لم تكن زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هينة، للقاهرة ولقاءاته المكثفة والسرية بمسؤولي جهاز المخابرات المصرية العامة، هذه المرة كأي جولة سابقة أجراها وفد حركة حماس للأراضي المصرية، فالكثير من المؤشرات تؤكد أن طبقة الجليد التي كانت تغلف العلاقات بين الطرفين وتمنع تنفيذ ما يجري الاتفاق عليه بدأت بالذوبان.
المؤشر الأول الذي يؤكد نجاح زيارة هنية للقاهرة التي استمرت أكثر من 20 يومًا، جاء من خلال استمرار الجانب المصري بفتح معبر رفح في كلا الجانبين لسفر أهل غزة، وخاصة بعد انسحاب موظفي السلطة الفلسطينية من المعبر البري بأمر من الرئيس محمود عباس، ضمن خطوات المناكفة والجدل السياسي الذي يتبعه مع حركة حماس.
الخطوة أجمع الكثير من السياسيين قبل المحليين والمراقبين، بأنها تصب في خانة عودة العلاقات بين حركة حماس ومصر لمجراها الحقيقي، بغض النظر عن غضب عباس وحركة فتح من الدور المصري الذي بدأ يتقارب كثيرًا من حركة حماس الشهور الأخيرة.
مصير قطاع غزة
المؤشر الثاني الذي دعم نظرية نجاح جولة هنية، هي عودة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لغزة، ومعه المفاجأة الكبيرة التي انتظرها أهل القطاع ما يقارب الأربع سنوات، بعودة المعتقلين الأربع التابعين لكتائب القسام الذين اختطفتهم المخابرات المصرية قبل سنوات بعد اجتيازهم معبر رفح ووضعهم في سجونها السرية.
وكان الشبان الفلسطينيون الأربع وهم حسين الزبدة وياسر زنون وعبد الله أبو الجبين وعبد الدايم أبو لبدة، اختطفوا بتاريخ 19 من أغسطس/آب 2015، خلال سفرهم عبر معبر رفح البري، بعدما اعترض مسلحون الحافلة التي تقلهم فور خروجهم من المعبر.
صورة في غزة ترحب بعودة المعتقلين الأربع
خفوت المواجهات التي تنطلق على حدود قطاع غزة، وخاصة أيام الجمع، ضمن مسيرات العودة الكبرى التي يُحيها الفلسطينيون منذ مارس 2017، والتزام المتظاهرين بعدم استخدام الوسائل التي طالما أزعجت وأقلقت “إسرائيل” كالبالونات الحارقة ووحدات الإرباك الليلي والطائرات الورقية والهدوء الغريب على حدود القطاع، يعد مؤشرًا ثالثًا على نجاح زيارة هنية للقاهرة.
ولعل المؤشر الرابع والأهم الذي يرجح نجاح جولة هنية والوصول لتوافق رسمي، هو الحديث المتبادل من المسؤولين في حركة حماس والجانب المصري، على فتح صفحة تبادل تجارية واسعة وكبيرة بين الطرفين من خلال إنشاء معبر تجاري كبير، سيساهم في إدخال السلع المصرية كافة لغزة، دون الحاجة لـ”إسرائيل” أو السلطة الفلسطينية، ويساعد في تخطي الأزمات التي يعاني منها ساكن القطاع جراء الحصار الإسرائيلي والعقوبات التي يفرضها الرئيس عباس، التي أثقلت كاهل المواطنين وأدخلتهم بوحل الأزمات.
وإضافة لتلك المؤشرات التي ترجمت أخيرًا على أرض الواقع، هناك ملفات بُحثت على طاولة النقاش بين هنية ومدير جهاز المخابرات المصرية، ولكنها لا تزال داخل إطار البحث والمشاورات نظرًا لحساسيتها وأهميتها، وعلى رأسهم صفقة تبادل الأسرى والتهدئة الشاملة في قطاع غزة.
يؤكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس صلاح البردويل، أن الحركة لن تدفع أي ثمن سياسي لهذا التقدم في علاقتها مع مصر
وبحسب مصادر مصرية رفيعة المستوى، كشفت لـ”نون بوست”، أن هناك تقدمًا كبيرًا طرأ على هذين الملفين، والأيام المقبلة ستكون حاسمة في تلك المباحثات التي تفضل مصر وحماس وكذلك “إسرائيل” أن تبقى ضمن إطار السرية وبعيدًا عن ضجيج وسائل الإعلام حتى تنضج بسرعة.
وذكرت أن وفدًا من جهاز المخابرات المصرية سيزور غزة هذا الأسبوع للقاء قادة حماس وباقي الفصائل للمناقشة في ملفات تتعلق بحصار غزة والتهدئة واستكمال المشاورات التي جرت مع هنية في القاهرة.
ما الثمن الذي ستدفعه حماس؟
وكان هنية قد عاد إلى قطاع غزة الأربعاء الماضي، عقب زيارة للعاصمة المصرية القاهرة استمرت لأكثر من 3 أسابيع، وبحث مع وزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل موضوعات عدة منها الوضع الداخلي الفلسطيني، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية والحالة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، بحسب بيان لحركة حماس في 5 من فبراير الماضي.
وأمام هذا التطور السريع الذي جرى في القاهرة على الملفات الفلسطينية العالقة التي كانت شائكة لسنوات طويلة، يبقى التساؤل الكبير هنا: ما الثمن الذي ستدفعه حركة حماس بعد هذه الانفراجة المفاجئة؟ ليؤكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس صلاح البردويل، أن الحركة لن تدفع أي ثمن سياسي لهذا التقدم.
ويؤكد البردويل أن حماس كانت حريصة على إنجاز الملفات العالقة كافة، وفي مقدمتها تخفيف الحصار عن غزة والإفراج عن المعتقلين الأربع من السجون المصرية، وأثمرت هذه الجهود عن حلحلة عملية وإيجابية في تلك الملفات.
حركة حماس بعد الإفراج عن معتقليها وفتح معبر رفح والحديث عن معبر تجاري جديد مع مصر، ستحاول أن تنجز صفقة تبادل الأسرى مع “إسرائيل”، إضافة لفرض تهدئة شاملة مع دولة الاحتلال
لكن، في المقابل هذه التصريحات يبدو أنها لم تعجب كثيرًا حركة فتح التي كانت غاضبة جدًا من الموقف المصري والتقارب الأخير مع حركة حماس، في ظل تشديد الرئيس عباس عقوباته على غزة، فأكد عضو المجلس الثوري لحركة فتح، بحسب رباح في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، أن حماس ستدفع ثمنًا باهظًا جراء هذا التقدم.
وذكر أن حماس بعد الإفراج عن معتقليها وفتح معبر رفح والحديث عن معبر تجاري جديد مع مصر، ستحاول أن تنجز صفقة تبادل الأسرى مع “إسرائيل”، إضافة لفرض تهدئة شاملة مع دولة الاحتلال وإنهاء كل مظاهر المسيرات الشعبية على حدود قطاع غزة.
وفي ظل الابتعاد كثيرًا عن ملف المصالحة الداخلية والحديث عن غزة وحصارها والتقارب مع مصر، يبقى السؤال الأبرز الذي ينتظر الإجابة منذ أكثر من 12 عامًا: هل اقترب موعد رفع الحصار عن غزة؟ وهل ستنجح حركة حماس في ذلك في ظل المشهد الضبابي الذي يعيشه الغزيون والحديث عن “صفقة قرن” أمريكية قد تحرق ما تبقى من القضية الفلسطينية وسط تصفيق ودعم عربي؟