نجحت هيئة تحرير الشام في تشكيل هيئات ومؤسسات وحكومة ظل، مستفيدة من الخبرات الإدارية لبعض الكوادر والكفاءات التي تركت العمل مع النظام بمختلف المجالات، في هذا الموضوع يقول القيادي المقرب من الجهاديين قحطان الدمشقي: “تدير الهيئة هذه المؤسسات عبر حكومة الإنقاذ وسط مراقبة تامة وتبعية للهيئة، هذه المؤسسات منها ما هو لتأمين الدعم المالي في ظل انحسار الموارد (كمعبر باب الهوى)، ومنها ما هو خدمي لصالح المجتمع وفئاته، ومنها ما هو رسالة لدول الإقليم بقدرتها على إدارة المحرر بشكل منظم بعيدًا عن نظام إمارات الحرب”.
ويضيف في حديثه لـ”نون بوست”: “لهذه المؤسسات دور كبير في تنظيم حياة المدنيين بالشمال السوري وإدارة شؤونهم وحل الخلافات بينهم في ظل الحرب القائمة منذ 8 سنوات ووجود قوة تنفيذية تدير المحرر أمر غاية بالأهمية، فمؤسسات الهيئة تمارس دور الرقابة على المنظمات التي يستشري بمعظمها الفساد المالي والإداري والمحسوبيات، كما تعتمد عليها كأحد مصادر التمويل من خلال المشاريع المنفذة لهذه المنظمات تحت إدارتها، فمن عمل وفق هذه الرؤية من المنظمات لن يتعرض للمضايقة ومن يخالف سيتحمل التبعات، موضوع الضرائب هو الجانب الأكثر سلبية بعمل هذه المؤسسات، فهي تثقل كاهل المدنيين المثقلين بهموم الغلاء والبطالة والفقر والفوضى، فالتذمر سيد الموقف”.
بعد الاقتتال الأخير وافقت جميع الفصائل على تسليم الإدارة المدنية في الشمال المحرر لحكومة الإنقاذ (عدا درع الفرات وغصن الزيتون)
من جهته يقول الإعلامي أحمد رحال: “بالنسبة للمؤسسات المدنية في إدلب وريفها تتبع تنظيميًا وإداريًاً حكومة الإنقاذ التي شكلها الأكاديميون الثوريون الذين اقترحوا مبادرة لإنشاء حكومة تكنوقراط في المحرر منذ عام ونصف تقريبًا.
عقب المبادرة انعقد المؤتمر السوري العام الذي حضره وشارك به أغلب الفعاليات المدنية والثورية والسياسية الموجودة في الشمال السوري المحرر، ووعدت الفصائل المقاتلة حينها بتقديم الدعم وإعطاء الصلاحيات اللازمة لتسيير عملهم، بينما لم توف ذلك إلا بعض الفصائل ومن بينها تحرير الشام، حيث سلمت المناطق الخاضعة لها من الناحية الخدمية والإدارية للحكومة، وانبثق عن المؤتمر السوري العام الأول هيئة تأسيسية بمثابة مجلس برلمان مصغّر وهو من وافق على تشكيل حكومة الإنقاذ برئاسة الدكتور محمد الشيخ الذي كان يشغل منصب رئيس جامعة إدلب، وجميع الوزراء والعاملين في الحكومة هم أكاديميون ولذلك أُطلق عليها اسم حكومة تكنوقراط.
اليوم بعد الاقتتال الأخير وافقت جميع الفصائل على تسليم الإدارة المدنية في الشمال المحرر لحكومة الإنقاذ (عدا درع الفرات وغصن الزيتون)، وكان هناك ترحيب كبير من الأهالي في تلك المناطق وغيرها وذلك لتسهيل الأعمال والمشاريع التي تصب في صالحهم من خلال اتباعهم جميعًا لجهة مدنية واحدة تدير شؤونهم، وبعد ذلك انعقد مؤتمر العام الثورة السورية منذ أيام الذي انبثقت عنه لجنة لتنظيم الانتخابات في الشمال السوري المحرر من أجل تشكيل “مجلس شورى” من عامة الشعب تكون له المرجعية في عمل حكومة الإنقاذ وإدارة المحرر، وتركز هيئة تحرير الشام عملها على الجانب العسكري بعد مطالبتها بذلك من الفعاليات المدنية، وبالفعل استجابت لهم ورفعتها يدها عن الإدارة المدنية”.
يقول الباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد أبو فرحة لـ”نون بوست”: “إذا أردنا أن نرى مدى نجاح تنظيم أو حركة في إدارة وإنشاء مؤسسات فلا بد أولاً أن ننظر إلى خلفية الحركة و إيدلوجيتها”
ويضيف الإعلامي في حديثه لـ”نون بوست”: “مؤسسات حكومة الإنقاذ هدفها لصالح عامة الشعب وجميع فصائل الثورة السورية، وهي الآن تبدأ من مرحلة ما قبل الصفر بعد الحرب التي عاشتها البلاد طوال 8 سنوات، بالإضافة إلى محاربتهم من الحكومة المؤقتة وتنظيم الدولة والنظام وغيرهم، فلا بد لهذه العوامل من إعاقة عملهم ووقوعهم في بعض الأخطاء التي تكون فادحة أحيانًا، لكنهم بشكل عام يعملون ويبذلون جهودًا حثيثة في سبيل النهوض بالشمال المحرر.
أنا شخصيًّا منذ فترة قصيرة انتظرت ثلاثة أيام بعد تواصل وتنسيق مستمر حتى استطعت لقاء أحد المسؤولين في الحكومة، والسبب أنهم جميعًا يعملون على الأرض وليس في المكاتب، وهذا ما يُسارع في نجاح عملهم، وإنجازاتهم لا يمكن لأحد أن ينكرها على الأصعدة كافة، إلّا أنّ الشعب يطلب منهم المزيد وهذا من حقه بعد كل التضحيات التي قدّمها.
وعليهم أيضًا محاسبة أي كادر لديهم يتخاذل بتقديم المفروض عليه للشعب، وفيما يتعلق بالتضييق على المنظمات، فالملف سلم لحكومة الإنقاذ وهي تعمل على تنظيم عملهم، وأنا شخصيًا شاهدت العديد من قضايا الفساد لدى المنظمات العاملة في المحرر وضررهم ينعكس على عامة الشعب فلا بد من تنظيم عملهم، أمّا بالنسبة لأخذ بعض الرسوم من الناس فهذا يُضيّق على الشعب بشكل عام إلا أنه في ذات الوقت يصب في مصلحتهم، لأننا كلنا نعلم أن حكومة الإنقاذ ليس لديها أي تمويل ولا بد من توافر المال حتى تنجح في عملها، وهذا غير ممكن إلا من خلال أخذ بعض الرسوم – وبحسب متابعتي فإنهم يعملون على توفير بدائل اقتصادية لتخديم الخدمات بشكل مجاني للشعب فأوضاع عامة الناس سيئة – أو على منظمات المجتمع المدني دعم حكومة الإنقاذ في سبيل نجاح مؤسساتها وعملها المدني”.
في هذا الصدد يقول الباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد أبو فرحة لـ”نون بوست”: “إذا أردنا أن نرى مدى نجاح تنظيم أو حركة في إدارة وإنشاء مؤسسات فلا بد أولاً أن ننظر إلى خلفية الحركة وإيدلوجيتها، في حالة الهيئة وهي ذات الطابع الجهادي والخلفية السلفية التي بدورها لا تكترث كثيرًا للجانب المدني الخدماتي، نجدها تفوقت على التنظيمات الجهادية في إيجاد شكل وكيان للمناطق المحررة، فأحد أسباب فشل خصوم الهيئة في الساحة الشامية أنهم راهنوا على انغلاق الهيئة وتقوقعها داخل الإيدولوجيا الصلبة المقيدة”.
رفض أي منظمة التعامل مع الهيئة يرجع إلى رؤية المنظمة والدول الداعمة لها
ولكن الهيئة أبدت مرونة كبيرة مما أثار ذهول خصومها وحتى أنصارها من الانفتاح، بنظري الشخصي فإن المؤسسات التي أنشأتها الهيئة وتديرها لا تخدم فقط الهيئة إنما تخدم عموم الناس المقيمين في المحرر وذلك لأنه لا يمكن لحياة أن تستمر دون وجود من يدير شؤون المناطق، فتأثير المؤسسات التي أنشأتها الهيئة إيجابي على الداخل السوري، فالمحاكم التي تفض النزاعات وتنظم التعليم والصحة يستفيد منه الناس وتعزيز الأمن أيضًا ضرورة قصوى بالنسبة للسوريين في المحرر الذين يريدون تنظيمًا قويًا أو إدارة قوية تضبط أيادي العابثين الذين ينزعون الأمن ويثيرون القلاقل.
بالنسبة للأقوال التي تفيد أن مؤسسات هيئة تحرير الشام تضيق على المنظمات فهذا أمر يتعلق بتلك المنظمات لا بالهيئة، لأن الهيئة بمؤسساتها فتحت ذراعيها للمنظمات الإنسانية للدخول للمحرر، ورفض أي منظمة التعامل مع الهيئة يرجع إلى رؤية المنظمة والدول الداعمة لها، فإذا رفضت منظمات إنسانية التعاون مع الهيئة بحجة أن الهيئة إرهابية مثلاً فما ذنب الهيئة في ذلك؟ المهم أن الهيئة بمؤسساتها أبدت عبر أكثر من بيان أنها تستقبل وستتعاون مع أي منظمة إغاثية أو إنسانية، وإن كان هناك بعض حالات التجاوز في التعامل مع بعض المنظمات الإغاثية من الهيئة فلا بد من رفع شكوى لقيادة الهيئة.
الضرائب مما لا شك فيها إرهاق يثقل المواطنين ويزيد من معاناتهم، لكننا نرى في كل دول العالم وكل تنظيمات العالم أن الضرائب مصدر دخل لإدارة الشؤون الداخلية ووسيلة تنظيم للحياة، لكن يشترط أن يقدم خدمات للناس مقابل هذه الضرائب، نرى حماس كحركة تحكم شؤون الناس تأخذ الضرائب، كذلك فتح بالضفة وطالبان بأفغانستان لكن على نطاق أضيق، لذلك فإن مشكلة الضرائب على الناس مشكلة وهم واحد في أي منطقة ونتمنى على الهيئة أن لا يثقلوا في ذلك الأمر”.
وعن هذا الشأن يقول أبو اليمان الحلبي القيادي في تحرير الشام: “نحن لا نتدخل في عمل حكومة الإنقاذ، فهي تمارس عملها بكل موضوعية وبعيدة عن الجانب العسكري ومن يقوم بالأعمال هم أناس أصحاب كفاءات عالية في كل الاختصاصات”.
يقول القيادي في الجيش الحر الرائد سالم زهران لـ”نون بوست”: “عمل الهيئة وحكومتها كلها تستهدف مصلحة الهيئة وليس المدنيين وهي عملية مخادعة لتثبيت حكم الهيئة بطريقة مدنية”
يقول القيادي في حديثه لـ”نون بوست”: “هناك هجمة إعلامية ضد حكومة اللإنقاذ هدفها تشويه العمل وخلط الأوراق وهذا لن يؤثر على أناس همها خدمة الإنسان في المناطق المحررة”.
في هذا الموضوع يقول القيادي في الجيش الحر الرائد سالم زهران لـ”نون بوست”: “عمل الهيئة وحكومتها كلها تستهدف مصلحة الهيئة وليس المدنيون وهي عملية مخادعة لتثبيت حكم الهيئة بطريقة مدنية، لكن الذي يحكم ويدير الحكومة هي قيادات الهيئة الدينية وشكلت الهيئة حكومة للمراوغة فقط، فهي لا تقوم إلا بطرح رؤية الهيئة الجهادية على المؤسسات والجامعات، فهي تفرض أجندتها ومنهاجها دون الالتزام بمبادئ المؤسساتية، فهي تحمل البندقية بيد والقلم بيد أخرى، كما أن حكومة الهيئة لم تقدم خدمات للمدنيين ولا في أي مجال لا صحة ولا تعليم ولا البنية التحتية، ففي التعليم تفرض شروطها ورؤيتها وكذلك في الصحة، بالمقابل تفرض الضرائب على المحلات والسيارات، فكل ذلك يثقل كاهل المواطن العادي المثقل أصلاً بالفقر والنزوح، فلم تفلح تلك الحكومة بأي شيء لا خدمي ولا أمني، فهناك فلتان أمني لم تضبطه، فهي حكومة ترسخ سلطة تحرير الشام على الشمال وتحقق الجباية من خلال فرض الضرائب”.