لماذا تخاطر أمريكا وتدفع أبناءها وآلياتها العسكرية إلى البلدان العربية؟ هل العولمة أداة للهيمنة والسيطرة على البلدان العربية؟ هل أصبح وجود النفط في البلدان العربية نقمة؟
إن غياب إرادة عربية إستراتيجية مقاومة والتسليم بالأمر الواقع جعل الإمكانات تذهب في غير وجهتها الصحيحة، وارتفاع الاستهلاك والإنفاق العسكري للدول العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث أشارت الدراسات أن أكثر من 650 مليار دولار تم إنفاقها لشراء الأسلحة، لذلك فإن نعمة النفط ونعمة قوة السلاح تحولت إلى نقمة! وبما أن الدراسات تشير إلى أن أمريكا سوف تستورد الطاقة 100% في حدود 2020، وهي تستهلك حاليًّا في حدود 26 مليون برميل يوميًا، تستورد منه 15 مليون برميل من دول الخليج وحدها، أما أوروبا فسيصل استهلاكها إلى نحو 70% سنة 2020، هذا من دون الصين واليابان وآسيا، وهو تحدٍ خطير للبلدان المتقدمة يدعوها للتفكير الجدي في طاقات بديلة تلبي احتياجاتها لأن مواردها نحو الزوال.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد قائم على المصلحة سواء كانت مصالح فردية أم إقليمية أم عالمية، قومية أم مذهبية، حتى إن التنمية المستدامة التي شعارها “مستقبلنا المشترك” ما هي إلا لتحقيق مصالح البلدان القوية على حساب البلدان الضعيفة، ولو عدنا إلى التاريخ الاقتصادي، نجد أن الاقتصاديين التقليديين كان شعارهم الحرية التجارية (آدم سميث ورفاقه)، وكان هدفهم الظاهري يحمل مصطلح تعظيم الناتج، في حين النوايا الداخلية كانت أن بلدهم إنجلترا في مرحلة التحول الصناعي، ولا بد من البحث عن الأسواق الخارجية لتصريف منتجاتهم.
العالم العربي يتصف بدول ذات المنتج الواحد، ونظرًا إلى أهميته القصوى في تحريك عجلة الاقتصاد العالمي خاصة الصناعي، بدأ التخطيط للهيمنة عليه عن طريق العراق سنة 1920، بعد مؤتمر سان ديمو
أما أصحاب القومية الاقتصادية الذين كانوا يحملون شعار الحماية التجارية (فريد ريك ورفاقه)، كانوا يرون أن قانون سميث يضر ببلدهم، وسيؤدي إلى تعطيل المنظومة الصناعية في بلادهم، فلا بد من إصدار قانون الحماية التجارية، وهذا يدل على أن الكل يبحث عن مصلحته!
العالم العربي يتصف بدول ذات المنتج الواحد، ونظرًا إلى أهميته القصوى في تحريك عجلة الاقتصاد العالمي خاصة الصناعي، بدأ التخطيط للهيمنة عليه عن طريق العراق سنة 1920، بعد مؤتمر سان ديمو، والسيطرة على منابع النفط في السعودية بواسطة شركة أرامكو سنة 1943، إذ خلال 60 سنة شهدت المنطقة ثمانية حروب، استنزفت طاقتها المالية والبشرية، حتى إن الإحصاءات تشير إلى أن 100 ألف عالم عربي مهاجر في الخارج، وتأكد ذلك عندما قالت أمريكا قالت إن النفط في بلاد العرب خطأ جيولوجي ولا بد من إعادته لنا، وعندما يكون العراق في أيدينا، نحصل على الجائزة الكبرى.
على الرغم من أن أهم مورد مالي يمثل مشكلة تواجه الأمة العربية، وإرادة النظام الدولي جعلت من هذا المورد ممولاً أساسيًا لاقتصاد الحرب، فإن آخر فصل على الساحتين الفلسطينية والعراقية، استبعد الفاعل الأهم في تطوير التنمية وإحداث طفرة حضارية، كما استبعد تحقيق الهدف المنشود “بترول العرب للعرب”، حتى الإحصاءات تشير إلى أن 4000 مليار دولار إيرادات العالم العربي خلال 25 سنة، ماذا فعلنا بها نحن العرب؟ لقد همش العقل العربي في ساحة الإبداع والابتكار، وأُجبر على الهجرة تارة والنفي تارة أخرى، وها هو اليوم يغتال ويصادر لأنه إرهابي، ينتج الإرهاب!
إن التكتلات التي تشكلت وفق إستراتيجية السوق المركزة والمعتمدة من المجموعة الثلاثية، من خلال اتفاقية التبادل الحر تؤكد أن إستراتيجية السوق المركزة تعد من بين الإستراتيجيات الأكثر استعمالاً
إن المستقبل العربي تم رسمه من خلال ربط سعر الطاقة بالسوق الدولية، وتحكم الكبار فيه من جهة، ومن جهة أخرى تصرف المنتجات بعملة الدولار الذي يفقد في حدود 15% من قيمته، مما يدل على أن اقتصادات البلدان العربية عرضة للاهتزازات عنيفة، بمجرد هبوط أسعار المحروقات في السوق الدولية، إذ تشير دراسة أن العرب يبيعون النفط بسعر بخس، حيث يذهب 70% من سعره الحقيقي إلى الضرائب، و30% تتوزع على النقل وباقي التكاليف، وما نأخذه منه فعليًا لا يتجاوز 10%.
المشهد الحقيقي أن سلعتنا الإستراتيجية وموقعها من التجارة الدولية، لا يمكن مقارنته بتطور أسعار السلع والخدمات المستوردة، لذلك فإن الجهود المبذولة من طرف الدول المنتجة وتحديد سعر عادل دون الإضرار بالاقتصاد العالمي، من الصعب إن لم أقل من المستحيل تحقيقه، لأن المشكلة الأساسية والمحورية المتعلقة بهذه المادة، تتمثل في تسعيرها وليس استخراجها أو تسويقها أو وجودها من عدم وجودها في السوق.
إن التكتلات التي تشكلت وفق إستراتيجية السوق المركزة والمعتمدة من المجموعة الثلاثية (أمريكا الشمالية وآسيا المتقدمة وأوروبا الغربية)، من خلال اتفاقية التبادل الحر تؤكد أن إستراتيجية السوق المركزة تعد من بين الإستراتيجيات الأكثر استعمالاً، وهي إستراتيجيات تقوم على القوة، حيث إن الاتفاقيات بين البلدان المتطورة والمختلفة هي أقرب للتهميش، ونقص الحماية للبلدان العربية في ظل الانفتاح الاقتصادي والتنافس على وضع أكبر قدر من التنازل في تشريعات من البلدان العربية دون قيود تراعي خصوصيتها، سوف يزيد من التبعية، وفقدان أسس السيادة واحدة بعد الأخرى، فأوروبا تمثل وحدها ثقلاً يصل إلى 40% من الصادرات العالمية.
آثار الهيمنة الاقتصادية والاستبداد السياسي برفقة العولمة والمصالح الدولية أصبحت واضحة على اقتصادات البلدان العربية
البلدان العربية بعد أن جعلت ذات المنتج المصدر الواحد، لم تسلم من هيمنة الاستثمار الأجنبي الذي يعد من أهم العوامل المساعدة لها، لأن هدفه اقتناص فرص الربح التي تخلقها هذه التجارة، والاستثمارات الأجنبية شأنها شأن القروض الخارجية، تذهب إلى الدول التي نجحت في رفع معدل النمو الاقتصادي أكثر مما تذهب إلى الدول التي تحتاج لرفع هذا المعدل، وحسب تجارب الكثير من البلدان لم يترك الاستثمار الأجنبي وراءه ما يدعوه، رفع القدرة التكنولوجية للدول المضيفة، بالمقابل على مستوى التشريعات الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر يكون هناك الكثير من التنازلات لصالح الشركات المتعددة الجنسية.
بالإضافة إلى قدرتهم على التلاعب في تقدير الأرباح والخسائر وحساب قيمة الواردات والإيرادات بصورة غير حقيقية، وهذا في الحقيقة ليس في صالح هذه الدولة العربية، لأن هذا السلوك يحد من سيادتها ويجعل اقتصاداتها عرضة للاهتزاز والتصدع، وبهذا فإنها لا تساهم في تعزيز إيرادات الدولة، لكونها تستخدم رأسمال كثيف، ولا تضيف إلا القليل في حجم العمالة، بل أكثر من ذلك قد تؤدي إلى زيادة البطالة نتيجة لإغلاق أو تخفيض الإنتاج للمشاريع المحلية المنافسة لها، وزيادة الفساد في الأمور السياسية والاجتماعية، فهي تعمل على توجيه الحياة السياسية عن طريق الضغوط والرشاوى لتحقيق مآربها، وتفسد الحياة الاجتماعية بما تفرزه من ازدواجية في توزيع الدخل وتكريس ثقافة الاستهلاك على حساب الإنتاج.
اليوم آثار الهيمنة الاقتصادية والاستبداد السياسي برفقة العولمة والمصالح الدولية أصبحت واضحة على اقتصادات البلدان العربية، حيث جعلت حجم التحديات الحاليّة والقادمة كبيرة وخطيرة بالتزامن مع غياب الإمكانات والخطط الإستراتيجية على المستوى السياسي والاقتصادي لنواجه به هذا الخطر! إذا بقينا على ما نحن عليه!