للأسبوع الثاني على التوالي، خرج الجزائريون مباشرة بعد صلاة الجمعة في مسيرات وصفت من طرف البعض بأنها مليونية، للتأكيد على رفضهم لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ومتمسكين بسلمية حراكهم حتى إن طبعته بعض أحداث الشغب في نهاية اليوم كانت نتيجتها وفاة كهل بنوبة قلبية بسبب ضيق التنفس جراء الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن لمنع المتظاهرين من الوصول إلى قصر الرئاسة في العاصمة الجزائر.
وبدا واضحًا في مسيرات أمس أن أعداد المشاركين ارتفع بعد كسر حاجز الخوف الجمعة الماضية وخلال احتجاجات الطلبة يوم الثلاثاء، الأمر الذي استدعى تكثيفًا لعناصر مكافحة الشغب.
لا تراجع
شدد المواطنون المشاركون في مسيرة الجمعة مثلما لاحظ “نون بوست” على عدم التراجع عن حراكهم حتى يستجيب الرئيس بوتفليقة لمطلبهم ويتخلى عن حلم البقاء في سدة الحكم لخمس سنوات جديدة.
رغم الطوق الأمني الذي فرض على المشاركين في المسيرات بالعاصمة، فإن المتظاهرين استطاعوا الوصول إلى مقر رئاسة الحكومة
وبينما كان بوتفليقة يستقبل من على فراشه في مستشفى سويسرا شقيقه ناصر الذي جاء لعيادته مثلما أكدت مساء أمس الصحف السويسرية، خرج الجزائريون في ولايات بجاية وتيزي وزو والمسيلة والجلفة وعنابة ووهران وتلمسان مسقط الرئيس بوتفليقة وغيرها من الولايات للتأكيد على موقف رفض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
وبالعاصمة الجزائر، كانت أحياء باب الوادي والجزائر الوسطى والقبة وبلوزداد وغيرها من الأحياء والبلديات في الموعد، فعلى غير العادة لم تكن الوجهة بعد صلاة الجمعة منازل المواطنين إنما الشارع للمشاركة في مسيرات جعلت شوارع وساحات البريد المركزي وأول ماي وأودان وديدوش مراد تكتظ بالمتظاهرين الذين رفعوا لافتات ورددوا هتافات رافضة لترشح الرئيس بوتفليقة.
ورغم الطوق الأمني الذي فرض على المشاركين في المسيرات بالعاصمة، فإن المتظاهرين استطاعوا الوصول إلى مقر رئاسة الحكومة، وردوا على تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى الخميس في البرلمان عندما قال: “المسيرات في سوريا بدأت أيضًا بالورود وانتهت بالدم”، فكان الجواب تحت هتاف: “الجزائر ليست سوريا يا أويحيى”، وطالب المحتجون بتغييرات وإصلاحات شاملة في البلاد تفضي إلى رحيل بوتفليقة ووزيره الأول أويحيى.
ذكرت مصادر أمنية أن أحداث الشغب التي وقعت بالخصوص في شارع أديسا بابا وأول ماي أدت إلى تسجيل إصابات وسط الشرطة والمواطنين
وبعد تجاوز الطوق الأمني أمام رئاسة الحكومة، توجهت مسيرات العاصمة سواء من طريق شارع محمد الخامس أم من ساحة أول ماي نحو رئاسة الجمهورية ببلدية المرادية في أعالي العاصمة، لكن عناصر مكافحة الشغب كانت بالمرصاد، حيث صدت حشود المتظاهرين في البداية أمام مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر الوسطى، غير أن قوة المسيرة كانت أكبر، فاستطاعت أن تتعدى الطوق الأمني وتصل إلى حي أديسا بابا وبعده للشارع المحاذي لفندق الجزائر، أين وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وفاة وتخريب
رغم حرص المتظاهرين على سلمية المسيرات، وكذا تعامل قوات الأمن بليونة مع المحتجين، فإن ما لم يتمناه الجميع حدث، عقب وفاة كهل ستيني إثر تعرضه لنوبة قلبية ونقص التنفس جراء كثافة الغازات التي أحدثتها القنابل المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن بعد حدوث مشادات مع شباب غير بعيد عن قصر الرئاسة.
وذكرت مصادر أمنية أن أحداث الشغب التي وقعت بالخصوص في شارع أديسا بابا وأول ماي أدت إلى تسجيل إصابات وسط الشرطة والمواطنين، إضافة إلى حرق محطة للوقود وسرقة خزينتها وحرق وكالة بنكية ومحاولة اقتحام “فندق الجزائر” الفخم، وكذا حرق سيارتين سياحيتين.
وذكرت المديرية العامة للأمن الوطني أنها أوقفت 45 شخصًا من المتظاهرين بينهم 5 أشخاص أحرقوا سيارة وحاولوا اقتحام فندق الجزائر الدولي قرب مقري الإذاعة والتليفزيون الحكوميين.
قبل المسيرة كانت مجموعة من الشخصيات من مجاهدين وأساتذة ومسؤولين سابقين قد دعوا للمشاركة بقوة في مسيرة الجمعة
ويتخوف المتظاهرون من أن تؤثر الممارسات المعزولة لبعض المشاركين في المسيرة أو الدخلاء عليها على سلمية هذا الحراك، وتفتح الباب لحدوث انزلاقات ركز الشباب المحتج على ضرورة تفاديها حتى لا يتبدل النقاش من رفض ترشح الرئيس بوتفليقة إلى مدى سلمية هذا الحراك من عدمه.
الكل نزل
إذا كانت مسيرة الجمعة الأولى قد عرفت غيابًا للشخصيات الوطنية والسياسية، فإن المسيرة الثانية عرفت مشاركة الجميع تتقدمهم أيقونة النضال الجزائري جميلة بوحيرد، إضافة إلى نزول بعض الفنانين منهم الممثل صالح أوفروت الذي عرف في مسلسل “السلطان عاشور العاشر” بأدائه لأدوار يمكن إسقاطها على الوضع السياسي للبلاد، وقبل المسيرة كانت مجموعة من الشخصيات من مجاهدين وأساتذة ومسؤولين سابقين قد دعوا للمشاركة بقوة في مسيرة الجمعة.
وعرفت المسيرة حضورًا لمختلف التيارات السياسية، فقد شارك فيها رجل الأعمال المعروف أيسعد ربراب ومن السياسيين لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال وعبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم وعبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية المرشح السابق للرئاسيات، إضافة إلى السعيد سعدي وهو الآخر مترشح سابق للرئاسيات.
إلى أن تستجيب السلطات لتحذيرات مقري ومطلب المسيرات الحاشدة الداعية إلى رفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، يترقب الجميع ما ستحمله الساعات القادمة
وقال مقري الذي تعد حركته ثالث قوة سياسية في البرلمان: “هذا اليوم يوم تاريخي مشهود، عبر فيه الشعب الجزائري في كامل التراب الوطني عن رفضه الحاسم للعهدة الخامسة عبر مسيرات حاشدة توجت مسيرة النضال السياسي الوطني الطويل من أجل تكريس الإرادة الشعبية وسيادة الجزائريين على مصيرهم”.
وأضاف “فشل فرص العهدة الخامسة يجب أن يكون بداية مرحلة جديدة تتجسد فيها الإرادة الشعبية لاختيار المؤسسات والمسؤولين بالانتخاب الحر بعيدًا عن التزوير والتزييف، وأي تحايل على هذه المسيرات واستبدال فساد بفساد وتزوير انتخابي بتزوير انتخابي آخر ستكون مآلاته وخيمة”.
وإلى أن تستجيب السلطات لتحذيرات مقري ومطلب المسيرات الحاشدة الداعية إلى رفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، يترقب الجميع ما ستحمله الساعات القادمة، خاصة أن آجال الترشح تنتهي يوم الأحد منتصف الليل، ما يعني أن بوتفليقة سيكون حاضرًا لتقديم ملفه شخصيًا لدى المجلس الدستوري، في حال ما زال متشبثًا بطموح خوض اختبار الولايات الخامسة لرئاسة البلاد.