يتجدد الحديث بين الفينة والأخرى عن مدينة سنجار التابعة لمحافظة نينوى العراقية، إذ لطالما هددت تركيا بعملية عسكرية في سنجار في حال عدم إقدام الحكومة العراقية على طرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني PKK من القضاء والذي تعده أنقرة إرهابيا، إذ باتت المنطقة مركزا خلفيا لعمليات الحزب ضد الجيش التركي، بحسب أنقرة.
أين تقع سنجار وما أهميتها؟
يقع قضاء سنجار في محافظة نينوى وتحديداً إلى الجهة الغربيّة من مدينة الموصل ويبعد عنها قرابة 80 كيلومترا غربا، ويحاذي قضاء سنجار الحدود السورية العراقية ويتصل مع الجانب السوري عبر طرق وعرة.
يسكن سنجار مجموعة من الأقليات العرقية، إذ تعد سنجار أحد مواطن الأقلية الأيزيدية – والتي نكّل بها تنظيم الدولة (داعش) – في العراق، كما تسكنها قبائل عربية، إضافة إلى الأكراد والتركمان وعدد قليل من المسيحيين، ووفق آخر إحصائية رسمية وصل عدد سكان القضاء في 2014 قرابة 85 ألف نسمة.
يكمن التخوف التركي من أن تتحول منطقة سنجار إلى قاعدة خلفية للحزب تكون ممرا لتهريب الأسلحة من العراق إلى جبال قنديل
بدأ ملف سنجار يشكل هاجسا تركيا بعيد استعادة القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية المنطقة من سيطرة تنظيم الدولة (داعش) في ديسمبر/ كانون الأول 2014، عقب 4 أشهر من سيطرة مقاتلي التنظيم على أجزاء واسعة من المنطقة.
وتوعد مسؤولون أتراك في غير ذي مرة Pkk بشن عملية عسكرية في سنجار لطرد مقاتليه منها لأجل عدم اتخاذ الحزب المنطقة قاعدة خلفية لعملياته في شمال العراق، وهنا تكمن أهمية القضاء بالنسبة لتركيا.
تحاذي سنجار الحدود العراقية السورية وترتبط مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة السورية، إذ يكمن التخوف التركي من أن تتحول منطقة سنجار إلى قاعدة خلفية للحزب تكون ممرا لتهريب الأسلحة من العراق إلى جبال قنديل في أقصى الشمال العراقي عبر الأراضي السورية الخاضعة للمسلحين الأكراد في سوريا.
كما تخشى تركيا من منطقة سنجار كونها تعد من المناطق المتنازع عليها مع اقليم كردستان وفق المادة (140) من الدستور العراقي المقر في عام 2005 والتي لم يحسم ملفها بعد، إذ أن اقليم كردستان لا زال يطالب بضم المنطقة الى الإقليم، ويخشى الأتراك من تواجد دائم لحزب PKK في المنطقة وفرضه أمرا واقعا فيها.
سنجار.. ملف شائك
تزامنا مع التهديدات التركية ضد سنجار، عمدت الجماعات المسيطرة على المنطقة إلى تشكيل مجلس محلي جديد في القضاء بعيدا عن محافظة نينوى ومجلسها، وهو الأمر الذي أحدث زوبعة إدارية في محافظة نينوى، إذ أن المجلس المحلي الجديد ألغى المجلس القديم، وعين مسؤولين آخرين في القضاء.
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس مجلس محافظة نينوى “سيدو جتو” في حديثه لـ “نون بوست” أن 85% من سكان سنجار لا يزالون نازحين عن سنجار لأسباب عديدة، وأن ذلك تسبب بعمل المجلس المحلي للقضاء في منطقة فايدة قرب محافظة دهوك، إذ أن الغالبية السكانية للنازحين حتمت على المجلس المحلي أن يعمل خارج القضاء، بحسبه.
أوضح رئيس مجلس محافظة نينوى “سيدو جتو” أن حزب العمال الكردستاني استغل نفوذه الكبير في المنطقة لفرض أمر واقع في المدينة، إلا أن الحكومة المحلية لنينوى لا تعترف بالمجلس المحلي الجديد
ويؤكد جتو لـ “نون بوست” أن تواجد حزب العمال الكردستاني PKK دائما ما تتخذه أنقرة ذريعة لقصفها الجوي في سنجار، وأن خروج مقاتلي الحزب من سنجار وانسحابهم منها سيسهم في عودة استتباب أوضاع القضاء ونزع فتيل المشاكل فيه.
وعن تشكيل مجلس محلي جديد في القضاء خارج سلطة المحافظة، أوضح جتو أن حزب العمال الكردستاني استغل نفوذه الكبير في المنطقة لفرض أمر واقع في المدينة، إلا أن الحكومة المحلية لنينوى لا تعترف بالمجلس المحلي الجديد، وأن الأيام القادمة ستشهد عودة المجلس الشرعي الى القضاء بعد اجتماعات عديدة مع المسؤولين في بغداد، بحسبه.
احتمالية شن الأتراك عملية عسكرية
كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن عملية عسكرية تركية في سنجار، وجاءت أغلب هذه التصريحات على لسان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الذي توعد الـ PKK باستئصال جذورهم من سنجار ومن بقية مناطق سيطرتهم في العراق وسوريا.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي العراقي المقيم في تركيا “أحمد سعيد” في حديثه لـ “نون بوست” إن تركيا لم تستخدم حتى اللحظة القوة العسكرية البرية في سنجار، واكتفت بالضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو التركي.
عزا سعيد تلك التهديدات إلى رغبة الأتراك في تسليط مزيد من الضغوط على الحكومة العراقية في بغداد لأجل دفعها إلى اتخاذ إجراءات حقيقية ضد الـ PKK
وعلى الرغم من أن تركيا تهدد دوما بقرب شنها عملية عسكرية في سنجار، إلا أن سعيد يعتقد أن أنقرة لا يمكن لها أن تقوم بعملية عسكرية برية قريبة، لانشغالها الكبير بمناطق شرق الفرات في سوريا وتحديدا بقضية مدينة منبج السورية والانسحاب الأمريكي المرتقب.
وعزا سعيد تلك التهديدات إلى رغبة الأتراك في تسليط مزيد من الضغوط على الحكومة العراقية في بغداد لأجل دفعها إلى اتخاذ إجراءات حقيقية ضد الـ PKK ، مضيفا أن انقرة ستكتفي في الوقت الراهن بالقصف الجوي، إضافة إلى الضغط المستمر على حكومتي بغداد وأربيل لاتخاذ موقف حازم بالضد من الحزب، وقد تتحرك في سنجار بعيد حل المعضلة السورية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على مناطق شرق نهر الفرات في سوريا.
ويبدو ان جميع الأطراف داخل العراق غير معنية بوضع حل لتواجد الـ PKK في سنجار، إذ يرى الخبير الأمني والاستراتيجي “هشام الهاشمي” في حديثه لـ “نون بوست” أن المواقف داخل العراق من تواجد الـ PKK في سنجار تتعدد في ثلاث اتجاهات جميعها بالضد من العمل العسكري في الوقت الراهن.
إذ انه وبحسب الهاشمي فإن موقف الحشد الأيزيدي في سنجار مؤيد لتواجد الـ PKK ، إذ يرى الحشد الأيزيدي أن الـ PKK وقفوا معهم ضد مقاتلي تنظيم الدولة (داعش) إبان محاولاتهم السيطرة على جبل سنجار في عام 2014.
قال الخبير الأمني والاستراتيجي “هشام الهاشمي” أنه من المستبعد أن تشن تركيا في الوقت الراهن عملية عسكرية برية في سنجار، إذ أن لا حدود برية للقضاء مع تركيا، وأن طريق الوصول إلى سنجار سيكون من الأراضي السورية”
وبحسب الهاشمي، فإن موقف حكومتي أربيل وبغداد من الحزب يتمثل في اعتبار تواجده غير قانوني وغير شرعي، لكن الوقت غير ملائم لاستخدام القوة العسكرية العراقية في سنجار، بسبب صعوبة تضاريس المنطقة، وخوفا من دخول القوات الأمنية في حرب عصابات قد تمتد لسنوات وتكون حرب استنزاف.
وعن موقف الحشد الشعبي الذي يسيطر على أجزاء من سنجار، فيؤكد الهاشمي أن الحشد الشعبي لا يعد الـ PKK تنظيما إرهابيا، وبالتالي فلا حاجة لشن حرب ضده في الوقت الراهن،، لافتا إلى أن جميع هذه الجهات لا تود الدخول في حرب عصابات مع الـ PKK وتفضل تأجيل ذلك.
وعن إمكانية شن تركيا عملية عسكرية برية في سنجار في المدى المنظور، اختتم الهاشمي حديثه لـ “نون بوست” بالاشارة إلى أنه من المستبعد أن تشن تركيا في الوقت الراهن عملية عسكرية برية في سنجار، إذ أن لا حدود برية للقضاء مع تركيا، وأن طريق الوصول إلى سنجار سيكون من الأراضي السورية، إضافة إلى أن أنقرة منشغلة بمناطق شرق الفرات التي تُعد قوة الـ PKK فيها أكبر، إذ يسيطر الأكراد في سوريا على منشآت حيوية وموارد هائلة كالنفط والغاز.
ويرى النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى “أحمد الجربا” في حديثه لـ “نون بوست” أن قضية سنجار لا تعد من أولويات الحكومة العراقية حاليا، مشيرا إلى ضرورة أن تتجه الحكومة إلى نشر الجيش العراقي في مدينة سنجار وفي منطقة الجبل لتجنب أي تدخل كردي أو تركي في المنطقة، إذ أن أي مشكلة أمنية في سنجار ستنعكس على العراق عامة وليس على أمن محافظة نينوى فقط.
وعن المشاكل التي يفتعلها الـ PKK في سنجار، أشار الجربا في ختام حديثه إلى أن من ينتشرون في سنجار وخاصة من الحشد الأيزيدي والـ PKK يمنعون العرب والأكراد (السنة) من العودة إلى بعض مناطق القضاء، بحسبه.
ويختتم الجربا حديثه بالاشارة الى أن الحكومة المركزية مقصرة جدا بشأن الملف الأمني في سنجار وتساهلها مع الـ PKK، وأن أي اشكالية تحدث في سنجار يتحملها رئيس الحكومة بصورة كاملة