ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما أعربت كل من البرازيل وإيران عن حاجتهما لإبداء رد فعل إزاء الأولويات والمبادرات الأمريكية ومواجهتها. وتدرك البرازيل وإيران أهمية الأفكار المشتركة في تطوير العلاقات بين الحلفاء، كما يسعى البلدان لترسيخ صورتهما على أنهما “مصدر قوة”، لكنهما يواصلان العمل بحذر لتحقيق الرؤية الاستراتيجية الخطرة.
أولا، عملت البرازيل طوال عقود من الزمن على تعزيز العلاقات الإقليمية في مناطق على غرار جمهورية ساو تومي وبرنسيب، وناميبيا، والرأس الأخضر. وقد درست وجهات النظر بالداخل والخارج منطقة جنوب الأطلسي، من أجل دعم رؤيتها الاستراتيجية في أن تصبح قوة عالمية. وحسب ويلان “تساهم حالات الطوارئ الداخلية والخارجية في تكوين أو، بالأحرى، إعادة تكوين بنية الشبكة” (33).
تعمل البرازيل على إرساء “بنية شبكة” جديدة من خلال الحرص على إنشاء علاقات بصفة مبكرة مع منطقة جنوب الأطلسي حيث تضمن، إلى حد ما، استقلاليتها عن الولايات المتحدة. وتسعى البرازيل أيضا إلى وضع سياسات تخول لها المضي قدما في تنفيذ مبادراتها لتأمين أصول النفط، إلى جانب تقييد القوى العالمية الخارجية، على غرار الولايات المتحدة والصين (بياتريز، دي ماتوس وكينكل 263).
تقوم البرازيل بتأمين منطقة جنوب الأطلسي من خلال التعامل مع مشاكل تجارة المخدرات، وقضايا حقوق الإنسان، والتهديدات العابرة للحدود التي تطغى على الاتفاقيات الاقتصادية الإقليمية
علاوة على ذلك، تشعر البرازيل بأنها تمتلك المبررات الكافية التي تدفعها إلى تعزيز وجودها داخل منطقة جنوب الأطلسي من أجل تأمين الموارد، وبالتالي تحسين قدرتها التنافسية لتحقيق نموها الاقتصادي وتحسين مكانتها في الاقتصاد العالمي. في هذا الصدد، ووفقا لمالامود “أدركت البرازيل أنها تعتبر غير قادرة، من الناحية التكتيكية، على ممارسة تأثير كبير على القارة بأكملها لذلك كانت مستعدة للتركيز على منطقة أصغر وهي منطقة جنوب الأطلسي، التي كانت أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، مما منح البرازيل مجالًا للمناورة”.
بما أن مشاركة الولايات المتحدة ضئيلة داخل هذه المناطق، تسنى للبرازيل أن تفرض تأثيرها من أجل تأمين هذه الموارد الاقتصادية. في الواقع، يتيح هذا الأمر الفرصة للبرازيل لإقامة تحالفات جديدة، وموازنة القوى في جميع أنحاء المنطقة، إلى جانب الاندماج مع الدول التي تجمعها بها مصالح مشتركة.
تقوم البرازيل بتأمين منطقة جنوب الأطلسي من خلال التعامل مع مشاكل تجارة المخدرات، وقضايا حقوق الإنسان، والتهديدات العابرة للحدود التي تطغى على الاتفاقيات الاقتصادية الإقليمية. وعلى الرغم من أن البرازيل شأنها شأن الولايات المتحدة الأمريكية تضطلع بالأولويات ذاتها في مكافحة التهديدات العابرة للحدود على غرار مكافحة عمليات القرصنة، وتجارة المخدرات عبر الحدود، والاتجار بالبشر، إلا أنها تحتاج أيضا إلى مواجهة الولايات المتحدة، من الناحية الاستراتيجية، لتصبح مصدرا رئيسيا للقوة الإقليمية.
تعمل البرازيل على وضع خطة معوّلة على المواد الخام ومجموعة من الموارد، لتصبح منافسًا اقتصاديًا لدول مثل الولايات المتحدة والصين
حسب أرمسترونغ “تتبنى الجهات المستهدفة أساليبًا يدعي خصومها أنها تتناول قضايا ذات أهمية أكبر” (2007). وتعي البرازيل اهتمام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي وقوتها الناعمة “التي تهدف إلى بناء بيئة أمنية مستقرة”. من هذا المنطلق، ينبغي عليها أن تسعى جاهدة وتسبق الولايات المتحدة أو غيرها من القوى ذات التأثير الإقليمي، لعقد اتفاقات في منطقة الجنوب الأطلسي، من خلال فهم مصالح ومبادرات الولايات المتحدة وتحليلها، وبالتالي التفوق من حيث الاقتراحات والأفكار.
لقد استعانت البرازيل بأهمية “الأفكار والمعاني والهويات والسياقات الاجتماعية المشتركة، لفهم كيفية توطيد العلاقات التعاونية، أو التعامل مع علاقات العداء بين الأطراف الفاعلة” (بياتريز، دي ماتوس، وكينكل، 265). ومن الضروري أن تولي البرازيل أهمية قصوى لمبادرات الولايات المتحدة من أجل ضمان نفاذها إلى الموارد الاقتصادية القيمة.
تعمل البرازيل على وضع خطة معوّلة على المواد الخام ومجموعة من الموارد، لتصبح منافسًا اقتصاديًا لدول مثل الولايات المتحدة والصين. و”يتمتع هذا البلد باحتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية، ومن التنوع الحيوي” (ألميدا، 9). ومن خلال مثل هذه الاستراتيجيات، قد تتمكن البرازيل من البروز كقوة إقليمية ذات تأثير على المستوى العالمي.
تواصل إيران البحث عن نقطة ضعف يمكنها استغلالها للتأثير على أعدائها. وتعتبر “إسرائيل” أحد أهدافها الرئيسية
ثانيًا، تسعى إيران إلى بسط نفوذها في المنطقة من خلال الحفاظ على علاقاتها مع تركيا. وفي الماضي، درست إيران وضع أعدائها جيّدا لتحديد متى يكون نظام العدو في أضعف حالاته. وحيال هذا الشأن، أوضح أرسنولت أن “العديد من الاستراتيجيات تسعى للاستفادة من نقاط ضعف نظام المنافسين. لذلك، لا ينبغي متابعة هذه الأنظمة إلا عندما يبلغ الوضع في الدول المستهدفة المستوى المتوقع من عدم استقرار” (2017). من جهتها، تعترف إيران بضرورة دراسة الأخطاء التي ترتكبها الدول الأخرى في محاولتها لبسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
تواصل إيران البحث عن نقطة ضعف يمكنها استغلالها للتأثير على أعدائها. وتعتبر “إسرائيل” أحد أهدافها الرئيسية، حيث ألحقت إيران عن طريق تحالفها مع حماس وحزب الله أضرارًا جسيمة بعدوّها الإقليمي (أرسنولت، 2017). بالإضافة إلى ذلك، تبحث إيران عن عدوّ (إسرائيل) لطالما دعمته الولايات المتحدة وتحاول تحقيق الاستقرار له من خلال البحث عن حلول دبلوماسية واللجوء إلى التحالف العسكري (بينيدجيك، 133).
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة استمرت في دعم “إسرائيل” ضد التهديد النووي الإيراني. لكن في الوقت الراهن، تتقاسم إيران والولايات المتحدة مصالح مشتركة تتضمن “الاهتمام بالتدفق الحر للنفط عبر مضيق هرمز، والتعاون من أجل هزيمة تنظيم الدولة، الذي يُعتبر عدوا مشتركا لكلا الدولتين (بينيدجيك،35). وعلى الرغم من أن إيران تسعى جاهدة إلى هزيمة تنظيم الدولة، إلا أنها قامت في الآن ذاته بإنشاء وتكوين قادة سياسيين داخل منظمات إرهابية أخرى لدعم وتلبية مصالحها الوطنية.
تدرك إيران أن تحقيق أهدافها يتطلّب توظيف شركاء بالوكالة
قد تكون علاقة إيران مع الولايات المتحدة مجرد مثال على أهمية دراسة العدو من وجهة نظر استراتيجية، حيث تدرك إيران جيدا أن الولايات المتحدة تدعم “إسرائيل”، ناهيك عن الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة المنظمات الإرهابية على غرار حزب الله. ومع ذلك، تواصل إيران تطوير علاقاتها مع مثل هذه المنظمات المتطرفة. أوضح كاظم زاده (57): “يعتبر حزب الله اللبناني أن المرشد الأعلى لإيران هو زعيمه السياسي المطلق. وهذا يعني أن حزب الله اللبناني يتلقى تعليماته لخوض الحرب أو إجراء عملية السلام ليس بأمر من الرئيس اللبناني بل بأمر من المرشد الأعلى في إيران”.
ينبغي على إيران أن “تحقق توازن القوى” بين الحفاظ على السلام النسبي مع الولايات المتحدة من جهة، ومحاولة جعل “إسرائيل” تذعن لأهدافها الشاملة من جهة أخرى. وتدرك إيران أن تحقيق أهدافها يتطلّب توظيف شركاء بالوكالة. ومع ذلك، عندما سحبت الإدارة الأمريكية قواتها من العراق خلال عهد أوباما، اعتبرت إيران هذا الحدث فرصة سانحة لاستغلال الوضع غير المستقر في العراق آنذاك لملء الفراغ (كاظم زاده، 62).
على الرغم من أن الدول الصغرى تعتقد أن إيران تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمي والعالمي، إلا أنها أضعف من أن تقف في وجه إيران. وفي الوقت الراهن، تواصل إيران استغلال نقاط الضعف الحالية للقوة الأمريكية من أجل تحقيق هدفها المتمثل في كسب قوة إقليمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
يدرك كلا البلدان مدى أهمية إقامة علاقات لتوسيع نفوذهما الإقليمي
عموما، تملك كل من البرازيل وإيران أهدافا متجذرة خاصة بهما، وهما تنتظران بفارغ الصبر لتنفيذ الخطط الاستراتيجية المحددة منذ عقود. وقد وجدت كلتا الدولتان وسيلة لتشتيت انتباه الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة واستغلال الثغرة داخل خططها. وتسعى البرازيل إلى استهداف منطقة جنوب الأطلسي لكسب القوة الاقتصادية، التي لا تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة للحصول على الدعم الكافي. أما بالنسبة لإيران، فقد انتظرت بصبر لاستغلال الفراغ الذي خلفه سحب القوات الأمريكية في العراق.
هذه هي الخطوات الاستراتيجية الأولى التي اتخذتها كل من البرازيل وإيران لمواجهة أولويات ومبادرات الولايات المتحدة. ويدرك كلا البلدان مدى أهمية إقامة علاقات لتوسيع نفوذهما الإقليمي. وقد استفادت البرازيل وإيران من الفرص المتاحة أمامهما في حين تصب الولايات المتحدة تركيزها على قضايا أخرى.
المصدر: مودرن ديبلوماسي