يستعد الألاف من الجزائريين، للخروج مجدّدا، اليوم الجمعة، في مسيرات ميليونية، في معظم مدن البلاد، ضدّ العهدة الخامسة للرئيس “المقعد” عبد العزيز بوتفليقة، وسط تحذيرات السلطة من تكرار السيناريو السوري في بلد المليون شهيد، فما الذي يمكن أن تشهده الجزائر في هذا اليوم التاريخي، وفق وصف البعض؟
مسيرات مليونية
ينتظر الجزائريون بفارغ الصبر، عشية اليوم، ترقبا لما قد تفضي إليه المسيرات السلمية التي دعا إليها النشطاء الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي والتي لاقت صدى كبيرا، حيث دعا المئات من النشطاء إلى الخروج للشوارع بعد صلاة الجمعة رفضا لترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة، بعد عشرين سنة قضاها في الحكم.
وتوقّع الصحفي الجزائري رياض معزوزي، أن تكون مسيرات اليوم مليونية بامتياز، وقال في تصريح لنون بوست، “الشعب كسر حجر الخوف الجمعة الفارطة 22 فبراير/شباط، وأصبح لا يهمه حظر المسيرات، أو التهديد بالفوضى والتخويف.”
وأضاف معزوزي، “انضمام الطبقة المثقفة بقافلة المحتجين على ترشح الرئيس لولاية خامسة كالطلبة، المحامون، الصحفيين التلاميذ والأساتذة سيكون له وقع كبير في رفع مؤشر المسيرات اليوم الجمعة، كما أن الاعلام سيكون بدوره محرج من فضيحة الجمعة السابقة وسيعمل على نقل كل كبيرة وصغيرة ما سيروج أكثر للمسيرات، ويزيد من حماس المعتصمين.”
يخشى النظام الجزائري، خروج الأوضاع عن يديه، خاصة مع انتشار المظاهرات، وبدأ ماكينة الإعلام في تغطية الاحتجاجات، وتتالي تسريبات
واعتقلت الشرطة الجزائرية أمس الخميس حوالي عشرة صحافيين كانوا يشاركون في اعتصام وسط الجزائر العاصمة احتجاجا على “الرقابة”. وكان حوالي مئة صحافي من وسائل إعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية من القطاعين العام والخاص، تجمعوا في “ساحة حرية الصحافة” في العاصمة، للتنديد بالضغوط التي تمارس عليهم من رؤسائهم بحسب قولهم، خلال عملهم في خضم حركة الاحتجاج الجارية في الجزائر.
وأكّد الصحفي الجزائري أن “دعوة “النجوم” للخروج في مسيرات اليوم وعلى رأسهم الاعلامي حفيظ دراجي ونجوم الراب الجزائريون “لطفي دوبل كانو، شمسو دي زاد، وأنس تينا” هو الآخر سيزيد من نسبة المشاركة في الاعتصامات والمظاهرات.”
وتابع محدّثنا، “ما حدث بالبرلمان خلال عرض بيان السياسة العامة للحكومة في الأيام الثلاث الأخيرة وخروج البرلمانيين عن صمتهم والاتهام المباشر للحكومة بالفساد واعلانهم مساندة الشعب في المطالب سيكون له وقع كبير في رفع معنويات المتظاهرين.”
دعوة رؤساء بعض الأحزاب إلى التجمهر والمسيرات، على غرار الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، من شأنها هي أيضا أن تزيد من وقع تظاهرات اليوم، وفق رياض معزوزي.
يجتهد النشطاء، مطلقو مبادرة المسيرات السلمية، في التوعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، على أن تتحلى المسيرات التي ستنظّم اليوم بالسلمية التامة، حيث تمّ نشر العشرات من التوصيات على غرار تجنب الشعارات الدينية والعرقية، وعدم رفع أي راية سوى الراية الوطنية، ومنع السب والشتم، ومنع أي أشكال العنف والتخريب وأي مخالف يسلم إلى قوات الأمن، وترك مسافة مع رجال الأمن، ومنع ارتداء اللثام…
وتشمل المبادرة كل محافظات البلاد، حيث إنها ليست الأولى خلال المرحلة الحالية، فقد سبقتها مسيرات شعبية، خرج فيها آلاف الجزائريين للشارع حاملين أعلاما سودا، تنديدا منهم بما اعتبروها “إهانة غير مسبوقة في تاريخ البلاد”.
وتظاهر المئات الأسبوع الماضي في مختلف مناطق الجزائر وخرجوا مردّدين شعارات مطالبة بتوقيف “تمرير” العهدة الخامسة التي أثارت جدلا كبيرا بعد بعث بوتفليقة رسالة لشعبه يعلن فيها رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية.
عزل النظام؟
في حديثه لنون بوست، أكّد رياض معزوزي، أن “الجيش والأمن سيبتعدان عن الرد بالعنف باستثناء محيط المؤسسات الحساسة كرئاسة الجمهورية، رغم تلميحات قائد الاركان الفريق أحمد قايد صالح الذي حذر الجزائريين بالانسياق وراء مطالب مجهولة وبقيادة غامضة.”
وأشار إلى أنّ “مسيرات اليوم ستكون ناجحة وستكون نتائجها في قرارات حاسمة ستتخذها مؤسسة الجيش والمخابرات قبل تحرك الرئاسة والحكومة، قرارات تكون لفائدة الشعب ضدّ الرئاسة، نظرا لما حملته الأحداث الأخيرة من تطورات.”
وقال معزوزي في هذا الشأن، “المخابرات بدأت تعزل النظام اعلاميا من خلال فرض التغطية الاعلامية للاحتجاجات على مؤسسات الاعلام العمومي قبل كل شيء كما حدث بالتلفزيون العمومي والاذاعات الوطنية التي باتت تنتقد وتتطرق الى مطالب الشعب بعزل الرئيس.”
وبيّن معزوزي أن “الخطوة المقبل لعزل النظام ستكون التحرك لإجراء انتخابات شفافة وهو مالا يخدم النظام ورجالاته، خاصة ونحن نعرف بأن مؤسسة الجيش لها تأثير واضح في تحديد مسار الانتخابات، وهي التي أكدت في أكثر من محطة بضمان نزاهة الانتخابات في ابريل/نيسان 2019.”
ويخشى النظام الجزائري، خروج الأوضاع عن يديه، خاصة مع انتشار المظاهرات، وبدأ ماكينة الإعلام في تغطية الاحتجاجات، وتتالي تسريبات الشبكات الاجتماعية فيما يظهر أنها معركة تتداخل فيها عدة أقطاب السلطة.
يرى الإعلامي الجزائري فيصل عثمان، أن الشعب لن يجني من هذا الحراك سوى عودة الاهتمام بالسياسة
في اليومين الماضيين، صدر تسريبان، واحد من فرنسا، والثاني من داخل الجزائر، ويحمل الاثنان معا رسائل سلبية عن بوتفليقة ومعسكره، بما يزيد من حالة الرفض الواسعة للعهدة الخامسة، ويدعّم وجهة نظر المعارضين لها بقرائن جديدة.
التسريب الأول يخصّ ما نشرته مجلة “لوبس” الفرنسية من وثائق سرية لأجهزة الاستخبارات المحلية، تعود من خلالها إلى السنوات الأولى لبزوغ نجم بوتفليقة في السياسة، وكيف استطاع الوصول إلى رتبة الرجل الثاني في النظام الجزائري. بينما نُسب التسريب الثاني إلى مكالمة هاتفية بين عبد المالك سلال، مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، مع علي حداد، رجل الأعمال المقرّب من النظام، تضمن جزءا من خططهما لتجاوز حالة الاحتجاجات.
ويؤكّد خروج هذه التسريبات في هذا الوقت، وجود أطراف سياسية داخل الدولة هي كذلك ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة، إذ تريد هذه الجماعة تحييد بوتفليقة، لكنها ليست مع الشارع، مع التأكيد، فهي بين المنزلتين.
الاستمرارية أو المرحلة الانتقالية؟
في مقابل هذا، يرى الإعلامي الجزائري فيصل عثمان، أن الشعب لن يجني من هذا الحراك سوى عودة الاهتمام بالسياسة، وكل حديث عن انتصار الشعب سيظل صوتا نشازاً ستثبت الأيام أنه زبد يذهب جفاء نظرا لعديد للأسباب. وعن هذه الأسباب يقول، عثمان في تصريح لنون بوست، “سقوط المنظومة كلها بعيد المنال ولن يكون إلا في حالة تدخل أجنبي ومعنى ذلك انهيار الدولة وهو سيناريو مستبعد لاعتبارات عدّة.”
وأكّد الإعلامي الجزائري أن بلاده أمام خيارين، يتمثّل الأوّل في “الاستمرارية، دون الرئيس الحالي الذي سيحلّ محلّه سعيد بوحجة بعد سحب ترشح بوتفليقة الذي يحتمل أن يعلن بدء من هذه اللحظة أو يكون في وقت المسيرات لإشعار الجماهير بالنصر أو يوم السبت أو بعد قرار المجلس الدستوري، أي أنّه مسألة وقت فقط.“
ويقول فيصل عثمان إن هذا الخيار، يعني “تغير الوجوه من ناحية، ومن ناحية أخرى سقوط الكتلة البوتفليقية وضعفها، وهذا السيناريو يخدم من يريد التأسيس لمشروع سياسي جديد مستغلّا الزخم الذي ستفرزه الأحداث المقبلة.” وتابع، “ستكون الاستمرارية ترجمة للوضع الراهن لظاهري، وكسرا للعظام بين أقطاب النظام لاسيما قطبي قيادة الأركان/الكيان الموازي (الدولة العميقة).“
يخشى الجزائريون من تحول المسيرات إلى حمام دم
أما الخيار الثاني الذي تحدّث عنه عثمان لنون بوست، فيتمثّل في “المرحلة الانتقالية”، وسيكون ذلك، “إذا بدأ الانزلاق سواء بسبب الإصرار على الخامسة أو الدفع إلى مطالب أكبر من مجرد التراجع عن الخامسة، حينذاك ستلجأ قيادة الجيش إلى إعلان حالة الطوارئ وتعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان والدخول في مرحلة حكم عسكري مؤقت ثم ترتيب البيت لتنظيم انتخابات الرئاسة والبرلمان.”
وأوضح محدّثنا أن، “هذه المرحلة كذلك ستشهد صدامات عنيفة، محدودة أو واسعة، ويشتدّ فيها الصراع بين الكيان الموازي وقيادة الأركان وما تبقى من البوتفليقيين بما يحمل من احتمالات التصفية والسجن والمحاكمات والضرب فوق وتحت الحزام.”
وأكّد عثمان أن المرحلة الانتقالية، تعتبر” أخطر مرحلة وستشهد تفريخ كيانات جديدة، تتدخل فيها كل القوى العظمى، فضلا عن عودة شخصيات قديمة إلى الظهور، وظهور مشاكل اقتصادية، فضلا عن ندرة المواد الأساسية، وارتفاع الاسعار، وربما حتى اغتيالات سياسية”، وفق قوله.
وتابع” في النهاية ستفرز هذه المرحلة عودة الكيان الموازي إلى الحكم وتشديد القبضة الأمنية، مع احتمال ضئيل لانتصار الجناح الأقل سوء وشراسة داخل النظام.” وأشار إلى أن “المرحلة الانتقالية هي ما يريده فلول الدولة العميقة والأحزاب والحركات ذات الانتماء العلماني المتطرّف، وما يدعون إليه مستغلين في ذلك الحراك الشعبي.“
وأكدّ الإعلامي فيصل عثمان في ختام حديثه لنون بوست، أن احتمالات الصدام كبيرة والخاسر فيها هو الشعب الذي لا يملك من يمثّله بسبب غيابه عن الممارسة السياسية عقدين من الزمن، واستقالته من الشأن العام طوال الزمن البوتفليقي.“