لا تزال الأوساط السياسية التركية تعيش حالة من الجدل والردود، إثر اقتراح تقدم به زعيم القوميين دولت بهتشلي، بشأن إجراء تعديل دستوري يمكّن الرئيس رجب طيب أردوغان من الترشح لولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة.
وفي اجتماع برلماني أجري في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، قال بهتشلي: “إذا تلقى وحش التضخم ضربة قوية، ووصلت تركيا إلى ذروة الاستقرار السياسي والاقتصادي، ألن يكون ذلك خيارًا طبيعيًا وصحيحًا لرئيسنا السيد رجب طيب أردوغان، ليتم انتخابه مرة أخرى؟ ماذا سنفعل؟ هل سنبحث عن مرشح داخل حزب الشعب الجمهوري قبل 4 سنوات من بقائه؟”.
وربط الحليف الأكبر للحزب الحاكم بين استقرار البلاد وبقاء أردوغان في السلطة، واصفًا إياه بأنه “ضمان استمرارية الدولة واستقرار السياسة وبناء القرن التركي، وهو محب للأمة، وبخبرته ومعرفته فهو الخيار الوحيد بالنسبة لنا”، موضحًا أن حزبه مستعد لدعم التحركات الرامية إلى “إجراء التعديلات الدستورية اللازمة”.
وبحسب الدستور التركي، فإن أردوغان استنفد فرصه بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، بعد مشاركته مرتين بالانتخابات الرئاسية (2018-2023) عقب التعديل الدستوري الذي أُجري في العام 2017، والذي تحولت البلاد بموجبه من النظام البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي.
ورغم ذلك، تفاعل الرئيس التركي بشكل إيجابي مع تصريحات حليفه، وقال في كلمته بعد اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في قصر تشانكايا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي: “ما دام الله يمنحنا الحياة وتوافق أمتنا، سنستمر في خدمة تركيا والأمة التركية”، ولم يذكر أي تفاصيل عن طبيعة “التوافق” الذي يمكن عن طريقه تطبيق سيناريو البقاء في السلطة بعد العام 2028، كما لم يقدم تفاصيل إضافية بشأن الاقتراح.
ولا تُعد دعوة بهتشلي لأردوغان للترشح لولاية رئاسية ثالثة، تصريحًا جديدًا، ففي 17 مارس/آذار الماضي، صرح الرئيس التركي بأن انتخابات البلدية التي أجريت في نهاية الشهر نفسه هي انتخاباته الأخيرة، وأضاف في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية: “بفضل السلطة التي يمنحها القانون، فإن هذه الانتخابات هي آخر انتخابات لي”، وحينها رد عليه بهتشلي: “لا يمكنك المغادرة، لا يمكنك ترك الأمة التركية وحدها. تحالف الجمهور معك”.
وتأتي دعوة بهتشلي في ظل استقطاب بالأوساط السياسية التركية، أعقب عمليات إقالة وأحكام قضائية ضد 4 رؤساء بلديات منتخبين، ينتمي أحدهم (رئيس بلدية إسنيورت السابق) لحزب الشعب الجمهوري، فيما ينتمي الباقون لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، الممثل للأكراد في البرلمان، وهو ما أثار الغضب في أوساط المعارضة التي وصفت ذلك بالإجراء القمعي.
كيف يمكن لأردوغان ترشيح نفسه لولاية ثالثة؟
تنص المادة 101 من الدستور التركي الحالي، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2018، على أنه يجوز انتخاب الشخص رئيسًا مرتين كحدٍ أقصى، ولا يمكن قبول ترشيح أردوغان لفترة رئاسية ثالثة، إلا عبر طريقتين:
الطريقة الأولى: هي إجراء تعديل دستوري لمادة “الفترتين”، وهي الطريقة التي نادى بها بهتشلي، ويحتاج الأمر لتصويت في البرلمان قبل إجراء تصويت شعبي. فيما يصطدم هذا الخيار بعدم امتلاك الائتلاف الحاكم غالبية “الثلاثة أخماس” لتمرير التعديل في البرلمان، إذ يحب أن يصوت لصالحه 360 عضوًا، ولقبوله بشكل مباشر (دون استفتاء)، يجب أن يصوت لصالحه ما لا يقل عن 400 عضو في البرلمان، بينما لا يزال عدد نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب المجتمع الديمقراطي وحزب هدى بار في تحالف الجمهور، 321 نائبًا، من أصل 600 نائب بالبرلمان.
ومن المُستبعد تمامًا أن تدعم أحزاب المعارضة تعديلًا من شأنه أن يمهد الطريق أمام أردوغان للترشح لإعادة انتخابه.
أما الطريقة الثانية، فهي خيار الانتخابات المبكرة، والتي يُنظر إليها على أنها أسهل وأكثر إمكانية من خيار التعديل الدستوري. وتقول المادة 116 من الدستور التركي، إن الرئيس يمكن أن يصبح مرشحًا للمرة الثالثة في حال قرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة في الولاية الثانية للرئيس.
واستبعد رئيس البرلمان نعمان كورتولموش، التابع لحزب العدالة والتنمية، إجراء انتخابات مبكرة، مؤكدًا أن الرئيس أردوغان سيتولى منصبه حتى عام 2028.
وخلال تصريحات للصحفيين على متن الطائرة بعد عودته من قمة رؤساء برلمانات مجموعة العشرين في البرازيل، فضل كورتولموش الحديث عن تعديل دستوري، رغم إقراره بأن ذلك “عملية صعبة للغاية”، غير أنه استأنف بالقول: “لكن ذلك ليس مستحيلًا”.
وذكرت صحيفة “تركيا” المقربة من حزب العدالة والتنمية، أن اقتراح بهتشلي أصبح على جدول أعمال حزب العدالة والتنمية. وبحسب معلومات قالت الصحيفة إنها حصلت عليها، فقد بدأ النقاش داخل أروقة الحزب الحاكم بشأن إمكانية إعادة ترشيح أردوغان لفترة رئاسية ثالثة، مع الإقرار بأن خطوة تعديل الدستور تبدو غير واردة، وأن الخطوة الأسهل هي الدخول في انتخابات رئاسية مبكرة، غير أن ذلك لا يمكن مناقشته أو القبول به قبل العام 2027، وفق ما أوردت الصحيفة.
ما موقف المعارضة؟
بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، الذي يُعد أكبر وأهم أحزاب المعارضة، فإنه ينظر لنفسه بأنه حقق “انتصارًا تاريخيًا” بعد نتائج انتخابات البلدية الأخيرة في مارس/آذار الماضي، وصرح رئيسه أوزغور أوزيل في أكثر من مناسبة، بأنهم لم يعودوا “الحزب الثاني”، في إشارة إلى فقدان الحزب الحاكم غالبية البلديات الكبرى التي كانت في حوزته، كما أبدى أوزيل تفاؤلًا كبيرًا بأن مرشح المعارضة سيكون الرئيس القادم للبلاد في الانتخابات القادمة.
ووفقًا لذلك، فإن المعارضة تستبعد أي تعديل للدستور الحالي، لأنها تدرك أن هذا التعديل سيتيح لأردوغان الترشح في 2028، وتدرك أيضًا أن شخصية أردوغان كرئيس، لا تزال تحظى بقبول جماهيري واسع، ولهذا فقد طرح أوزيل خيار الانتخابات المبكرة مدفوعًا بنشوة النصر بانتخابات البلديات، وسعيًا منه لاستغلال الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، والذي قد يُضعف فرص التصويت لأردوغان.
وحدد أوزيل موعد إجراء الانتخابات المبكرة بحد أقصى نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في محاولة منه لقطع الطريق أمام الحزب الحاكم لإجراء الانتخابات المبكرة قبل مدة قليلة من تاريخها الأساسي بالعام 2028، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس التركي بشكل قاطع، إذ صرح في سبتمبر/أيلول الماضي: “هذه المطالبات (لانتخابات مبكرة) لا تعنينا، فهي مجرد صراع داخلي بين أطراف المعارضة، ولا شأن لنا بها”، وأضاف: “أمامنا 4 سنوات دون انتخابات، ولن نسمح بإدخال البلاد في أجواء انتخابية، في ظل الأزمات التي نواجهها حاليًا”.
ولا يبدو أن هناك إجماعًا لدى المعارضة التركية، وفي أوساط حزب الشعب الجمهوري نفسه، بشأن ملف الانتخابات المبكرة، إذ أكد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أن ملف الانتخابات المبكرة أمر يحدده الشعب التركي فقط، في إشارة إلى ضرورة إجراء استفتاء شعبي لسلوك هذا السيناريو.
بينما حذر رئيس حزب الجيد، مساوات درويش أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزيل، من الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة، وقال: “الحزب الحاكم قد يلجأ إلى مناورات سياسية أخرى للحصول على الأغلبية في البرلمان”.
وأوضح “درويش أوغلو”، الذي شكل حزبه في انتخابات الرئاسة الأخيرة واحدًا من أهم أركان “الطاولة السداسية” للمعارضة التركية، خلال مقابلة تلفزيونية، أن اقتراح إجراء انتخابات رئاسية أو تعديل الدستور، يعني “إبقاء السيد الرئيس في منصبه الرئاسي لبقية حياته”، كما طالب رئيس حزب الجيد، حزب الشعب الجمهوري بشرط رئيسي للقبول بانتخابات مبكرة وهو ألا يكون أردوغان مرشحًا عن الائتلاف الحاكم.
وفي ظل عدم وجود إجراءات فعلية في الوقت الحالي، تبقى دعوة بهتشلي، وتصريحات المعارضة في الرد عليها أو رسم مسارات معينة لمنع مشاركة الرئيس التركي في أي انتخابات مقبلة، في إطار اختبارات مبكرة لكل طرف، واستجلاء رأي الطرف الآخر من جهة، وجس نبض الشارع التركي من جهة ثانية، إذ مر على انتخابات الرئاسة الأخيرة نحو عام ونصف فقط، ومن جهة ثانية فإن الائتلاف الحاكم أكد مرارًا رفضه الشديد إجراء انتخابات مبكرة، في العامين 2025 أو 2026 على الأقل، بينما تتمسك المعارضة بالوقوف في وجه تعديلات دستورية تخص الانتخابات، وتلح على أن سيناريو الانتخابات المبكرة يمكن تطبيقه بشروطها، لا بشروط تحالف الجمهور.