تتواصل المظاهرات في مختلف المدن الجزائرية، المناهضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، مظاهرات انضمت إليها شرائح مهمة من المجتمع، حيث خرج الطلاب والمحامون والصحفيون إلى الشوارع أيضًا، في انتظار التحاق باقي الفئات المجتمعية إليهم، ما يجعل “حكام الظل” في حيرة من أمرهم.
الطلاب ينضمون للحراك
في أكبر مظاهرات تعرفها الجامعات الجزائرية، في السنوات الأخيرة، خرج أمس الآلاف من الطلاب في مسيرات رفُعت فيها شعارات ترفض ترشح بوتفليقة استجابة لدعوات للاحتجاج تم تداولها خلال الأيام الماضية عبر شبكات التواصل وفق صور وفيديوهات تناقلتها هذه الشبكات ووسائل إعلام محلية.
وجاءت هذه الاحتجاجات، رغم إعلان قرابة عشر منظمات طلابية تنشط بالجامعات، قبل أسبوعين، دعمها للولاية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة خلال اجتماع مع مدير حملته الانتخابية عبد المالك سلال بالعاصمة الجزائر.
مدن الجزائر وشوارعها لم تشهد هذا النوع من الاحتجاج لما يقرب من 20 عامًا مضت
وفق جزائريون، نظّمت عشرات المسيرات والوقفات الاحتجاجية، أبرزها في جامعة “الجزائر المركزية” بالعاصمة، ومقار كليات أخرى تتبع الجامعة ذاتها هي العلوم السياسية والطب والحقوق، وأيضًا في جامعة قسنطينة والبويرة وبجاية وسطيف وتيزو أوزو وبومرداس وتيبازة، إلى جانب باتنة ومسيلة ووهران وورقلة وأدرار.
وخلال هذه المسيرات والوقفات الاحتجاجية ردد الطلبة هتافات وشعارات معارضة، في مقدمتها “سلمية سلمية، لا للعهدة الخامسة”، كما رفع بعضهم نعشًا وضعوا عليه علم الجزائر، وفوقه صورة الرئيس بوتفليقة، وطافوا بها في الجامعة قبل الخروج إلى الشارع.
جامعة #سكيكدة اليوم في مظاهرات طلاب الجامعات ضد #العهدة_الخامسة للرئيس #بوتفليقة #الجزائر #لا_للعهدة_الخامسة pic.twitter.com/NRFIusr1q2
— مريم بلعالية OUCHAIT (@ouchaitmeriem) February 26, 2019
يجدر الملاحظة، أن مدن الجزائر وشوارعها لم تشهد هذا النوع من الاحتجاج لما يقرب من عشرين عامًا مضت، ما يؤكّد وفق العديد من المراقبين أن حاجز الخوف قد أزيل، وأن الجزائريين يسعون إلى التغيير والقطع مع منظومة أفرزت ترشيح رئيس لم يتحدث إلى شعبه منذ عام 2013.
المحامون والصحفيون أيضًا
انضمام الطلاب إلى المظاهرات المناهضة للعهدة الخامسة، جاء بعد يوم واحد من تنظيم العشرات من المحامين وقفة أمام إحدى محاكم العاصمة الجزائر، رفعوا خلالها شعارات رافضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
وتجمع العشرات من المحامين أمام مبنى محكمة “سيدي امحمد” بوسط العاصمة وسط طوق أمني من قوات الشرطة التي منعت تحول الوقفة إلى مسيرة، وردد المشاركون في الوقفة هتافات عدة مثل: “لا للعهدة الخامسة” و”الدفاع يريد احترام الدستور”، كما رفعوا لافتات كتبت عليها عبارات من قبيل “الدفاع مع المواطن” و”الدفاع يريد احترام الحريات”.
الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها مختلف مدن البلاد، أثبتت الصراع بين أقطاب السلطة في الجزائر
من المنتظر أن يتجمع غدًا الخميس صحافيون في ساحة الحرية بالعاصمة، فيما دعا مدونون إلى مسيرة مليونية يوم الجمعة المقبل، وكان صحفيون من الإذاعة الجزائرية، قد نددوا بعدم السماح لهم بتغطية التظاهرات وغياب الحياد في معالجة الأحداث السياسية والقيام، بما وصفوه، بتغطية مميزة لأنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
وأكد الصحافيون أنهم يرفضون المعالجة المميزة والاستثنائية التي يفرضها المسؤولون لصالح الرئيس والتحالف الرئاسي، وتقييد هذه المعالجة عندما يتعلق الأمر بالمعارضة، وتحدثوا عن توتر شديد في قاعات التحرير، داعين المدير العام للإذاعة الوطنية شعبان لوناكل للعمل معهم من أجل إعلام الجزائريين بكل موضوعية.
وكان مسؤولو الإذاعة قد قرروا توقيف البرنامج الأسبوعي “مسيرة التاريخ” الذي تقدمه مريم عبدو منذ سنوات، كما تم إعفاء صحفي من تقديم برنامج “معرض الصحافة” لأنه أشار إلى عنوان “الشعب يكسر حاجز الخوف” الصادر في صحيفة “ليبرتي” بالفرنسية يوم الأحد 24 من فبراير.
بالتزامن مع ذلك خرج بعض الصحفيين، في وقفة سلمية منددة بما وصفوه بالضغط الذي يمارس على أقلامهم، ورفع الصحفيون الذين وقفوا على بوابة المقر الرئيسي للتليفزيون الرسمي، شعارات “كسر القيود عن حرية التعبير، رافعين شعار “نحن نقدم خدمة عمومية وليست حكومية” .
يذكر أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجزائر المستقلة التي يشارك فيها صحفيو التليفزيون الرسمي والإذاعة الحكوميتين في احتجاج للمطالبة باستمرار موجة المطالب الشعبية المناهضة لترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة.
صراع بين ثلاثة أقطاب
الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها مختلف مدن البلاد، أثبتت الصراع بين أقطاب السلطة في الجزائر، في هذا الشأن يقول الإعلامي فيصل عثمان، “يتحدث الجميع عن النظام لكن لا أحد يستطيع إخبارك ما هو النظام وما أقطابه، ومن يعتقد أن النظام نواة صلبة واحدة فهو واهم”.
وأضاف الإعلامي الجزائري في تصريحه لنون بوست “نحن اليوم أمام صراع بين ثلاثة أقطاب كل واحد منها يحاول التعامل مع المسيرات حسبما يخدم مصالحه، والمؤكد أن الرئاسة هي الخاسر الأكبر في كل الأحوال باعتبارها مستهدفة”.
وتابع “المخابرات القديمة التي أسست في الماضي دولة موازية بقيادة الجنرال توفيق تستثمر في المظاهرات للعودة إلى واجهة التأثير عن طريق المرشح اللواء علي لغديري، وجماعة بوتفليقة وهم الطرف الثاني، تحاول الاستمرار بدعم من الطرف الثالث في المعادلة وهي قيادة أركان الجيش التي لم تبد موقفًا واضحًا إلى حد الآن وتستمر ضمنيًا في دعم الرئيس”.
تعيش الجزائر، منذ يوم الجمعة الماضي، حراكًا شعبيًا غير مسبوق، رفضًا لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة
من المنتظر، أن يودع الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري يوم 3 من مارس/آذار القادم، وفق ما أكّده رئيس مدير حملته عبد المالك سلال في لقائه بممثلين عن المجتمع المدني بالعاصمة، أمس الثلاثاء.
وقال سلال: “لا أحد بإمكانه إلغاء العمل بمضمون الدستور ومن حق المجاهد عبد العزيز بوتفليقة الترشح لاستحقاقات الـ18 من أبريل”، وأضاف “حق الترشح مكفول دستوريًا لكل مواطن جزائري وهو مكسب يجب المحافظة عليه واحترامه في إطار قوانين الجمهورية والعمل الديمقراطي”.
السيناريوهات المرتقبة
بناءً على ما تقدّم يقول فيصل عثمان إن الجزائر أمام ثلاثة سيناريوهات، يتمثل الأول في “تراجع عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح وتقديم بديل عنه وهذا محتمل وقد بدأ الحديث عن ترشيح سعيد بوحجة الرئيس السابق للبرلمان، وهذا ما أراه مخرجًا يجنب البلاد صدامًا كارثيًا”، وفق قوله.
أما السيناريو الثاني الذي تحدث عنه عثمان، فيتمثل في “إصرار قيادة أركان الجيش وقائدها قايد صالح على دعم العهدة الخامسة لبوتفليقة وبالتالي بقاء المظاهرات وهذا ما سيقودنا في نهاية المطاف إلى صدام دموي لا قدر الله”.
وثالث السيناريوهات التي يتوقعها الإعلامي الجزائري هو بقاء الوضع على حاله حتى الجمعة القادمة مع احتمال كبير لانزلاق الأمور يومها ومن ثم إعلان حالة الطوارئ وبداية حكم المجلس الأعلى للدولة أو أي خيار آخر نكون فيه في وضعية استثنائية.
ختم فيصل عثمان حديثه بالقول: “في كل الأحوال سيظل نشاط المخابرات القديمة مستمرًا واحتمال توتر الأوضاع أمنيًا كبير جدًا، لذا فإن المخرج الوحيد الآن هو التراجع عن ترشيح بوتفليقة وتقديم شخصية تحظى بشيء من القبول الشعبي وتنظيم الانتخابات في وقتها ثم تحقيق انفتاح سياسي، غير ذلك فكل السيناريوهات سوداء”.
وتعيش الجزائر، منذ يوم الجمعة الماضي، حراكًا شعبيًا غير مسبوق، رفضًا لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، كانت أبرزها بالعاصمة، حيث كسر المتظاهرون قانونًا لحظر التظاهر هناك، تم وضعه سنة 2001، وتفادت قوات الأمن المواجهة مع المحتجين بشكل جعل هذه المسيرات غير مسبوقة من حيث حجمها وطابعها السلمي، وسط دعوات جديدة للتظاهر خلال الأيام القادمة.
ويوجد بوتفليقة، الذي سيكمل عامه الـ82 السبت المقبل، منذ مساء الأحد، بالعاصمة السويسرية جنيف لإجراء فحوصات طبية دورية، ويتوقع أن تستغرق إقامته في سويسرا فترة قصيرة بحسب بيان رئاسة الجمهورية، وفي 10 من فبراير/شباط الحاليّ، أعلن بوتفليقة ترشحه للانتخابات المقبلة تلبية لمناشدات أنصاره، متعهدًا في رسالة للجزائريين بعقد مؤتمر للتوافق على إصلاحات عميقة حال فوزه.