تعمل دول أوروبية عدّة على الضغط على المفوضية الأوروبية، لشطب المملكة العربية السعودية من القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي للدول المقصرة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أنه وجدت صدّا من قبل نواب المفوضية الأوروبية الذين حذّروا من تداخل السياسي في عملهم، وهو ما يؤثر على مصداقية الاتحاد، فلما تصرّ هذه الدول على شطب السعودية من هذه القائمة؟
القائمة السوداء
قبل أسبوعين، أضافت المفوضية الأوروبية، السعودية إلى قائمة الدول التي تهدد التكتل بسبب تهاونها مع عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، في خطوة قيل حينها إن من شأنها التأثير سلبيا على سمعة المملكة وتعقيد علاقاتها المالية مع الاتحاد الأوروبي.
وتضم القائمة في المجمل، 23 دولة ومنطقة، هي: أفغانستان وساموا الأميركية وجزر الباهاما وبوتسوانا وكوريا الشمالية وإثيوبيا وغانا وغوام وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا وباكستان وبنما وبويرتو ريكو وساموا والسعودية وسريلانكا وسوريا وترينيداد وتوباغو وتونس والجزر العذراء الأميركية واليمن.
بلغ حجم صادرات السلاح البريطاني إلى السعودية خلال فترة 2015 – 2017، أكثر من 13 مليار جنيه استرليني
بدأ التحرك في الاتحاد الأوروبي لإضافة السعودية إلى القائمة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، في ظل تزايد الضغط الدولي على الرياض عقب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكانت السعودية قد فشلت في نيل العضوية الكاملة في هيئة “فاتفا” في سبتمبر/أيلول الماضي، بعدما قررت الهيئة أن الرياض لم تحقق المتطلبات الضرورية للعضوية في مجال محاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، ولا سيما التحقيق والمحاكمة للأفراد المتورطين في عمليات واسعة لغسيل الأموال.
وتخضع الدول المدرجة في القائمة الأوروبية السوداء، لتدقيق أشد في معاملاتها المالية مع الاتحاد الأوروبي، حيث تضطر بنوك الاتحاد لإجراء فحوص إضافية للمدفوعات التي تشمل كيانات خاضعة للنظم القانونية لهذه الدول.
ضغوطات سعودية
هذه القائمة التي تضمّ المملكة العربية السعودية وأقاليم الولايات المتحدة، من المنتظر أن يتمّ تأجيل العمل بها أو سحبها نهائيا، وفق ما أكّدته وكالة رويترز للأنباء أمس، نتيجة ضغوط كبيرة مورست من قبل السعودية على عديد الدول الأوروبية.
وأكّدت رويترز، أن الضغط السعودي تصاعد خلال قمة لقادة الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي عقدت هذا الأسبوع في منتجع شرم الشيخ المصري. وتابع مصدر لرويترز قائلا إن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بحثت الأمر مع العاهل السعودي. وأضاف أن بريطانيا وفرنسا تقودان مجموعة دول الاتحاد الأوروبي التي تعارض إدراج المملكة على القائمة.
وذكر الدبلوماسي بالاتحاد الأوروبي أن الضغط الدبلوماسي استمر يوم الأربعاء عندما جرى استدعاء جميع سفراء الاتحاد الأوروبي في السعودية إلى اجتماع بوزارة المالية لبحث الأمر. وقال الدبلوماسي إن الرياض هددت بإلغاء عقود مع دول الاتحاد إذا تم إقرار القائمة. وقال آخر “إنهم يستخدمون حقا أسلحة ثقيلة.”
ينتظر أن تلغي المفوضية الأوروبية هذا التصنيف
نتيجة هذا الضغط السعودي، تمارس أطرافا أوروبية -على رأسها فرنسا وبريطانيا- ضغوطا شديدة للحيلولة دون إدراج السعودية ومناطق تابعة للولايات المتحدة في القائمة السوداء للدول المقصرة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعارض بعض مبعوثي الدول تبني القائمة خلال اجتماع أمس الخميس، مما أدى إلى بدء عملية قد تؤدي إلى تأجيل وضع القائمة أو سحبها. ومن أجل رفض القائمة، يتعين أن تؤيد الخطوة أغلبية من 21 دولة. وقال مسؤولون بالاتحاد الأوروبي إن أكثر من 20 دولة أعلنت بالفعل اعتراضها على الإدراج، منها بريطانيا وفرنسا وكل الأعضاء الكبار.
يأتي هذا بعد إرسال العاهل السعودي الملك سلمان خطابات إلى جميع زعماء دول الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، يحثهم فيها على إعادة النظر في إدراج الرياض على القائمة. وجاء في خطاب الملك أن إدراج السعودية بالقائمة “سيضر بسمعتها من ناحية وسيسبب مصاعب في تدفقات التجارة والاستثمار بين المملكة والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى”.
وقال مسؤول آخر إن “أغلبية ساحقة” من دول الاتحاد الأوروبي تعارض القائمة. ومن المتوقع أن يوضح اجتماع لخبراء من الدول الأعضاء في بروكسل اليوم الجمعة موقف كل دولة بشأن المسألة، قبل التوصل إلى قرار رسمي في الأسبوعين القادمين.
صفقات السلاح السعودية لشراء الذمم
تعتبر السعودية الغنية بالنفط مستورد رئيسي للأسلحة من الاتحاد الأوروبي، وهو ما مكّنها من مقايضة دول الاتحاد القاري، في العديد من المسائل، حتى باتت مصالح هذه الدول أهم من محاربتها للإرهاب وغسيل الأموال وفق العديد من المتابعين.
وأبرمت السعودية، منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد ووزارة الدفاع في المملكة، العديد من صفقات الأسلحة الضخمة. ونجح بن سلمان خلال السنوات الأخيرة في تعميق شراكات المملكة العربية السعودية مع دول الغرب بفضل صفقات السلاح.
تعتبر صفقات الأسلحة، أحد أبرز استراتيجيات السعودية لمواجهة الضغوط المتزايدة على بلاده، فهو يشتري صمت الدول
تمّ ابرام هذه الصفقات بمليارات الدولارات، رغم المعارضة الشديدة داخل هذه البلدان ومن منظمات حقوقية دولية عدة، بحجة استخدام التحالف العربي الذي تقوده السعودية لحرب الحوثيين في اليمن لانتهاكات وصفت بأنها جرائم حرب في حق المدنيين.
بلغ حجم صادرات السلاح البريطاني إلى السعودية خلال فترة 2015 – 2017، أكثر من 13 مليار جنيه استرليني، شملت أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية. وتعتبر العربية السعودية أكبر مشتري للسلاح البريطاني، بحسب ما ذكر في موقع “منظمة ضد تجارة الأسلحة” المتواجد في المملكة المتحدة.
أما بالنسبة لفرنسا، فالسعودية هي ثاني أكبر مشتر للأسلحة الفرنسية في الفترة 2008 – 2017، حيث بلغت القيمة الإجمالية للصفقات بين باريس والرياض 11 مليار يورو، حسب معطيات وزارة الدفاع الفرنسية. وفي عام 2017 لوحده وافقت السلطات الفرنسية على صفقات بيع سلاح للسعودية، بقيمة 14.7 مليار يورو.
أبرمت السعودية العديد من صفقات الأسلحة
في ابريل/نيسان 2018، أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقع عقدا لشراء خمسة سفن حربية من إسبانيا بقيمة تناهز 1,8 مليار يورو، فضلا عن توقيع على عقد بقيمة ملياري يورو (2,5 مليار دولار) تشتري بموجبه الرياض خمسة طرادات من شركة نافانتيا الإسبانية.
ورغم تراجع حجم صادرات الأسلحة الإسبانية للسعودية بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، فإن الحكومة الإسبانية أكَّدت أنَّها ستمضي قدماً في إجراء صفقات الأسلحة التي كانت قد ألمحت من قبل أنَّها ستجمدها، خاضعةً بذلك لضغط مُصنِّعي الأسلحة الإسبان.
تعتبر صفقات الأسلحة، أحد أبرز استراتيجيات السعودية لمواجهة الضغوط المتزايدة على بلاده، فهي يشتري صمت الدول، بهذه الصفقات التي تناهز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، رغم الضائقة المالية التي تمرّ بها المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة.