة واعترافات المشتبه بهم التي انتزعوها منهم تحت التعذيب.
قال أحد المشتبه بهم – محمود الأحمدي – للقاضي في إحدى الجلسات: “أنت تعلم أننا مظلومون يا حضرة القاضي، أعطني صاعقًا كهربائيًا وسأجعل أحدهم يعترف بقتل الرئيس الراحل أنور السادات، لقد صُعقنا بكهرباء تكفي لإنارة مصر 20 عامًا”.
هؤلاء القضاة يبذلون جهدهم لإبقاء النظام في مكانه كي تستمر حياتهم
لم يتأثر القاضي أو يبد أي تردد عندما سمع ذلك، ولم يستخدم سلطاته التي منحها له القانون للتحقيق الفوري في قضية التعذيب، لقد فشل أيضًا في تحويل المشتبه بهم للفحص الطبي كما يقول القانون، لكنه بدلًا من ذلك أصدر حكمًا بالإعدام، لقد صدرت إليه التعليمات بإصدار تلك الأحكام ولم يفعل سوى اتباع تلك التعليمات، وبذلك انتهى مفهوم الحكم بعد المداولة وأصبح الحكم بعد مكالمة هاتف.
لقد فشل القاضي في تحقيق متطلبات القانون مما ينتهك سير العدالة في تلك القضية ويؤدي إلى تقويض الأحكام بشكل كامل، ومن الكوميديا السوداء في تلك القضية أن رجلًا أعمى حكم عليه بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة بتهمة تدريب مرتكبي الجريمة على إطلاق النار، هذا القاضي لا يقرأ الجمل بشكل صحيح ويقع في أخطاء نحوية جسيمة كما يخطئ في الاقتباس من آيات القرآن، وبذلك يمكنه تحويل ضحية إلى مجرم بعد هذا الكم من الأخطاء.
هؤلاء القضاة الذين يصدرون أحكامًا جائرة ضد ضحاياهم يدركون جيدًا أنهم في نفس الخندق مع الشرطة وأنهم سيواجهون نفس مصيرهم، وهم يعلمون أن بقاء النظام يعني بقاءهم في مواقهم دون حساب أو مساءلة على جرائمهم.
لكن رحيل النظام يعني محاكمتهم على دماء الأبرياء، لذا فهم يبذلون جهدهم لإبقاء النظام في مكانه كي تستمر حياتهم، لقد أصبحت القضية مسألة حياة أو موت وليس صواب أو خطأ.
تذكرنا مذبحة الإعدامات تلك بمذبحة رابعة التي قتل فيها الناس بوحشة وخيانة، لقد ارتكبت المذبحتان قبل شروق الشمس والناس نيام، ورغم الفرق الشاسع في أرقام الضحايا، كان التعاطف الذي أظهره غالبية الناس مع مذبحة الإعدامات مذهلاً ومن بينهم أشخاص في السلطة، حدث ذلك رغم أن الجهاز الإعلامي كله يعمل لصالح الدولة، والإعلام المصري الرسمي والخاص يخضع كله لسلطة الحكومة المصرية الذي يقوم بتشويه الحقائق ونشر الأكاذيب وتضليل الناس.
ومع ذلك لم تتمكن وسائل الإعلام من نشر سمومها ومنع تعاطف الناس مع الضحايا الأبرياء، لقد لعن الناس القاضي القمعي غير العادل، أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد امتلئت بصور الضحايا ونعيهم والدعاء لهم، لقد أثبت الإعلام البديلل أن له تأثيرًا أقوى على الناس من وسائل الإعلام الحكومية الخادعة.
كان هذا التعاطف الشعبي سببًا في تباطؤ النظام وتراجعه عن تنفيذ حكم الإعدام في 4 متهمين في قضية أخرى
يجب أن نسلط الضوء على تلك النقطة المهمة لأنها تعني أن الكثير من الناس بدأوا في إدارك الحقيقة واستعادوا وعيهم، ولم يعودوا مؤمنين بإعلام الحكومة خاصة عند مقارنة ردود فعل الناس تجاه مذبحتي رابعة والنهضة بردود فعلهم تجاه الإعدامات، ورغم أن مذبحتي رابعة والنهضة كانتا مروعتين وأعداد الضحايا فيهما هائلة، فإن ردود الفعل كانت أقوى تجاه مذبحة الإعدامات.
ربما كان هذا التعاطف الشعبي سببًا في تباطؤ النظام وتراجعه عن تنفيذ حكم الإعدام في 4 متهمين في قضية أخرى، التي كان من المقرر تنفيذها بعد القضية الأولى، ما زال هناك 50 مواطنًا مصريًا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، وتقول المعلومات التي تم تسريبها إن النظام يهدف إلى تنفيذ أحكام الإعدام تلك في فترة زمنية قصيرة اعتمادًا على نظرية الصدمة، خاصة وسط صمت دولي تام تجاه انتهاكات السلطة لحقوق الإنسان.
كان من المقرر تنفيذ تلك الإعدامات عقب زيارة السيسي لمؤتمر ميونخ للأمن وحديثه عن محاربة الإرهاب والجماعات الإسلامية، كما لو أنه يحمي الغرب ويدافع عنهم، وكأنه يقف في خط المواجهة الأمامي في وجه الإرهاب لإبعاده عن الغرب، هذا يعني أن المجتمع الدولي يتفق مع السيسي مما شجع النظام على سفك المزيد من الدماء وعقد المؤتمر العربي الأوروبي في شرم الشيخ بعد أيام قليلة من تنفيذ أحكام الإعدام، هذا وإن دلّ فإنه يدل على تواطؤ المجتمع الغربي وغضه الطرف عن جرائم السيسي.
لقد فقد المجتمع الدولي ضميره في مواجهة كل هذه الجرائم المرتكبة ضد المسلمين، لكنه في الوقت نفسه يتابع بعناية أي عنف يوجه لغير المسلمين، إنه ضمير أعوج يركز فقط على مصالحه وصفقاته التجارية مع البلاد.
هذا المجتمع الدولي الذي لم يعر انتباهًا لجرائم “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، وجرائم بشار الأسد في سوريا، والجرائم المرتكبة ضد المسلمين في الصين وغيرها الكثير، هو مجتمع فقد إنسانيته وباع قيمه لمن يدفع أكثر، هذا المجتمع يستحق أن نبصق عليه.
المصدر: ميدل إيست مونيتور