تتنوع مائدة الطعام الشامية وبشكل خاص الفلسطينية بالعديد من المأكولات والأطعمة التي شهد عليها حكام العصور السابقة، فتقلبات العصور المختلفة في فلسطين والمزيج مع أهالي هذه الأرض، أُدخل من خلالها العديد من العادات والتقاليد الني تخللت في الدين أيضا، فكيف لا تؤثر على الاطعمة الني ما زالت تحافظ على رونقها ومذاقها التراثي حتى اليوم.
من أهم الأطعمة الشامية الفلسطينية “المقلوبة” و”السماقية” و”الفقاعية” و”المسخن” و”المزنرة” و”المنسف” و”الشاكرية” و”المجدرة”، وتعد هذه أهم المأكولات الدسمة على مائدة الطعام الفلسطينية، كلا حسب المدينة والمحافظة في الوطن.
المقلوبة
من المعتاد قديما ان يتوفر قدر واحد من النحاس في كل بيت فلسطيني، يكون مخصصا لعمل طعام عائلي، وكان هذا القدر يشكل العامود الأساسي لإعداد مائدة الطعام في كل بيت، إلى جانب “البابور”، وكان الحصول عليه أمرا صعبا، فبعض العائلات قديما كانت تبيع دونمات من الأراضي مقابل قدر من النحاس، بل انه كان يشكل مهرا لعروس في بعض الأحيان، ولا يكتمل أي مطبخ قديما إلا بوجود بابور واحد وقدر نحاسي واحد.
ومن المتتبع لهذا الحديث بأنه يصعب توافر قدرين من النحاس في نفس البيت، فكان الاهالي قديما خلال فترة العثمانيين والانجليز، يقومون بطهي الطعام عليه، فكان من الصعب تخصيص وقت لطهي اللحم، ثم الخضار، ثم القمح أو الأرز بشكل منفرد لكلا منهم، فكانوا يختصرون ذلك بوضعها جميعا في قدر واحد من النحاس، تبدأ بفرد قطع اللحم أسفل القدر، ثم الخضار، ثم القمح أو الأرز، وبعد ساعات تكون الوليمة جاهزة، فيتم قلبها في صينية ليصبح القمح بالأسفل والخضار ثم اللحم بالأعلى، ولذلك سُميت بـ”المقلوبة”.
الفقاعية
هي أكلة لا يعرفها إلا أهالي قطاع غزة، وفكرتها نبعت من نفس فكرة المقلوبة، وهي انعدام توفر إلا قدر واحد من النحاس في كل منزل، ومكونها الأساس الأرز والسبانخ أو ورق السلق، وغالبا ورق “الحمصيص”، وهي عشبة تنتشر بكثرة في فلسطين تنبت طبيعيا خلال فصل الشتاء، ويتم طبخها معاً في قدر واحد وإضافة إليه اللحمة إن رغبت الأسرة بذلك، ولكن أغلب الأسر كانت تتناولها بدون لحم، وذلك لأنها مخصصة للفقراء في أغلب الأحيان.
سبب تسميتها بالفقاعية متناقضة الأسباب حتى الآن، ولكن الأرجح يُقال بأنها تتعرض للفرقعة حين طبخها بسبب احتوائها على كميات كثيرة من الليمون.
السماقية
وهي أكلة فلسطينية لا يتقنها إلا أهالي قطاع غزة أيضا، وتنتشر بكثرة في الأفراح والمناسبات والسهرات كوجبة عشاء، أو غذاء، ومكونها الأساسي نبات السماق، حيث يتم تجفيف أوراقه، ومن مكوناتها الثانوية، اللحم والفلفل الأخضر والشطة والحمص والطحين.
وأكلة السماقية معروفة منذ زمن المماليك، ولكنها اشتهرت قبل 70 عاما، أي بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948
وبحسب ما أوضحت دعاء أبو حطب التي اشتهرت بطهي وليمة السماقية للثائرين في مخيمات العودة شرق القطاع، بأن طريقة طبخها يتم وضع كافة المكونات معا في قدر كبير، وقد تتشارك فيه أغلب نساء العائلة أو الحارة أو أي تجمع يربط النساء معا، لكون أن هذه الطبخة في أغلب الأحيان تُخصص لجموع من الناس يزيد عددهم عن الخمسين فردا، وسُميت بـ”السماقية” لأنها تحتوي على نبتة السماق الذي يشكل 60% من هذه الأكلة.
وأكلة السماقية معروفة منذ زمن المماليك، ولكنها اشتهرت قبل 70 عاما، أي بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، وتدل هذه الوليمة على كرم أهالي غزة ووقوفهم مع أبناء شعبهم في كافة محافظات الوطن بوقت الشدائد، حيث كانت تُخصص حينها لإطعام أعداد كبيرة من اللاجئين الذين باتوا في مخيمات عدة بقطاع غزة، كونها كانت الأيسر من ناحية الطهي والأوفر، لأنها تشكل كمية كبيرة من المحاصيل الزراعية التي كانت تُزرع في غزة.
المزنرة
هي أكلة تشتهر فيها مناطق الضفة الغربية والمناطق الأردنية المحاذية لفلسطين، وهي من أبسط الأكلات، وفكرتها تقوم بوضع لبنة مع صفار البيض في صحن، ثم إحضار قطعة من الخبر ولفها كما يُلف أي ساندويش، وربط وسطها بورق البصل، ثم يتم غمس الخبز المربوط بورق البصل بالصحن الذي يحتوي لبنة مع بيض.
سُميت بـ”المزنرة” كون قطعة الخبز مربوطة بوسطها بورق البصل مثل حزام البنطال، والحزام يُسمى باللهجة العامية الفلسطينية ب’الزنار”.
المَنْسَف
بحسب ما أوضحت الشيف مريم شديد، بأنها هي أكلة تشتهر فيها مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وسُميت بـ”المنسف” لأن فكرتها قامت على نسف العادات والتقاليد وتعاليم الدين اليهودي، الذين يُحرمون أكل اللبن مع اللحم.
وتوضح مريم شديد بأن هذه الوجبة تحتوي على اللبن واللحمة التي تعد المكون الأساسي لها، وكذلك القمح، ولكن الاغلب استبدل القمح هذه الأيام بالأرز، وكذلك تحتوي على رقائق الخبز الناشف.
تشتهر البادية في فلسطين بهذه الأكلة وذاع صيتها لنصل الأردن وسوريا والعراق
يتم إعداد هذه الوجبة بوضع صينية شوربة مع اللحم في فرن الطينة غالبا حتى تصبح اللحمة طرية كالمرهم، وبعد ذلك يتم أخذ نصف الشوربة ليتم طبخها مع جميد اللبن، ثم يتم إحضار صينية ليتم وضع الخبز الناشف عليها ورشها بصلصة الجميد ليتم تطريتها، ثم وضع طبقة من الأرز، ثم فرد اللحم وتوزيعه على الصينية، ثم وضع صلصة جميد اللبن مرة أخرى، ثم رشة مكسرات مع السمن البلدي.
وتشتهر البادية في فلسطين بهذه الأكلة وذاع صيتها لنصل الأردن وسوريا والعراق، ولكن المنسف السوري يختلف عن المنسف الفلسطيني من ناحية اللحم، حيث يُعد لحم العجل في فلسطين هي المفضلة لإعداد هذه الوليمة، بينما يُفضل البدو في سوريا لحم الخروف والماعز ويرجع ذلك لعدة أسباب.
وبحسب ما أوضح الشيف السوري المقيم بفلسطين وريف قاسم، بأن لحم الخروف في فلسطين يوجد به نسبة من الزنخ بسبب تربيته في حظائر لا تتعدى 100 متر مربع يكون مقيدا بها، يأكل فبها التبن والشعير والعلف والأعشاب التي يجمعها له مربيها، على العكس من الخرفان والأغنام في سوريا التي تتغذى في المراعي الطبيعية.
المسخن
هي وجبة ثقيلة ودسمة تشتهر فيها كافة المحافظات الفلسطينية، تقوم فكرتها قديما على عجينة الطابون (الخبز السميك) التي يتم حشوها بلحم الدجاج وهو نيء، وكذلك البصل والسماق، ويتم تسخينها في فرن الطينة حتى تنضج تماما، ولعل هذه الوجبة سُميت بـ”المسخن” لأن فكرة نضجها قائمة على تسخين جميع المكونات معا داخل العجين وليس طبخها.
وتقول الشيف مريم “فكرة المسخ حديثا نفس فكرتها قديما، ولكن العجين يكون خبزا، والدجاج والبصل والسماق يكون مطبوخا، كل ذلك قبل أن يتم حشو الدجاج والبصل داخل الخبز ودهنه بزيت الزيتون ليت تسخينه لمدة نصف ساعة فقط على الفرن”.
شيش برك
هي أكلة أوزباكستانية نُقلت إلى بلاد الشام في العهد العثماني، تشتهر فيها سوريا ولبنان وفلسطين، والشيش برك كلمة تركية.
طريقة طبخها حسب أوضح الشيف وريف قاسم، يتم حشو العجينة بلحم مفروم مطبوخ مع البصل والثوم والكزبرة، وتشكيلها على شكل آذان الإنسان، ثم يتم وضعها في وعاء يحتوي لبن مغلي مع مرقة، وطبخها على النار لمدة ساعة كاملة، وتخرج ناضجة، وتوضع في أطباق ويرش فوقها البقدونس والمكسرات.