ترجمة وتحرير: نون بوست
ليس لدى رجال الظل في ليبيا أي تفويض أو منصب رسمي ولكنهم يتمتعون بتأثير شديد على الملفات الدولية الحساسة. وقد منحت الأزمة الليبية، المتواصلة أساسا بسبب التنافس بين القادة السياسيين، فرصة النشاط لهؤلاء الأشخاص من أصحاب النفوذ ورجال الأعمال الوصوليين وأصحاب اللوبيات والوسطاء وغيرهم من الاستشاريين.
في مقابلة له مع مجلة “جون أفريك” في شهر آب/ أغسطس من سنة 2018، قال جان إيف أوليفييه حين طُلب منه تعريف دوره كوسيط بين الأطراف الليبية إن الأمر يندرج ضمن “الدبلوماسية الموازية”. كان رجل الأعمال الفرنسي، المقرب من الرئيس الكونغولي ديني ساسو نغيسو، صاحب مبادرة الحوار الداخلي بين الليبيين، وهو يدافع عن فكرة إرساء مصالحة وطنية تسبق أي حل للخروج من الأزمة. وبواسطة “مؤسسة برازافيل”، نظم أوليفييه لقاءات مع مختلف أطراف الأزمة الليبية بين سنتي 2017 و2018، كما هو الحال في داكار في أيار/ مايو سنة 2018.
تحت إشراف أوليفييه، التقى كل من الشخصية البارزة السابقة في نظام القذافي بشير صالح، والعضو السابق في تنظيم القاعدة الذي يترأس حزب “الوطن” الإسلامي عبد الحكيم بلحاج، في إسطنبول في شهر آب/ أغسطس سنة 2017. وجسد الاجتماع بين قطبي الطيف السياسي طريقة عمل أوليفييه المتمثلة في النشاط على نطاق واسع وتجميع أكبر عدد ممكن من الليبيين، دون استثناء أي طرف بما في ذلك عائلة القذافي. وتجدر الإشارة إلى أن أوليفييه يدين تهميش هذه العائلة خلال اتفاق الصخيرات في المغرب سنة 2015.
كان لميشيل سكاربونشي دور هام في اجتماع الخصمين الرئيسيين في المشهد الليبي برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لاسيل سان كلو بالقرب من باريس سنة 2017، رغم عدم مشاركته بشكل مباشر في التحضيرات للاجتماع
لما كان أوليفييه يدافع عما يعتبره أمرا واقعا، فإنه لا يتردد في رسم سيف الإسلام القذافي في صورة “رمز المصالحة”. ولكن، لم كل هذا النشاط؟ يصر الوسيط على لعب دور الميّسر دون التفكير في مصالحه الشخصية. وقد أشار خلال المقابلة التي أجراها مع مجلة “جون أفريك” إلى أنه “في حال توفرت فرص اقتصادية في ليبيا مستقبلا، فلماذا ينبغي عليّ التخلي عنها؟”. وعلى الرغم من تصريحه بأنه لا يرغب في معارضة الديبلوماسية الفرنسية في ليبيا، إلا أنه لا يتوانى عن انتقاد نهجها الذي يفرط في التركيز على أبرز الأطراف الفاعلة في الملف الليبي، وهما فايز السراج وخليفة حفتر.
دور ميشيل سكاربونشي
كان لميشيل سكاربونشي دور هام في اجتماع الخصمين الرئيسيين في المشهد الليبي برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لاسيل سان كلو بالقرب من باريس سنة 2017، رغم عدم مشاركته بشكل مباشر في التحضيرات للاجتماع. ثم أصبح هذا النائب الأوروبي السابق والمناصر لجان بيير شوفانمون استشاريا اليوم. وهو يؤكد أنه لا علاقة لنشاطه هذا بدوره في الملف الليبي، حيث فسر أن “الوسيط يعني أن هناك معاملة. لكن كل ما قمت به في ليبيا نابع عن قناعة قوية”.
خلال سنة 2011، وفي الوقت الذي كان فيه نظام القذافي مهددًا، عبّر ميشيل سكاربونشي في أعمدة جريدة “لوموند” اليومية عن معارضته لتدخل التحالف. وقد عبر عن رأيه في شهر آب/ أغسطس في طرابلس أمام بعض النواب الفرنسيين، حيث قال: “لقد كتبت إلى فرانسوا أولاند من أجل معارضة هذه الحرب، لكنه لم يحرك ساكنا”.
بفضل الصحفية روميانا أوغارتشنسكا، التي تعد من الشخصيات القليلة التي كانت على اتصال مع المارشال حفتر، تشكلت أولى الروابط بين سكاربونشي وعشيرة حفتر
بعد سقوط النظام، مرّت بضع سنوات قبل أن تجذب شخصية المارشال حفتر اهتمامه في سنة 2016. وفي حديثه عنه، أفاد سكاربونشي: “عرفت أن مفتاح ليبيا المستقبلية هو حفتر. فحين تحيطون علما بالجيوسياسية، يمكنكم على الفور فهم مكان وجود الرجل القوي. ففي حين يعتبر السراج دمية بين أيدي منظمة الأمم المتحدة والميليشيات الإسلامية، فإن حفتر يقاتل ضد الجهاديين”.
بفضل الصحفية روميانا أوغارتشنسكا، التي تعد من الشخصيات القليلة التي كانت على اتصال مع المارشال حفتر، تشكلت أولى الروابط بين سكاربونشي وعشيرة حفتر. وفي نهاية سنة 2016، قدمت هذه الصحفية المستشار الدبلوماسي المارشال فاضل الديب لسكاربونشي. ومنذ ذلك الحين، توطدت العلاقة بين الرجلين في باريس، وساعد سكاربونشي الديب على لقاء جان إيف لو دريان، الذي كان حينها وزيرا للدفاع. وبيّن سكاربونشي أن “جان إيف لو دريان تقابل معه وأدرك حينها أهمية حفتر، ومن هنا انطلق كل شيء”.
إثر ذلك، دُعي سكاربونشي إلى بنغازي لمقابلة خليفة حفتر، وبشأن هذه الزيارة قال: “لقد قضيت حوالي أربع ساعات برفقته وأدركت أن هذا الرجل هو بمثابة شارل ديغول ليبيا”. في ذلك الوقت، انتخب ماكرون على رأس البلاد. وقد نشر ميشال سكاربونشي في نهاية شهر أيار/ مايو مقال رأي في “هافينغتون بوست” بعنوان “لماذا ينبغي على ماكرون السيطرة على الملف الليبي حتى يتسنى التوصل إلى مخرج للأزمة”.
نصح الاستشاري المارشال بكتابة رسالة تهنئة للرئيس الجديد، وهي المهمة التي أداها بنفسه مع فاضل الديب. ثم تولى هذا الفرنسي مسؤولية إيصال الرسالة بنفسه إلى الأمانة العامة للخلية الدبلوماسية للرئيس الفرنسي. وفي هذا السياق، أكد سكاربونيشي: “لم أقابل ماكرون شخصيا قطّ. لقد تأثر الرئيس على ما أظن. فبعد شهر تقريبا، دعا كلا من السراج وحفتر إلى لاسيل سان كلو”.
يعتبر التونسي محمد عياشي العجرودي من بين الأطراف الأخرى المعروفة في مؤسسة برازافيل، التي يشرف رئيسها ديني ساسو نغيسو على إدارة لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا
هل حصل سكاربونيشي على أي أموال مقابل جهوده؟ أجاب سكاربونشي متفاخرا: “لقد عملت مجانا من أجل الشعور بأني شخص مفيد. وربما جنبني هذا الأمر الكثير من المتاعب!”. كيف يُقرأ تقدم حفتر في جنوب البلاد؟ أكد سكاربونيشي أنه لا يؤمن بالعملية السياسية الليبية ويدعم الأسلوب القوي الذي ينتهجه المارشال. ووفقا له، تهدف التفجيرات الفرنسية الأخيرة في التشاد إلى دعم هجومه في الجنوب.
إلى جانب ذلك، تحدث هذا الاستشاري عن علاقته مع بول سولير، الذي يوصف أحيانًا “بالسيد الليبي” في الإليزيه، علما وأن الرجلين يتشاركان نقاط عديدة حول الملف الليبي. ومن المتوقع أن يحظى هذا المسؤول السابق في القوات الخاصة الفرنسية، الذي أصبح اليوم قائد وحدة القوات البرية الفرنسية، بثناء العديد من الأطراف الليبية الراغبة في التأثير على الموقف الفرنسي. وهو ما أكده سكاربونشي من خلال قوله إنه “ربما ساعد في تقوية الروابط بين حفتر والفرنسيين”.
التونسي محمد العياشي العجرودي
يعتبر التونسي محمد عياشي العجرودي من بين الأطراف الأخرى المعروفة في مؤسسة برازافيل، التي يشرف رئيسها ديني ساسو نغيسو على إدارة لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا. وقد قدّم الرجل الذي يدير أعمالا في مجالات معالجة المياه والاستيراد والتصدير والعقارات المشورة للصناعيين الفرنسيين الراغبين في الاستثمار في الكونغو.
مارسيل سيكالدي، وهو محامي كل من مارين لوبان والزوجين غباغبو وسيف الإسلام القذافي، من بين المؤيدين الفرنسيين لعشيرة القذافي
خلال اجتماع عُقد في العاصمة الكونغولية يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 برعاية ديني ساسو نغيسو، أشاد رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية العجيلي عبد السلام بريني بحرارة بالعجرودي، الذي يعرّف نفسه على أنه “قائد ملتزم وفاعل خير”. وقال المسؤول الليبي المقرب من أوساط عائلة القذافي إن “العجرودي محب للوطن، ولطالما قدم لنا المساعدة”. وفي الواقع، لعب هذا التونسي دورًا رئيسيًا في تنظيم الاجتماع.
كان مارسيل سيكالدي، وهو محامي كل من مارين لوبان والزوجين غباغبو وسيف الإسلام القذافي، من بين المؤيدين الفرنسيين لعشيرة القذافي. وقد عارض هذا الرجل التدخل الأجنبي ضد نظام العقيد، الذي كان سقوطه ثمرة مؤامرة دولية وفقا لسيكالدي. وبتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر، نظم سيكالدي دورة في ميرديان باريس تمثل هدفها الرئيسي في التنديد بعواقب تدخل الأمم المتحدة في ليبيا.
بفضل براعته الإفريقية خاصة داخل الاتحاد الأفريقي، يلعب هذا الفرنسي اليوم دور الوسيط بين مختلف العشائر. وقد زار تونس في شهر شباط / فبراير سنة 2014 لمقابلة ممثلين عن تاورغاء، الذين يعتبرون ضحايا الثوار الليبيين. ويعتبر هؤلاء أن أعضاء هذه القبيلة من المؤيدين للنظام السابق.
تعود العلاقات بين رجل الأعمال المغربي السويسري محمد بنجلون وليبيا إلى فترة طويلة. وعلى ضفاف بحيرة ليمان، استقبل بنجلون سنة 2005 وفدًا ليبيًا لمناقشة تنظيم الأحداث القارية (لقاءات رياضية، ومؤتمرات… ) من أجل إعادة طرابلس إلى الساحة الدولية. وتكرس شركته “جنرال أوريونت” نشاطها لدور الوساطة وضمان التواصل بين رجال الأعمال الأوروبيين والأفارقة والعرب. وتعد هذه المهارة مفيدة في الملف الليبي. وقد لعب هذا الصديق المقرب للملك محمد السادس دور الوساطة بين لجنة الشيوخ والأعيان الليبيين وقصر الإليزيه.
المصدر: جون أفريك