نشرت وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أمس الأربعاء، خبرًا يفيد بقرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عدم تمديد اتفاقية الملح مع شركة “كوتوسال” الفرنسية، قرار لم تكن المرة الأولى الذي يسمعه التونسيون، فمنذ سنوات يُسمع أن الاتفاقية لن تمدد، وفي كل مرة يخرج طرف وينسب القرار إليه، لأهميته لدى التونسيين، فهو يتنزل في إطار التصدي للفساد في قطاع الثروات الباطنية، فما الذي يسعى إليه الشاهد من خلال هذا القرار الذي وصفه مقربون منه بـ”التاريخي”؟
عدم تمديد اتفاقية الملح
استغل رئيس الحكومة، رغبة التونسيين، في سماع خبر يسعدهم في هذه الأيام، فأعلن قراره عدم تمديد اتفاقية الملح مع الشركة العامة للملاحات “كوتوسال” التي تأسست بمقتضى اتفاقية صادرة بـ”أمر علي” (صادرة عن الباي) في 3 من أكتوبر 1949، بغرض استخراج الملح البحري من الأراضي الدولية في الجنوب التونسي لمدة 50 سنة، (ينتهي العقد سنة 1989)، إلا أنه تم مواصلة العمل بالاتفاقية رغم عدم قانونيتها.
ويعلم يوسف الشاهد والمحيطون به وهم كُثر، يقينًا، أن قرار عدم التمديد اتخذه مجلس نواب الشعب ممثلاً في لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية والبنية الأساسية والبيئة التي يرأسها النائب عن حركة النهضة الإسلامية عامر العريض، فهي من قررت في وقت سابق عدم تمديد هذه الاتفاقية التي تنتهي سنة 2019، باعتبارها المشرفة على هذا القطاع، وما الشاهد إلا من أصدار هذا القرار فقط.
وكانت لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية في مجلس النواب التونسي، قد طالبت منذ شهر مايو/أيار 2018، الحكومة بمراجعة عقود استغلال الملح التونسي من جانب شركة “كوتوسال”، كما وقع العديد من النواب، بتاريخ الثلاثاء 2 من أكتوبر/تشرين الأول 2018، عريضة مطالبين الحكومة بإنهاء امتياز الشركة المستغلة للملح.
يقول أنصار الشاهد، إن رئيس الحكومة أكد حرصه من خلال هذا القرار على رفع المظلمة عن التونسيين وبسط السيادة الوطنية على ثروات البلاد الباطنية المهمة
تنص الاتفاقية التي تم إبرامها سنة 1949 لمدة خمسين سنة، وتمديدها آليًا مرتين لمدة 15 سنة كل مرة في سنتي 1999 و2014، أن يتم إعلان قرار عدم التمديد قبل 10 سنوات من انتهاء المدة، وإلا فإنها ستجدد آليًا، ويعتبر الملح من الثروات الطبيعية التي يطالب التونسيون بكشف حقيقة استغلاله واستحواذ فرنسا على عائداته منذ أكثر من ستين سنة.
ويتراوح إنتاج الملح في تونس بين 1.5 مليون ومليوني طن سنويًا، ويتم تخصيص 100 ألف طن منها للاستهلاك المحلي وتصدير بقية الإنتاج إلى الخارج وخاصة نحو النرويج والدنمارك وأيرلندا، وتستحوذ الشركة الفرنسية “كوتوسال” على ثلثي الإنتاج.
وتقضي المادة 11 من الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى استغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار (تبلغ قيمة الأجرة عالميًا للهكتار الواحد 14-15 دولارًا)، ورغم ارتفاع ثمن الهكتار مع مرور السنين، فإن الاتفاقية ما زالت جارية دون أي مراجعة.
ينتهي العمل باتفاقية الملح سنة 2019
بحسب وزارة الصناعة التونسية، فإن هذه الشركة هي الوحيدة التي لا تخضع لـ”مجلة المناجم” (قانون ينظم عملية استغلال الثروات الطبيعية في تونس)، بحكم أن عملية الاستغلال للأرض بدأت قبل الاستقلال التونسي سنة 1956، وبهذا أصبحت غير ملزمة بقوانين استغلال الثروات المتبعة مثل بقية الشركات.
ويؤكد العديد من الخبراء تكبد الدولة التونسية لخسائر كبيرة في مستوى تأجير السباخ لصالح هذه الشركة، تفوق 1.97 مليار دولار سنويًا، ويرى خبراء أن إنتاج الملح في تونس بقي من الملفات المهمة المسكوت عنها، معتبرين أن فرنسا حافظت إلى اليوم على مصالحها الاقتصادية ووضعت يدها على ما تعتبره إرثًا لحقبة “الانتداب”.
التسويق لشخصه
هذا القرار الذي روجت له الصفحات المساندة ليوسف الشاهد، وسوقت له على أنه إنجاز شخصي لرئيس الحكومة الشاب، اعتبره العديد من التونسيين بمثابة “التحايل” على عمل الآخرين، فما نسب قرار لشخص الوزير دون أو يكون صاحبه إلا “تحايلاً” منه، وفق تونسيين.
وينص الفصل 13 من الدستور التونسي لسنة 2014، على أن “الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، تُعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب، وتُعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة”.
ويقول أنصار الشاهد، إن رئيس الحكومة أكد حرصه من خلال هذا القرار على رفع المظلمة عن التونسيين وبسط السيادة الوطنية على ثروات البلاد الباطنية المهمة وتوظيفها لصالح تنمية البلاد، ويضيفون “الشاهد يعمل على التأسيس لإعادة النظر في الاتفاقيات الأخرى”.
سارع الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي إلى التعبير عن استهزائهم الكبير بما أعلنه الشاهد
يسعى الشاهد، ومن معه، منذ توليه منصب رئاسة الحكومة في شهر أغسطس/آب 2016، إلى التسويق لشخصه، عبر نسب إنجازات له لا دخل له فيها، مستغلاً إمكانات الدولة في ذلك، وحاجة الشعب التونسي لأخبار تثلج صدره وتمنح له الأمل ولو كان قليلاً، في هذه الظرفية السيئة التي تمر بها البلاد.
هذا القرار الذي بدأت الصفحات الموالية ليوسف الشاهد في الترويج له، يسعى من خلاله الشاهد إلى تقوية فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة التي من المنتظر أن تشهدها تونس في خريف هذه السنة، عقب الانتخابات التشريعية مباشرة.
ورغم عدم إعلانه رسميًا ترشحه من عدمه، فإنه من المتوقع أن يترشح الشاهد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي كلما اقترب موعدها، ارتفع منسوب الأزمة السياسية في البلاد أكثر، فكل طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل
هذه الحيلة التي اعتمدها الشاهد وجماعته، لم تنطل على الكثير من التونسيين، فقد سارع الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي إلى التعبير عن استهزائهم الكبير بما أعلنه الشاهد، معتبرين أنها محاولة منه لـ”استبلاه الشعب”.
وكتب الناشط في المجتمع المدني التونسي منتصر الجلاصي، معلقًا في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك على هذا القرار، جاء فيه: “قرار ثوري من جوزيف.. يا حيٌ ل2029 باش الشركة الفرنسيٌة المستغلة لثروة “الملح التونسيٌ” بالفرنك تنسحب وتعوضها شركة فرنسية” أخرى..الانتخابات على الأبواب “تحيا تونس” لازمها شويا خدمة شعوبية”.
بدوره كتب الناشط التونسي مختار مختار، تدوينة في حسابه الخاص على الفيسبوك: “إلغاء اتفاقية الملح ليس قرار الشاهد بل المستعمر يفرش في الانتخابات القادمة لعملائها في تونس، شعب مغفل ويصدق كل شيء”.
بدوره، كبت سيف بن عبد الله، تغريدة على حسابه في موقع “توتير” جاء فيها: “اتفاقية الملح تم تمديدها آليًا سنة 2014 لمدة 15 سنة يعني تنتهي سنة 2029، هذا في خصوص قرار رئيس الحكومة اليوم عدم التمديد لاتفاقية الملح، قرار في مضمونه حملة انتخابية”.
إتفاقية الملح تم تمديدها آليا سنة 2014 لمدة 15 سنة يعني تنتهي سنة 2029 ، هذا في خصوص قرار رئيس الحكومة اليوم عدم التمديد لاتفاقية الملح ، قرار في مضمونو حملة انتخابية. #تونس
— Seyf Ben Abdallah (@seyfbenabdallah) February 27, 2019
يعمل يوسف الشاهد الذي بدأ حياته السياسية في السنوات الأخيرة، إلى تقوية حظوظه في الانتخابات القادمة، واستغلال كل الفرص المتاحة له، حتى يظفر بكرسي الرئاسة في قصر قرطاج، ويخلف الرئيس الباجي قائد السبسي الذي يُرجع له الفضل في التعريف به وتصدره المشهد السياسي التونسي.