بدأ وزير الدفاع الموريتاني والمرشح المحتمل لرئاسة البلاد الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، تحضيراته للإعلان الرسمي عن ترشحه، وما يشد الانتباه في بطاقة الدعوة التي وجهها الغزواني للصحفيين والشخصيات الوطنية لحضور ندوته الصحفية المرتقبة، عدم وجود أي إشارة للحزب الحاكم، ما اعتبره البعض ترشحًا بصفة مستقلة.
ترشح ولد الغزواني بصفة مستقلة، اعتبره العديد من الموريتانيين بادرة خير وإشارة إيجابية لقادم أفضل يتسم بالانفتاح على كامل أطياف الشعب بما فيهم المعارضة، فيما اعتبره آخرون، مجرد مسرحية من أحد أعمدة النظام فما هو إلا استمرار لنظام ولد عبد العزيز.
إشارات إيجابية
يقول الناشط السياسي الموريتاني محمد الأمين الفاضل إن بطاقة الدعوة التي تقدم بها المرشح الغزواني لإعلان ترشحه تعطي إشارة إيجابية، “فمن حيث الشكل فإن البطاقة كانت بلون علم الاستقلال ولذلك دلالته، ومن حيث المضمون فقد غاب أي ذكر للحزب الحاكم وللنظام في نص الإعلان”.
وأضاف الفاضل في تصريح لنون بوست “هناك إشارة أخرى إيجابية وهي الدعوة التي وجهها وزير الداخلية لقادة المعارضة من أجل التشاور بشأن التهيئة للانتخابات، وإن كان للمرشح الغزواني أي دور في ذلك اللقاء فإن ذلك يعني أنه لا يريد أن يصل إلى الرئاسة وهو يحمل معه تركة أزمة سياسية امتدت لعقد من الزمن، ولا يريد أن ينصب رئيسًا من خلال انتخابات عديمة المصداقية، بل إنه يريد – إن كتب له الفوز – أن يكون رئيسًا يعترف الجميع بشرعيته”.
وأوضح الناشط السياسي الموريتاني أن طبيعة الغزواني وغموضه تجعل من الصعب التكهن بمواقفه في الأيام القادمة، ومع ذلك فإن هناك من المعارضين من أصبح يتوقع أن يتقدم الغزواني كمرشح مستقل، ويكتفي للتعريف بنفسه بذكر إنجازاته على مستوى المؤسسة العسكرية، وهناك ما يمكن ذكره، وأن يبتعد عن الحديث عن القطاعات الأخرى التي لم يكن يتحمل مسؤوليتها بشكل مباشر”.
عاصر ولد الغزواني سلسلة من الانقلابات، أطاح أولها بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع، عام 2005
هذا الخطاب الذي من الممكن أن يعتمده الغزواني في قادم الأيام، وخاصة خلال ندوته الصحفية المقبلة، من شأنه، حسب محمد الأمين الفاضل، أن يستقطب جماهير واسعة من خارج النظام، بل إنه قد يستقطب معارضين كثر بما في ذلك أحزاب معارضة أصبح من بينها من يطرح خيار دعم الغزواني كخيار من بين الخيارات الأخرى المطروحة.
ويرى الأمين الفاضل، أن الرئيس ولد عبد العزيز أُجبر على ترشيح ولد الغزواني، فولد عبد العزيز لو أنه وجد شخصية في نظامه يسهل تسويقها وقادرة على حسم المعركة الانتخابية بشكل مضمون لما رشح الغزواني.
ولد وزير الدفاع الموريتاني الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد، الملقب بالغزواني، عام 1956، ببلدة بومديد، شرقي موريتانيا، قبل أن يتدرج في التحصيل العلمي ما بين الدراسات القانونية والعلوم الإدارية والعسكرية، وانضم إلى القوات الموريتانية كمتطوع، في سن الثانية والعشرين، قبل أن يعين عام 1981 قائدًا للمنطقة العسكرية الثالثة.
بطافة الدعوة للندوة الصحفية
وعاصر ولد الغزواني سلسلة من الانقلابات، أطاح أولها بالرئيس السابق، معاوية ولد الطايع، عام 2005، وكان الاثنان على صلة منذ عام 1987، وأطاح ولد الغزواني إلى جانب الرئيس الحاليّ محمد ولد عبد العزيز، بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في الـ6 من أغسطس/آب 2008، الذي كان أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.
صورة للنظام الحاليّ
لم يتوقف محمد الأمين الفاضل، عند هذا الرأي فقط، فقد حملت قراءته للأحداث، جانب آخر، فبالتوازي مع الإشارات الإيجابية التي قدمها ولد الغزواني إلى الآن، توجد أيضًا إشارات سلبية تؤكد عدم خروج هذا المرشح عن جلباب النظام.
يقول الأمين الفاضل: “الأسماء التي تحدثت بعض المصادر الإعلامية على أنها ستتولى الإشراف على تنظيم الحفل هي نفسها الأسماء التي ظلت خلال السنوات الأخيرة، تتولى الإشراف على الأنشطة السياسية للنظام من الانتخابات والاستفتاء وإصلاح الحزب”.
ويؤكد هذا التمشي وفق الناشط السياسي الموريتاني، أن الإشارات الإيجابية التي تبعثها البطاقة، وباقي الأنشطة، ستضيعها تشكيلة لجنة الإشراف على الحفل، فهذه اللجنة عبارة عن لجنة النظام الحاكم الذي يتزعمه محمد ولد عبد العزيز.
وُصف ولد الغزواني خلال السنوات الأخيرة بأنه مرشح السلطة الأوفر حظًا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية
يختم محمد الأمين الفاضل حديثه لنون بوست بالقول: “إلى الآن تبقى الاحتمالات مفتوحة في الاتجاهين، وربما يساعد خطاب إعلان الترشح في توضيح الأمور أكثر، وبالتالي في معرفة ما إن كان المرشح غزواني سيقدم نفسه على أنه مرشح مستقل من خارج عباءة النظام أو أنه مرشح النظام واستمرار للنهج وسيحمل بالتالي تركة النظام بما فيها من إخفاقات كبيرة وبما فيها من إنجازات يرى معارضو النظام أنها كانت هزيلة بل وهزيلة جدًا”.
وأعلن وزير الثقافة المتحدث باسم الحكومة الموريتانية سيدي محمد ولد محم، نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، اختيار ولد الغزواني مرشحًا للسلطة، ووصف ولد محمد الذي يرأس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، القرار بأنه “أفضل خيار لاستمرارية هذا المشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية الذي أسسه وقاده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز”.
تواصل لسياسة النظام
من جهته، يرى الصحفي الموريتاني أقريني أمينوه أن ولد الغزواني وولد عبد العزيز صديقان ورفيقا سلاح، حيث عاشا معًا في غرفة واحدة، وذهبا إلى مكناس بالمغرب، وقادا معًا الانقلاب، ولا يثق أحدهما في غير الآخر”.
ويضيف أمينوه “عزيز عسكري السلوك، والغزواني هادئ ويميل إلى التعامل بالطريقة المدنية، سيختلف الأخير عن الأول في التعاطي مع زعماء القبائل ودول الجوار لكن سياستهما للبلد وللحرب على الإرهاب لن تختلف”.
وتابع “الغزواني كان يد عزيز التي مدت للغرب والخليج وبالتالي سيواصل ذلك المسعى، وهو ما يعني أن المرشح المحتمل لرئاسة البلاد محمد أحمد ولد الغزواني، سيكون امتدادًا للرئيس الحاليّ”.
يعتبر ولد الغزواني الصديق المقرب لولد عبد العزيز
في خصوص إمكانية انفتاح ولد الغزواني على المعارضة، قال الصحفي الموريتاني: “سينفتح الغزواني على المعارضة انفتاحًا لن يقدم ولن يؤخر لأنه شكلي والسبب فيه يتعلق بسلوك شخصي لدى الرجل وليس نتيجة إرادة للتغيير أو التفاهم”، ولا يرى أقريني أمينوه أي بوادر لانفتاح ولد الغزواني، ذلك أن المنظومة الحاكمة لا ترى أن المعارضة شريك فعال في العملية السياسية في بلاد شنقيط.
ووُصف ولد الغزواني خلال السنوات الأخيرة بأنه مرشح السلطة الأوفر حظًا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية به، وفي حال فوزه بالرئاسة منتصف السنة الحاليّة، سيكون أول قائد أركان للجيوش الموريتانية يصل إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الدبابات في انقلاب عسكري.
ومنذ توليه منصب وزير الدفاع، أصبح ولد الغزواني أكثر تحررًا ليمارس السياسة، وهو ما مكنه من بدء عمليات التحضير لحملته الانتخابية المرتقبة، ودخلت الساحة السياسية في موريتانيا في حملة مبكرة للرئاسيات المنتظرة، حيث ستعرف البلاد أول انتخابات رئاسية يشرف عليها رئيس ممنوع من الترشح بنص الدستور بعد إكماله لعهدته الثانية الأخيرة دستوريًا.