دعت حركة حماس لحملة تضمنت مسيرات في غزة تحت عنوان “ارحل يا عباس”، وشارك فيها عديد من الشباب، في المقابل دعت حركة فتح في الضفة الغربية لمسيرات تحت عنوان “فوضناك يا عباس”، وبين الحملتين يظهر حجم المأزق الفلسطيني ككل.
زاوية المعالجة لهذه المادة المتعلقة بالأزمة في المشهد الفلسطيني ككل هي من خلال الشباب، وسؤال المادة كيف استطاع كلا الفصيلين الكبيرين (حماس وفتح) جرّ الشباب لمعاركهم الوهمية هذه؟ وأين المآلات؟
عادت الفصائل من اجتماع موسكو دون الاتفاق حتى على بيان ختامي يرضي الشباب الفلسطيني والمجتمع بكل أطيافه، ثم قبله حصلت انتخابات المجلس الوطني ومنظمة التحرير دون حضور لأي تكتل شبابي فيها ودون مشاركة عديد من فصائل العمل الوطني.
الشباب حطب ووقود لخلافات الفصائل
تزج الفصائل الفلسطينية الشباب الفلسطيني في معارك وهمية تتطلب حضورهم ضد صراع على شرعيات منتهية، فكما المدة القانونية للرئيس الفلسطيني محمود عباس منتهية كذلك المدة القانونية للمجلس التشريعي منتهية، وكلا الطرفين يحاول تجيير القانون لصالحه، ومن أجل مشاريع وقودها الشباب، حيث تستخدم الفصائل ومؤسسات السلطة الشباب الفلسطيني حطبًا لتجاذباتها السياسية دون أي مشاركة سياسية حقيقية للشباب، فلم تتجاوز نسبة المشاركة 2.5% في السابق، ولكن الدعوات ما زالت تتكرر للعودة إلى الانتخابات كمسار لإنهاء الانقسام ومشاركة الشباب.
من استجاب للحملتين المتناقضتين تجاه الرئيس محمود عباس هم الشباب، لكن آخر نداء شبابي لإنهاء الانقسام كان عام 2012 وتم اتهام هذا الحراك مباشرة من حماس في غزة ومن فتح في الضفة أنه مسير، حتى تبعه حراك واحد نظمه اليسار في الضفة عام 2018 وأيضًا اتهم بأنه مؤامرة خارجية ضد مؤسسة الرئاسة، لكن الحقيقة أنه لا وجود للشباب الفلسطيني في العملية السياسية رغم أنهم الفاعل الأساسي لكل الفصائل والمؤسسات الفلسطينية.
حركة حماس التي تستعين بالشباب اليافعين في مسيرات العودة، وحركة فتح التي تحتاجهم في كل انطلاقة لها أو حراك ضد الجدار، والجهاد التي تركن إليهم في صفوفها المقاتلة، كلهم فشلوا في إحضار الشباب للساحة السياسية، حتى ضمن انتخاباتهم الداخلية، فكل المسيطرين من كبار السن أو القدماء، رغم تغير الزمان والمكان وساحات القتال الجديدة، وهذا التحكم يعني أن الكنز الإستراتيجي للقضية الفلسطينية (الشباب) في معزل تام عن أي قرار سياسي، لكن في حضور تام في أي عراك سياسي، فيم يراقب القادة (قادة الفصائل) هذا العراك كمن يراقب مباراة بين فريقين.
كان الحضور الأكبر لكبار السن في كل الفواعل السياسية الفلسطينية، أو أولئك الذين يملكون عمرًا تنظيميًا طويلاً، حتى ولو انعدمت المؤهلات، هذا الأمر أعدم حضور الشباب بشكل أساسي
لم تفرز الساحة الفلسطينية منذ نشأة السلطة 1993 أي قيادي أو فصيل قادر أن يأخذ العوام من الشباب لساحات جديدة للعمل، ولم تشهد الساحة الفلسطينية الديمقراطية أي مشاركة لقوائم شبابية، بل جميع الفاعلين أخذوهم لمسارات العامة والصراعات اليومية أو مسار المقاومة والقتال كمفعول بهم، دون مسؤولية اجتماعية أو أخلاقية وطنية، الحديث هنا حاد جدًا، فعدم الثقة من صانع القرار في الشباب هو تمامًا كما في الحالة المعاكسة المتمثلة بعدم ثقة الشباب بصانع القرار.
بين العواجيز والإرث التنظيمي يضيع الشباب
كان الحضور الأكبر لكبار السن في كل الفواعل السياسية الفلسطينية أو أولئك الذين يملكون عمرًا تنظيميًا طويلاً، حتى ولو انعدمت المؤهلات، هذا الأمر أعدم حضور الشباب بشكل أساسي، ثم في الخطاب الرسمي لكل الفصائل والتنظيمات الحديث من جانبين إما أزمات متتالية ودائمة، أو حديث عن أمل أقرب للوهم في ظل المؤشرات الحاليّة من اقتصاد فلسطيني مدمر وهجرة قسرية شبابية وإحباط منقطع النظير سببه أن الشباب الكنز الإستراتيجي لأي عملية تغيير قد سُجن في خطط الفصائل التنفيذية، وصدق الشاعر الكبير محمود درويش حين قال: “نفعل ما يفعل السجناء، وما يفعل العاطلون عن العمل، نربي الأمل”.
يجب أن يدرك صانع القرار أن ساحة التواصل الاجتماعي الفلسطيني أصبحت مثقلة ومليئة بالسخرية والسخط وتغرد من نفسها إلى نفسها
قبل حملتي “ارحل وفوضناك” أطلقت حماس مسابقة لأفضل ناشط فلسطيني عبر السوشيال ميديا يدافع عن آراء الحركة ومعتقداتها، وأعلنت للشباب باعتبارهم غالبية الناشطين أن الجائزة مبلغ 5 آلاف دولار، لكن المنظمين تجاهلوا أن الشباب الفلسطيني والناشطين خصوصًا أصبحوا يغردون في سياق “القبائل الرقمية”، وحاجة حماس للاكتناز الرقمي لمواقفها لا يعني سعة الانتشار، فهي دائرة مغلقة أدخلت فيها حماس وفتح والفصائل كافة الشباب رغمًا عنه، فأصحبت قنوات التواصل الاجتماعي إما تعبر عن حالة السخط أو عن الاقتتال الداخلي والتناظر السلبي لدعم موقف على حساب موقف.
يجب أن يدرك صانع القرار أن ساحة التواصل الاجتماعي الفلسطيني أصبحت مثقلة ومليئة بالسخرية والسخط وتغرد من نفسها إلى نفسها، ولا يسمع أحد ما يدور فيها من العالم الخارجي، تمامًا مثل القبيلة الرقمية، باختصار لأنه لا أحد يريد أن يستمع إلى ارحل أو فوضناك، بل كل الفاعلين يريدون مشاركة حقيقية لهم، ولن تقود هذه الحملات وغيرها الشباب الفلسطيني – مسلوب الحرية بالقوة في غزة والضفة – إلا لمزيد من الضياع، ويتمثل الحل بكل بساطة بمشاركتهم في صناعة القرار للتخلص من إرث الخلاف الثقيل لصناع القرار السياسي بعيدًا عن الضحكات الوهمية بعد كل لقاء للمصالحة يفشل.