لا يختلف أحد على أهمية تغيير المناهج الدراسية وتعديلها بشكل مستمر، فالتعديل والتغيير المتواصل يدل على متابعة جيدة للعملية التعليمية والتربوية، وهذا يحتاج في نفس الوقت إلى دراسة حقيقية لتصحيح مسار العملية التربوية، لتكون أكثر مساهمة في تطوير الطالب وإكسابه المعلومات والأفكار التي تنسجم مع واقعه وحياته، ورغم كل التداعيات التي تزامنت مع تغيير المناهج، فإننا لو نظرنا للجانب الإيجابي لوجدناها خطوة جيدة، لكن تحتاج لمراعاة بعض الظروف المتعلقة بالطالب والأستاذ والبيئة المدرسية.
ملاءمة المناهج الدراسية للحياة العملية للطالب
تعد المدرسة الأمل الوحيد لتهيئة الطالب للحياة العملية، ولكنها لم تقمْ بدورها في هذا المجال، فمعظم حجرات الدراسة تصب جهدًا كبيرًا على تلقين المعلومات بعيدًا عن الممارسة العملية، فضلًا عن أن المناهج الدراسية لا تتعلق بحياة الطالب لا من قريب ولا من بعيد، ليتخرج الطالب في نهاية المطاف، وهو يحمل كمًا من المعلومات لا علاقة له بحياته.
لعل النظام التربوي يحتاج لمعالجة شاملة، فالأمر ليس مقتصرًا على المادة الدراسية، بل هناك مشكلة في النظام نفسه
عبد المالك السعدي مشرف ثانوية القادة الأهلية في الموصل قال في تصريح لنون بوست: “المناهج الدراسية الآن التي تم تحديثها في المرحلة الابتدائية، وإلى حدٍ ما في المرحلة المتوسطة، فيها شيء جيد من ملاءمتها للبيئة العراقية، لكن المناهج الأخرى ليس فيها مطابقة لواقع الطالب وحياته، فلا توجد علاقة بين المناهج الدراسية وما يحتاجه في البيئة”، وأضاف السعدي “المناهج الدراسية تفتقر إلى مهارات الحياة، فهذه المهارات يُفترض أن تكون مادة توضع ضمن الحصص الدراسية التي تؤهل الطالب ليكون أكثر ملاءمة للبيئة التي يعيش فيها، وكذلك إضافة مادة الورش، فهذه الورش تُهيئ الطالب، إضافة للدراسة الأكاديمية التي تهيئ الطالب ليكون عاملًا في المجتمع”.
ولعل النظام التربوي يحتاج لمعالجة شاملة، فالأمر ليس مقتصرًا على المادة الدراسية، بل هناك مشكلة في النظام نفسه، وفي هذا السياق يتحدث السعدي قائلاً: “النظام التربوي الدراسي في العراق فيه مشكلة، فنظام البكالوريا نظام خاطئ، فلو تحول من نظام البكالوريا إلى نظام الدبلومة كما هو معمول به في تركيا، سيقلل الضغط على الطالب ويحوله من التلقين والحفظ إلى الفهم”.
وبيّن السعدي: “وفي نفس الوقت يُعطي حرية للجامعات في قبول الطلبة، بعدها يكون معيار قبول الطلبة ليس درجة السادس وإنما اختبارات تضعها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقي تحدد من خلالها قبولهم في الجامعات العراقية، وهذا المقترح سيكون فيه خيار للطالب بأن يختار الجامعة التي يقدم عليها مسبقًا”.
طلاب يستعدون لاستلام المناهج الدراسية
ما إمكانية اختصار المناهج الدراسية؟
تعتبر المناهج الدراسية في العراق مناهج مطولة وكثيفة مقارنة بالدول العربية الأخرى، وما زال المنهاج العراقي رغم كل التراجع، قوي من الناحية العلمية، رغم عدم مطابقته للواقع العملي للطالب، ولهذا يقف كثيرٌ من التربويين ويقترحون بشكل مستمر اختصار هذه المناهج وتقليصها ومحاولة التركيز على المادة النافعة لحياة الإنسان، فضلًا عن أن مناهجنا فيها من الحشو الكثير، فالمسألة الواحدة يأتي لها بعشرة تمارين أو أكثر، سواء في المواد العلمية أم الإنسانية، مما يرهق الطالب بالواجبات والكتابة المكررة التي لا تجدي نفعًا.
تكمن مشكلة في المناهج بعد تعديلها أن كثيرًا من المدرسين لا يستطيعون تدريسها، بسبب تمرسهم على المنهج السابق، مما ألقى العبء على الطالب وأهله، فضلًا عن أن المدرس في المرحلة الابتدائية، يكون مدرسًا شاملًا لكل المواد، أو ما يعرف بمعلم صف، فهو لا يملك المقدرة على مواكبة التغيرات في المواد العلمية، مما يستدعي أن تقوم وزارة التربية بدورات تطويرية للمدرسين قبل الإقدام على تغيير المناهج، فيكون المدرس مستعدًا لهذا التغيير، ولا يكون مفاجئًا مما يصيب العملية التربوية بالتوتر، وينعكس هذا التوتر على الطالب بشكل عام.
اختصار المناهج الدراسية أمر ممكن، وخاصة فيما يتعلق بالمواد غير العلمية
تجدر الإشارة إلى أن اختصار المناهج الدراسية أمر ممكن، وخاصة فيما يتعلق بالمواد غير العلمية، فيمكن اختصارها، كالتاريخ أو الجغرافيا أو الوطنية، وإمكانية دمج بعض المواد الأخرى كاللغة العربية والتربية الإسلامية، فاللغة تعتمد اعتمادًا وثيقًا على القران الكريم والثقافة الإسلامية.
وفيما يخص المراحل غير المنتهية فبإمكان الأستاذ أن يختصر المادة ويُركز على الأفكار المهمة بالمقرر الدراسي، ويمكنه كذلك اختصار التمرينات المخصصة لكل درس، بالإضافة للاهتمام بالجانب العملي للدراسة.
صورة يظهر فيها كتاب قواعد اللغة العربية
كيف يمكن تطوير المناهج لتنمية قدرات الطالب العقلية؟
تهتم كثيرٌ من المدارس في العالم بتنمية القدرات العقلية للطالب وتطويرها، وكذلك إكسابه مهارات البحث عن المعلومة واعتماد أساليب النقد والنقاش كأسلوب من أساليب التعليم، وتقدمت معظم الدول بهذا المجال وتراجعت بلدان عربية كثيرًا ومنها العراق، بقضية تنمية قدرات الطالب العقلية، فما زالت مناهجنا تعتمد أسلوب التلقين والحفظ، وفي نفس الوقت غاب دور الأستاذ الذي يُثري عقلية الطالب وينضجها وينميها، وكذلك افتقد الطلاب الرغبة في التعلم والسؤال لأجل البحث والتقصي عن الفكرة والمعلومة، وجُلّ الطلاب اليوم شغلهم الشاغل كيف يحصلون على الدرجة ويجتازون مرحلة دراسية، سواء اكتسبوا خلالها أفكارًا ومعلومات أم لا.
وفي نفس السياق يقول عبد المالك السعدي: “المناهج جيدة حاليًّا في تطوير عقلية الطالب، وخاصة في المرحلة الابتدائية، والمرحلة المتوسطة، فهي مصممة وفق قواعد الاكتشاف والاستقراء والابتكار”، وأفاد السعدي أنه بالإمكان إضافة مادة العلوم العقلية وتدرس كمنهج لتطوير قدرات الطالب العقلية والذهنية.
تبقى قضية تعديل المناهج وتطويرها قضية مفتوحة ويثار بشأنها الجدل بين الفينة والأخرى، ما بين مؤيد ومعارض، ما بين قبولٍ من الطلاب ورفضهم، ما بين دعاة التمسك بالقديم ودعاة التجديد المستمر، ليبقى التساؤل الذي يطرح نفسه بصورة ملحة: هل التغيير خاضع للدراسة والبحث أم أنه تغيير عشوائي لأجل التغيير لا غير؟