صوب العاصمة الفيتنامية هانوي، تتجه أنظار العالم، يومي الأربعاء والخميس المقبلين، حيث القمة الثانية المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وسط حالة من الترقب لما ستتمخض عنه من نتائج تختلف بصورة أو بأخرى عن تلك التي خرجت بها القمة الأولى التي عقدت في سنغافورة، يونيو الماضي.
الاستعدادات لعقد القمة تسير بصورة مكثفة، حيث غادر أون بالقطار يوم السبت الماضي، متجهًا إلى هانوي، برفقة شقيقته كيم يو، ذات النفوذ الواسع، وعدد من كبار المسؤولين الذين شاركوا في محادثات القمة الأولى في 12 من يونيو/حزيران الماضي في سنغافورة، فيما يستعد ترامب هو الآخر لمغادرة بلاده للمشاركة في القمة التي ينتظرها الجميع.
وبعيدًا عن القمة الأولى التي كانت أقرب إلى البروتوكول الشكلي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات في محاولة لتخفيف حدة التوتر، متجاهلة الاقتراب من الملفات العميقة، مثل الأسلحة النووية لبيونغ يانغ وملف العقوبات، إلا أنه من المتوقع أن تضع القمة الثانية “حجر الأساس” لبدء رحلة معالجة هذين الملفين المحورين.
لماذا فيتنام؟
منذ انتهاء القمة الأولى التي جمعت الزعيمين في سنغافورة، دارت تساؤلات عن مكان اللقاء الثاني دون تحديد هويته، لكن لم يتوقع أحد أن تكون فيتنام هي المرشحة لاستضافة القمة الثانية، غير أن الخيار بلا شك يبعث بالعديد من الرسائل والدلالات لأطراف القمة المباشرين وغير المباشرين.
بداية تجمع فيتنام علاقات جيدة مع الكوريتين، الشمالية والجنوبية، فهي رسالة دفء واضحة على تحسين العلاقات بين الدول الثلاثة، هذا بخلاف الرسالة الرمزية التي تبعث بها لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع واشنطن، خاصة بعد الحرب التي شهدتها الدولتان وأسفرت عن قتل الملايين، فحين تستضيف هانوي ترامب للمرة الثانية ومن قبله عدد من الرؤساء السابقين مثل بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما فإنها تشير إلى مرحلة جديدة من التحسن في العلاقات.
رسالة أخرى غير مباشرة على اختيار فيتنام، إذ يمثل هذا العام الذكرى الثلاثين لغزو فيتنام لدولة كمبوديا المجاورة، هذا الغزو الذي أوقعها ضحية لعزلة دولية خانقة (رسالة لكوريا الشمالية) ومن ثم تأتي هذه القمة لطي صفحة هذه العزلة وما تبعها من تداعيات بصورة شبه نهائية، كما أنها ستكون فرصة سانحة لأن تسلط الأضواء على هذه الدولة وما وصلت إليه من تقدم في محاولة لخلق صورة ذهنية عالمية عنها على هامش الزخم الإعلامي المصاحب للقمة.
دلالات وراء اختيار فيتنام لعقد القمة الثانية
قمة هانوي.. ترامب في مأزق
يأتي ترامب إلى قمة هانوي محملاً بحزمة من الضغوط وتضييق الخناق عليه، ففي اليوم الذي من المقرر أن تعقد فيه القمة، يكون محاميه القديم مايكل كوهن قد بدأ يسرد أمام “لجنة الرقابة والإشراف” في مجلس النواب، ما لديه من معلومات متعلقة بالرئيس الأمريكي، كما كان من المقرر أن يفرج المحقق روبرت مولر الذي يتولى التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عن تقريره في الوقت عينه، غير أنه جرى تأجيل الموعد حتى لا يلقي بظلاله على القمة.
هذا بخلاف الانتصارات التي حققها الكونغرس على حساب الرئيس، حيث فرض عليه التراجع عن الانسحاب الكامل من سوريا، وأجبره على القبول ولو بوجود عسكري رمزي، كذلك التحرّك لوقف الدعم العسكري للسعودية في حرب اليمن حيث صوّت مجلس النواب قبل أيام بأكثرية وازنة لوقف الدعم، فيما بات مجلس الشيوخ على طريق التصويت، وقد يجاري النواب في هذا الخصوص، كذلك الأمر بالنسبة لحالة الطوارئ التي أعلنها ترامب أخيرًا، المتعلقة بالجدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك، التي ينتظر أن يصوت مجلس النواب ضدها غدًا الثلاثاء المقبل، على أن ينظر مجلس الشيوخ في الموضوع بعد 18 يومًا.
لا شك أن هذا الموقف الحرج الذي بات فيه ترامب يقوي بشأنه من موقف نظيره الكوري الشمالي التفاوضي، ويعزز تمسكه بإستراتيجية “التفاوض بشأن الماضي والمستقبل لكن ليس بشأن الحاضر” فضلاً عن تهيئة الأجواء للحصول على تنازلات أمريكية قوية بشأن العقوبات المفروضة ضد بلاده.
قد يضحي كيم جونغ أون بصواريخه العابرة للقارات الموجهة للولايات المتحدة، وربما يعرض وقف المفاعل النووي الرئيسي، وذلك مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية المشددة على بلاده
3 سيناريوهات
انتهت قمة سنغافورة الأخيرة إلى التزام فضفاض بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية دون وضع إستراتيجية تحدد الجدول الزمني والموضوعي لهذا الإخلاء، الأمر الذي حولها إلى قمة شكلية، أسفرت عن تقارب شخصي بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري الشمالي، حتى إن الأول بات يصف علاقته بالثاني بالعظيمة، كما فتحت الباب أمام احتمال إنهاء حالة المواجهة القائمة بشبه الجزيرة الكورية منذ انتهاء الحرب هناك مطلع خمسينيات القرن الماضي.
ومع اقتراب موعد قمة هانوي تتصاعد التخمينات بشأن السيناريوهات المتوقعة لهذا اللقاء الذي يترقبه الكثير من القادة والزعماء لا سيما في تلك المنطقة الساخنة من العالم (شبه الجزيرة الكورية) غير أن هناك 3 سيناريوهات رئيسية يتمحور حولها نتائج القمة المرتقبة.
السيناريو الأول: بقاء الوضع على ما هو عليه، حيث لا نتائج تختلف كثيرًا عن قمة سنغافورة، وهو السيناريو الذي ربما لا يرضي طموحات الزعيمين، فكلاهما يسعى إلى البحث عن خروج من المأزق الذي باتت فيه بلاده، سواء رفع العقوبات أم تخفيف الضغوط الداخلية.
لوحة مرحبة بقدوم الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي بأحد مطاعم هانوي
السيناريو الثاني: تقديم حزمة من التنازلات البسيطة من جانب الزعيم الكوري، فقد يضحي كيم جونغ أون بصواريخه العابرة للقارات الموجهة للولايات المتحدة، وربما يعرض وقف المفاعل النووي الرئيسي، وذلك مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية المشددة على بلاده.
هذا السيناريو ربما يكون الأفضل لكلا من الطرفين، فترامب يسعى من خلاله للخروج من دائرة التحقيقات التي تضيق عليه، كما أنه سيستخدمه لإقناع مؤيديه بأنه يحمي الأراضي الأمريكية، بينما سيكون بالنسبة إلى كيم خطوة مهمة على طريق تثبيت كوريا الشمالية بوصفها دولة نووية وهو اعتراف حال الحصول عليه سيمثل انتصارًا كبيرًا لبيونغ يانغ عالميًا، هذا بخلاف إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد التي ساهمت في تعزيز الأزمة بصورة كبيرة.
مراقبون يرون احتمالية أن يعرض الزعيم الكوري القبول بمراقبة دولية ما على مواقع التجارب التي سبق أن أزالها، مع التعهّد بوقف الإنتاج وعدم نقل التكنولوجيا والمعارف النووية إلى جهات خارجية، في مقابل المطالبة بتنازلات دسمة طالما سعى إليها، مثل وقف التدريبات العسكرية الأمريكية ـ الكورية الجنوبية، وربما طلبات أخرى تتعلق بانتشار القوات الأمريكية بين الكوريتين.
تفاؤل مشوب بالحذر من طرفي القمة يقابله حالة من الترقب من بقية الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، تضع قمة هانوي على رأس أجندة الاهتمام الدولي
السيناريو الثالث: تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية بصورة كاملة، وهو سيناريو مستبعد وفق محللين، إذ تؤكد بيونغ يانغ أنها باتت تملكها بعد عدة تجارب نووية في السنوات القليلة الماضية، أو صواريخها العابرة للقارات التي يقدر خبراء أمريكيون أن بعضها يفوق مداه عشرة آلاف كيلومتر، ويمكن أن تصيب مدنًا أمريكية بينها واشنطن ونيويورك، فضلاً عن قواعد أمريكية في المحيط الهادئ مثل قاعدة غوام.
استبعاد هذا السيناريو يأتي في ظل الإيمان الكامل لدى الكوريين الشماليين أن السلاح النووي هو الأداة الوحيدة القادرة على احترام العالم لها، والوسيلة الأكثر تأثيرًا التي من الممكن أن تعبر بيونغ يانغ من خلالها إلى العالمية، هذا بخلاف دورها في الدفاع عن البلاد حال تعرضها لأي اعتداءات في أي وقت.
تفاؤل مشوب بالحذر من طرفي القمة يقابله حالة من الترقب من بقية الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، تضع قمة هانوي على رأس أجندة الاهتمام الدولي الأيام القليلة المقبلة، وما بين الخروج بلا نتيجة وسيناريوهات التنازلات المتبادلة يقف العالم في انتظار ما ستسفر عنه الـ72 ساعة القادمة.