من خلال نظرة متعمقة على أسباب اختيار المرأة العربية للحقول العلمية والتعقيدات التي تواجهها، نسلط الضوء على محاولة المرأة العربية إثبات ذاتها من خلال مواجهتها للعديد من التحديات التي تحول بينها وبين انخراطها في المجتمع ومجالات العمل بشكل كبير.
قد يفاجئ البعض عندما يكتشف أن واحدة من كل ثلاث شركات ناشئة في العالم العربي قد تأسست أو تقودها بعض السيدات، فأصبحت النساء قوة يُحسب لها حساب في بداية المشهد في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من العديد من التحديات، بما في ذلك الضغط المجتمعي على النساء للبقاء في المنزل، والفجوة الرقمية بين الجنسين والعيوب الهيكلية في جمع الأموال والاستثمارات، تجد رائدات الأعمال أساليب جديدة ومبتكرة للتغلب على الحواجز التي تحول دون دخول القوى العاملة وبدء أعمالهن الخاصة.
لعل القوانين المقيدة في العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة تضع المرأة التي ترغب في الانضمام أو بدء أعمالها التجارية الخاصة في وضع غير مؤات
ولقد كان مفتاح هذه الجهود هو قدرتها على الاستفادة من الإنترنت والانخراط من خلال منصات الإنترنت للوصول إلى أسواق جديدة للعمل، حيث تتمكن المرأة من العمل من المنزل إذا رغبت بذلك.
ظلم المجتمع وعثرات الطريق التي تواجهها الإناث في العالم العربي
لعل القوانين المقيدة في العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة تضع المرأة التي ترغب في الانضمام أو بدء أعمالها التجارية الخاصة في وضع غير مؤات. وتشمل هذه التدابير حظر النساء لفتح حساب مصرفي أو امتلاك عقارات، وحرية تنقل محدودة بدون وصي ذكر، وقيود على التفاعل مع رجال ليسوا من معارفهم أو أسرهم، بالإضافة إلى مزيد من الوصمات الثقافية والمواقف.
فوفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تُظهر أن النساء اللاتي يبدأن بتأسيس شركة يواجهن حتمًا عيوب هيكلية؛ ففي المتوسط، تحصل الشركات الناشئة التي تقودها النساء على أموال أقل بنسبة 23٪ من الشركات التي يديرها الرجال، وتقل احتمالية أن يكون لها مكسب محتمل بنسبة 30٪. وبحسب تقارير البنك الدولي، تستأجر الشركات المملوكة للنساء عدداً أكبر من النساء (25٪) مقارنة بنظرائهم من الرجال (22٪). كما تستخدم الشركات المملوكة للنساء نسبة مئوية أعلى من النساء في المناصب الإدارية، مما يساعد النساء على تسلق السلم، مقارنة بالذين لا يتم توظيفهم إلا في وظائف أقل، وغير مهرة.
وتشير الإحصائيات إلى أن الشركات التي تقودها النساء تقوم بتوظيف المزيد من العمال بشكل عام في الأردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية ومصر، حيث تعمل الشركات التي تديرها النساء على تنمية القوى العاملة لديها بمعدلات أعلى من تلك التي يديرها الرجال.
ظهر مصطلح STEM قبل عدد لا بأس به من السنوات الماضية، ليشمل مجالات: (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، والرياضيات) والتي تعتمد على إبراز حلول منطقية عملية للمشكلات
ولسد هذه الفجوة، يحتاج النظام البيئي لتنظيم المشاريع وتوكيلها للمزيد من النساء؛ فتحتاج النساء من العالم العربي للقتال، حيث أن الصراعات التي يواجهونها في المجتمع وفي بعض الأحيان في أسرهم تخلق مرونة مذهلة تجعل هؤلاء النساء رائدات أعمال رائعات. فإذا أعطيت هذه النساء فرصتهم لقيادة المنصة الصحيحة، فيمكن لهؤلاء النساء أن يصبحوا من أهم أصحاب الأعمال والقادة من أجل مستقبل المنطقة.
نظرة على مجالات STEM
ظهر مصطلح STEM قبل عدد لا بأس به من السنوات الماضية، ليشمل مجالات: (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، والرياضيات) والتي تعتمد على إبراز حلول منطقية عملية للمشكلات وتثير أذهان الطلاب نحو الابتكار ومواجهة التحديات والصعوبات؛ فتعد مجالات STEM هي نافذة لغزو العالم بالمزيد من العلم والابتكار والإبداع في سبيل بدء الثورة الصناعية الرابعة.
وللأسف لم يعد الوضع سهلًا في متطلبات سوق العمل، فأصبح الطلب متزايد على خريجي مجالات STEM؛ فتشير العديد من الدراسات إلى ارتفاع أجور عاملي مجالات STEM وتمتعهم بالعديد من المزايا وآفاق التطور الوظيفي.
اليونسكو يكشف الستار عن تكافؤ الفرص بين الإناث والشباب في مجالات STEM بالعالمين العربي والغربي
وفقاً لتقرير صدر عام 2012 من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حول “المساواة بين الجنسين في التعليم والتوظيف وريادة الأعمال”، أثبتت أن عدد الخريجين الجامعيين من الذكور والإناث متساوٍ إلى حد كبير – 5.1 مليون امرأة مقابل 5 ملايين رجل، في حين تتفوق النساء العربيات على الرجال في جميع المجالات، بما في ذلك العلوم الصعبة.
كما وجدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أن النساء يشكلن أكثر من نصف خريجي العلوم في عدد من البلدان العربية، حتى بلغت 72 في المائة في المملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، فإن نسبة الخريجات في العلوم أعلى في الشرق الأوسط مما هي عليه في أوروبا الغربية.
ولعل انخراط الفتيات والسيدات في مجالات STEM بالدول الغربية يمثل قلقًا، إذ تحاول الدول الغربية على تحفيز الفتيات لدراسة مجالات STEM، ولكن لم تكن نسبة التحاق الفتيات بدراسة مجالات STEM كبيرة، فنسبة الذكور من خريجي STEM بالدول الغربية تفوق نسبة الإناث بدرجات متفاوتة بشكل كبير.
ولذلك تبذل الحكومات الغربية المزيد من الجهود من خلال المدارس والجامعات لتشجيع المزيد من الفتيات على تمثيل المرأة في STEM.
وفقا لليونسكو، فإن 34-57 في المائة من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الدول العربية هم من النساء
وعلى الصعيد الآخر، على عكس القوالب النمطية والدعائية، فإن بلدان الشرق الأوسط تتميز بارتفاع نسبة التحاق الفتيات لدراسة مجالات STEM بدول: الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة وغيرها.
فتظهر الفتيات والنساء بلاءًا حسنًا وتزداد نسب خريجي STEM من الفتيات أكثر من الذكور.
ووفقا لليونسكو، فإن 34-57 في المائة من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الدول العربية هم من النساء – وهو رقم أعلى بكثير من العدد الذي تشهده الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة أو أوروبا.
وداعًا للصورة النمطية للمرأة العربية في العالم.. قراءات من أهم الكتب والشخصيات والمناقشات النسائية الناجحة
تحطم “رنا دجاني” تلك الصور النمطية للمرأة العربية في كتابها الجديد، “خمسة قباعات” أو “خمسة حجابات”؛ وهي عالمة بيولوجيا الخلية، مسلمة ترتدي الحجاب، وأستاذة مساعدة في الجامعة الهاشمية بالأردن، حيث وصفت دجاني نفسها بأنها “نصف فلسطينية ونصف سورية بجواز سفر أردني”.
بالإضافة إلى حصول رنا على شهادة الدكتوراه من “جامعة لوا University of Iowa ” والعديد من المناصب الزائرة في كامبردج، وجامعة هارفارد وييل، أطلقت برنامج التوجيه عبر الإنترنت للعلماء العرب لتشجيع المتطوعين على تعزيز حب التعلم في منطقتهم ومجتمعهم.
وتعد رنا مثال قوي على زيادة اهتمام المرأة وغزوها في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم العربي، ولديها الدليل الذي يدعمها.
وأشارت رنا في كتابها إلى أن “النساء يشكلن 64 في المائة من الطلاب [الأردنيين] في العلوم الطبيعية والطب وطب الأسنان والصيدلة”، وكذلك 60 في المائة من طلاب الهندسة في الخليج (مقارنة بنسبة 30 في المائة فقط) بالولايات المتحدة وأوروبا.
بالنسبة للعالم العربي ودول الشرق الأوسط، تسعى الفتيات لتحقيق نجاحًا باهرًا في مجالات STEM لقمع تلك الصورة النمطية عن المرأة العربية المستسلمة لظروف وضغوط المجتمع.
“وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة هي الدول الوحيدة التي تختبر فيها النساء بشكل أفضل وتشعر بالراحة أكثر في الرياضيات مقارنة بالرجال”.
ومن خلال تصريحها لصحيفة تايمز للتعليم العالي أوضحت أنه على الرغم من تواجد الكثير من القوالب النمطية والدعائية [في البلدان الأخرى] حول اقتصار النساء بدراسة العلوم في الجزء الخاص بنا من العالم العربي، بالأردن وفي الشرق الأوسط [العربي]، إلا أن الأمر متسع وأكبر من ذلك؛ ففي جنوب شرق آسيا وحتى إفريقيا، تهتم الفتيات بدراسة مجالات STEM [العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات]، ويشجعها الآباء والمجتمع على مواصلة النجاح.
أشادت راجاني بموقف الفتيات من التعليم موضحًة بأن الفتيات لم تعد تشعرن بعد بالخوف من التعبير عن حب التعلم، مقارنة بحال الكثير من الفتيات في الدول الغربية. وهذا الأمر هو ما يجب أن يدركه الغرب بصورة كبيرة؛ ففي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، تحاول الفتيات تجنب دراسة مجالات STEM وتسعى الدول جاهدة على تغيير وجهة نظر الفتيات تجاه الأمر. أما بالنسبة للعالم العربي ودول الشرق الأوسط، تسعى الفتيات لتحقيق نجاحًا باهرًا في مجالات STEM لقمع تلك الصورة النمطية عن المرأة العربية المستسلمة لظروف وضغوط المجتمع.
نماذج مشرفة للنساء في مجالات STEM
كما أشرنا إلى شخصية رنا الدجاني كواحدة من أفضل النساء العربيات التي استطاعت قهر تقاليد المجتمع وحققت نجاحًا على المستوى العربي والغربي، نود الإشارة إلى شخصية أخرى تألقت وأبدعت وحققت مثال المرأة الناجحة في مجالات STEM، ألا وهي “شيستا ويز”.
استطاعت “شيستا ويز” تلك الفتاة الافغانستانية أن تصبح أول كابتن طيار مدني بأفغانستان، وكانت هي أول من يحصل على شهادة البكالوريوس والماجستير من جامعة “Embry-Riddle Aeronautical” في عائلتها
عانت ويز ظروف قهرية منذ ولادتها، فعاشت في مخيم للاجئين بأفغانستان، واستطاعت الهروب بمساعدة أسرتها عام 1987 خشية من الحرب السوفيتية الأفغانية، لتستقر العائلة أخيرًا بمدينة كاليفورنيا، بمنطقة معدمة تفتقر لكل وسائل الآدمية، وتفتقر إلى التعليم وإمكانات الدراسة بالمدارس؛ فكان الطلاب حينها يتبادلون الكتب الدراسية، وبين الحين والآخر يُستبدل طاقم المعلمين، حتى فقدت ويز الأمل في قضية تعلمها ودراستها في سن صغيرة وأيقنت أن مصيرها سينتهي بالزواج.
لا زالت النساء في طريقها للأمام دائمًا، وستظل النماذج المشرفة للنساء لا حصر لها
ولكن سرعان ما عادت ويز لصوابها، وبدأت في التفكير بشأن المستقبل الدراسي والمهني، ففكرت في امتهان مهنة الملاحة الجوية، ومنها يمكن الالتحاق بالجامعة. وبالفعل بدأت شيستا حياتها الجامعية من خلال المشاركة ببرنامج “سفير المرأة” الذي كان بمثابة مبادرة تهدف إلى تقديم الدعم الكامل للفتيات الراغبات في مواصلة التعليم والدراسة بمجال الهندسة والطيران. بالإضافة إلى مشاركة شيستا ببرنامج “Dreams Soar” والذي كان بمثابة برنامج يهدف إلى عرض نماذج لنساء قوية بمجالات STEM وتشجيع الأخريات ودعمهم على الانخراط بقوة بمجالات STEM، حيث شاركت فيه قصتها ومعاناتها مع نساء أخريات حول العالم، وقامت بتشجيع الفتيات على قهر تقاليد ونظرات المجتمع.
ولا بد لنا من إلقاء الضوء على شخصية أخرى ملهمة تُدعى “د. حياة سندي”؛ وهي أول طبيبة سعودية مسلمة في الشرق الأوسط، حصلت على درجة الدكتوراه والتكنولوجيا الحيوية، وكانت واحدة من أولى العضوات في الجمعية الاستشارية للمملكة العربية السعودية، وشاركت في الرعاية الطبية للمناطق الفقيرة.
بالإضافة إلى دعوتها لدول الشرق الأوسط بالتركيز على تعليم مجالات العلوم والتكنولوجيا، مشيرًة إلى ضرورة المساهمة المالية في سبيل تعلم مجالات STEM.
تم تعيين سندي كسفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو بسبب مجهوداتها لعملية التعليم وخاصة بالنسبة للفتيات في الشرق الأوسط.
ولا زالت النساء في طريقها للأمام دائمًا، وستظل النماذج المشرفة للنساء لا حصر لها، ولذلك نوجه دعوة عامة لجميع الفتيات بأن تتغلب على الظروف القهرية وسلب المجتمع لحقوقهم.. ابحثن عن طرق بديلة، ثورن، تمردن على عادات وتقاليد المجتمع التي تدفعكن للإحباط والفشل، وكٌن دائمًا على أهبة الاستعداد نحو مستقبل مشرق.