ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ديفيد هيرست، وسايمون هوبر، ومصطفى أبو سنينة
قال مصدر عسكري سوداني كبير لموقع “ميدل إيست آي” إن رئيس المخابرات السوداني صلاح غوش أجرى محادثات سرية مع رئيس الموساد في ألمانيا الشهر الماضي، في إطار مؤامرة دبرها حلفاء “إسرائيل” في الخليج لتنصيبه في الرئاسة عند إسقاط عمر البشير من السلطة. وقال المصدر إن غوش، رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني، التقى يوسي كوهين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في اجتماع نظمه وسطاء مصريون بدعم من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
علاوة على ذلك، أفاد المصدر بأن كلا من السعوديين والإماراتيين والمصريين يرون أن غوش هو “رجلهم” في الصراع على السلطة الذي يحدث خلف الكواليس ويدور الآن في الخرطوم بعد أشهر من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي يراها الكثيرون الآن على أنها بداية نهاية حكم البشير بعد مدة دامت ثلاثة عقود.
في هذا الشأن، قال المصدر “هناك إجماع على أن البشير سيترك الحزب الحاكم والجيش. المعركة الآن تدور حول من سيأتي بعده. لدى غوش روابط قوية مع السعوديين والإماراتيين والمصريين. إنهم يريدون الإطاحة بالبشير، ويريدون رجلهم في مكانه”.
بحسب المصدر، لم يكن البشير على علم بالاجتماع “غير المسبوق” بين غوش وكوهين في ميونيخ
من جانبه، أكد متحدث باسم مؤتمر ميونيخ الأمني أن كلا من غوش وكوهين حضرا هذا العام خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 17 شباط/ فبراير الماضي. وأكد مصدر دبلوماسي آخر تحدث إليه موقع “ميدل إيست آي” تفاصيل الاجتماع. فضلا عن ذلك، التقى غوش برؤساء الاستخبارات الأوروبية ورئيس المركز الإعلامي المشترك، القريب من الحكومة السودانية.
بحسب المصدر، لم يكن البشير على علم بالاجتماع “غير المسبوق” بين غوش وكوهين في ميونيخ. وكان الهدف من اللقاء هو تسليط الضوء على غوش ليكون خليفة محتملا له، وأيضا إشراك “إسرائيل” لضمان دعم الولايات المتحدة للخطة. ولذلك، صرح المصدر “ينظر إلى الإسرائيليين على أنهم حليفهم، وهو ما يمكنهم الاعتماد عليه لفتح الأبواب في واشنطن”.
في الواقع، لعب الموساد الإسرائيلي دور وزارة الخارجية خلال التعامل مع مسؤولي الدول التي ليس لديها معاهدة سلام مع “إسرائيل”، وذلك وفقا لما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية.
في هذا المعنى، قال مسؤول إسرائيلي للقناة “الإسرائيلية 13” في تقرير حول تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والبحرين: “يستخدم الموساد بمثابة وزارة خارجية في التعامل مع جميع الدول التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”.
رجل وكالة المخابرات المركزية في الخرطوم
يتمتع غوش بشهرة في واشنطن، حيث اكتسب سمعة جيدة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين باعتباره رئيسا للاستخبارات يمكن أن تعمل معه وكالة المخابرات المركزية في “الحرب على الإرهاب” ضد القاعدة. فضلا عن ذلك، زار غوش الولايات المتحدة خلال سنة 2005 عندما، كما هو الحال الآن، أدرج السودان من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
خلال الأيام الأخيرة، سعى البشير إلى تأكيد سلطته من خلال ترقية ضباط الجيش إلى مناصب عليا وإدخال سلطات طوارئ جديدة كاسحة بموجب مرسوم رئاسي في محاولة لوقف الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد
ورد في تقرير لموقع “أفريكا إنتيليجنس” الشهر الماضي أن وكالة المخابرات المركزية اعتبرت أن غوش هو خليفة مفضل للبشير، إذا أصبح موقف الرئيس السوداني غير مقبول.
من جانب آخر، نقلاً عن تقرير لسفارة دولة خليجية في واشنطن، ذكر الموقع أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تكن تعمل على تغيير النظام لأن الحكومة السودانية كانت تقدم معلومات قيمة عن حركة الشباب في الصومال وليبيا والإخوان المسلمين. لكن تقرير السفارة قال إن وكالة المخابرات المركزية ستعمل على ضمان استبدال غوش بالبشير إذا لم يحدث احتواء الاحتجاجات.
الرئيس عمر البشير رفقة حكام الولايات وهم يؤدون اليمين الدستوري
خلال الأيام الأخيرة، سعى البشير إلى تأكيد سلطته من خلال ترقية ضباط الجيش إلى مناصب عليا وإدخال سلطات طوارئ جديدة كاسحة بموجب مرسوم رئاسي في محاولة لوقف الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وجاء التعديل الحكومي فورا بعد أن أبلغ غوش المراسلين في الخرطوم يوم الجمعة أن البشير سيتنحى عن منصبه كزعيم لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ولن يخوض الانتخابات الرئاسية سنة 2020.
في حقيقة الأمر، عيّن البشير وزير دفاعه، اللواء عوض بنو، في منصب نائب أول للرئيس، وعين 16 ضابطاً في الجيش واثنين من ضباط جهاز الأمن الوطني حاكماً للمحافظات الثمانية عشر في البلاد. وليلة الخميس، سلم قيادة حزب المؤتمر الوطني إلى نائبه الذي عيّن حديثا، أحمد هارون. وقال حزب المؤتمر الوطني في بيان إن هارون سيخدم في منصب رئيس بالنيابة حتى ينتخب رئيس جديد في المؤتمر القادم للحزب.
“عسكرة” الدولة
قال محللون في الخرطوم لموقع “ميدل إيست آي” هذا الأسبوع إنه يبدو أن البشير يتحرك نحو “العسكرة الكاملة” للدولة والقضاء على كل المعارضة داخل الحزب الحاكم. لكن، أشار مصدر “ميدل إيست آي” إلى أن الجيش لا يزال حذرا من غوش والنفوذ السعودي والإماراتي في البلاد. ونوه بالتغطية المتعاطفة للاحتجاجات في وسائل الإعلام المدعومة من السعودية والتي عادة ما تعارض “التغيير الشعبي”. وفي هذا الشأن قال المصدر “إن وسائل الإعلام مهتمة جدا بهذه الاحتجاجات. إن ذلك لن يحدث دون ضوء أخضر”.
وفقا لمصدر “ميدل إيست آي”، دُعمت عودة غوش إلى جهاز الأمن والمخابرات عبر الوعود السعودية ومن خلال الدعم المالي للاقتصاد السوداني المتعثر
الجدير بالذكر أن غوش ترأس جهاز الأمن والمخابرات الوطني بين عامي 2004 و2009، عندما عينه البشير مستشارا للأمن القومي. وأقيل سنة 2011 واعتقل بعد ذلك للاشتباه في تورطه في مؤامرة انقلاب. ولكن أفرج عنه بموجب عفو رئاسي سنة 2013.
أعيد تعيين غوش في منصب رئيس جهاز الأمن الوطني في شباط/ فبراير سنة 2018. وقد اعتبرت عودته بمثابة تحرك من قبل البشير للقضاء على المعارضة حيث واجهت البلاد مشاكل اقتصادية متفاقمة واحتجاجات ضد التقشف. وكان الهدف من عودته أيضا متمثلا في بناء جسور التواصل مرة أخرى مع الولايات المتحدة عقب رفع العقوبات في أواخر سنة 2017.
وفقا لمصدر “ميدل إيست آي”، دُعمت عودة غوش إلى جهاز الأمن والمخابرات عبر الوعود السعودية ومن خلال الدعم المالي للاقتصاد السوداني المتعثر. وفي كانون الثاني / يناير الماضي، قال وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي خلال زيارة للخرطوم، إن الرياض قدمت ثمانية مليارات ريال (2.1 مليار دولار) للسودان خلال السنوات الأربع الماضية.
“صديق متقلب”
بحسب محلل إقليمي لدى موقع “أفريكا كونفيدانشيل”، تلاعب البشير أيضا بالسعوديين والإماراتيين ضد منافسيهم الإقليميين قطر وتركيا اللتان تتمتعان أيضا بمصالح استراتيجية في الخرطوم؛ مما جعل من جميع الجهات تثق في حسن نيته.
البشير ناقش الحصانة المحتملة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت الشهر الماضي في إثيوبيا
في هذا المعنى، قال المحلل الذي لم يذكر اسمه إن “الرياض وأبوظبي وكذلك الدوحة اعتبرت البشير صديقا متقلبا بسبب ميله للتلاعب مع كلا الطرفين وعدم الحياد. لقد تعهد بالولاء في الماضي مقابل إعانات، ثم انتهج طريقه الخاص”.
يدرك موقع “ميدل إيست آي” أن الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين يعملون أيضًا على إقناع البشير بالتنحي مقابل وعد بالحصانة من المقاضاة في المحكمة الجنائية الدولية، حيث اتهام بارتكاب جرائم حرب في سنة 2009 بسبب الفظائع المزعومة التي ارتكبتها القوات الحكومية والمؤيدة للحكومة ميليشيات في دارفور.
كما ورد أن البشير ناقش الحصانة المحتملة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت الشهر الماضي في إثيوبيا. وقد اقترحت عناصر المعارضة السياسية السودانية، وعلى رأسها الصادق المهدي، منذ فترة طويلة تجميد اتهام المحكمة الجنائية الدولية مقابل تنحي البشير، باعتبارها طريقة ممكنة للمضي قدماً.
مع ذلك، أكدت جماعات المتمردين في دارفور، والتي سلم بعض زعمائها أنفسهم إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، أنها سترفض أي خطوة من هذا القبيل وستتخلى عن محادثات السلام نتيجة لذلك.
عموما، لقد قدّم مؤتمر ميونيخ الأمني خلفية ألمانية طويلة للقاءات سريّة بين الخصوم الجيوسياسيين ورؤساء الاستخبارات، مع تسجيل حضور كوهين بشكل منتظم في هذا الحدث.
وكان من بين المتحدثين في مؤتمر هذا العام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ونائب رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
المصدر: ميدل إيست آي