قدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمس الأحد ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في بلاد المليون شهيد في 18 من أبريل/نيسان المقبل، رغم الحراك الشعبي الكبير الرافض للعهدة الخامسة.
لم يكتف بوتفليقة بتقديم ملف ترشحه فقط، بل أعلن أيضًا متابعته لحراك الشارع، وتعهده في حال فوزه بإجراء انتخابات مبكرة وعدم ترشحه فيها، في رسالة بثها التليفزيون الجزائري الرسمي، وهو ما اعتبره العديد من الجزائريين تحديًا كبيرًا لإرادة الشعب المناهض لترشحه.
وعود كثيرة
بوتفليقة – الراقد في كرسي المرض منذ سنوات عدة – تعهد أيضًا في رسالته التي وجهها لشعبه بإعداد دستور جديد يُزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء يكرس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد ووضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية والقضاء على كل أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد.
وحيا بوتفليقة، ما وصفه بـ”التحضر الذي طبع المسيرات الشعبية الأخيرة، والتعامل المهني المثالي والراقي الذي تحلَت به مختلف أسلاك الأمن وبموقف المواطنين الذين فضلوا التعبير عن رأيهم يوم الاقتراع عن طريق الصندوق”، مشددًا على أن الجزائر في حاجة لاستكمال مسيرتها نحو الديمقراطية والتطور والازدهار، دون وقف المسار الذي غنِمت بفضله مكاسب جمة عبر السنين.
توجد في الجزائر العديد من الجهات الماسكة بزمام الأمور، ولا تريد للجزائر أن تخرج عن طوعها وإرادتها، حتى لا تخسر الامتيازات الممنوحة لها هناك
التزم بوتفليقة أيضًا، باتخاذ “إجراءات فورية وفعالة ليصبح كل فرد من شبابنا فاعلاً أساسيًا ومستفيدًا ذا أولوية في الحياة العامة على جميع المستويات وفي كل فضاءات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبمراجعة قانون الانتخابات مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات”.
وقدم مدير حملة بوتفليقة عبد الغني زعلان، ملف ترشح بوتفليقة الموجود حاليًّا في سويسرا لأسباب طبية إلى المجلس الدستوري (الهيئة المسؤولة عن التعامل مع أوراق المتنافسين المحتملين في الانتخابات الرئاسية)، بناءً على المادة 139 من القانون الانتخابي للبلاد التي تمكن من إيداع الملف بالنيابة.
تحدٍ للإرادة الشعبية للجزائريين
تقديم بوتفليقة لملف ترشحه والوعود التي قدمها، اعتبرها الصحفي الجزائري فيصل عثمان، تحديًا للإرادة الشعبية للجزائريين، وقال عثمان في هذا الشأن: “ما فعله بوتفليقة يعني شيئًا واحدًا وهو تحدي الإرادة الشعبية واحتقار الفرد الجزائري وهو ما يتقنه بوتفليقة ويعلمه العارفون بشخصيته النرجسية”، وأضاف في تصريح لنون بوست “لقد تم تمييع الحراك وتعويم مطالبه وليس ذلك صعبًا على السلطة، وقد بدأت الإشارات والكلام عن ندوة توافق وطني وتعهد بوتفليقة بالانسحاب من المشهد السياسي بعد الندوة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة”.
بدوره اعتبر الصحفي الجزائري فاروق حركات في تصريح لنون بوست، أن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة “تحديًا للشعب الرافض لفكرة استمراره في قيادة البلاد، خاصة أن ظهوره أصبح جد نادر حيث كان آخر خطاب ألقاه أمام الشعب يوم 8 من مايو/أيار 2012 أي منذ 7 سنوات، فحالته الصحية لا تسمح له”.
وأشار حركات، إلى تناول الصحافة الفرنسية منذ 7 سنوات لحالة بوتفليقة الصحية، وتركيز الصحافة السويسرية والروسية على صحته مؤخرًا، وسط تناول محتشم من الإعلام الجزائري لهذا الأمر، ومنذ إصابته بالجلطة دماغية سنة 2013، خفض بوتفليقة الذي وصل إلى الحكم عام 1999، وانتخب لولاية رابعة منذ خمس سنوات في 17 من أبريل/نيسان 2014 بنسبة أصوات فاقت %82، كثيرًا من نشاطه العام.
قوى ضغط تحضر لما بعد بوتفليقة
الصحفي الجزائري رياض معزوزي، أكد وجود قوى ضغط تحضر لما بعد بوتفليقة، حيث قال: “هناك قوى تضغط بطريقة غير دستورية من أجل الشد على حبل الرئاسيات المقبلة وضمان الفوز، وبعدها تعديل الدستور بما يخدمها، خاصة إذا كان هناك في التعديل منصب نائب الرئيس الذي سيتولى رئاسة الجمهورية في حالة وفاة الرئيس”.
وأصيب بوتفليقة سنة 2005 بقرحة معدية، قبل أن يصاب في 2013 بجلطة دماغية أثرت على بعض وظائفه وأقعدته على الكرسي المتنقل وغيبته عن مخاطبة شعبه وممارسة مهامه أمام كاميرات الإعلام إلا في الضرورة القصوى، ولا تشاهده الجماهير عادة إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التليفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي.
تصاعد التحركات الاحتجاجية في الجزائر
أضاف معزوزي في حديثه لنون بوست “كلنا يعلم بأن الرئيس مريض وأيامه بيد الله لكن الجزائريين يتساءلون: أين رئيسنا؟ لماذا لم يقرأ الرسالة؟ أين يوجد؟ ومن كتب الرسالة التي قرئت علينا البارحة؟”.
وقال: “عندما يجيب النظام عن هذه الأسئلة في رأيي سيكون له حق الكلام عن الرئاسيات المسبقة، وتعديل الدستور وندوة وطنية قوية”، ورأى محدثنا أن ما يحصل هو استهزاء واستهتار واستصغار واستفزاز وتحد لملايين الغاضبين، الذين قالوا لا للخامسة ولم يقولوا ترشح ثم أصلح.
وتوجد في الجزائر العديد من الجهات الماسكة بزمام الأمور ولا تريد للجزائر أن تخرج عن طوعها وإرادتها، حتى لا تخسر الامتيازات الممنوحة لها هناك، ويرى جزائريون أن تشبثهم بترشح بوتفليقة يؤكد عدم قدرتهم على إيجاد بديل له في الوقت الحاليّ يمنع الصراع بينهم، لذلك فإنهم يسعون لإطالة أمد وجود بوتفليقة في قصر المرادية حتى يهيؤوا لما بعده.
ويؤكد العديد من الجزائريين أن بوتفليقة غائب تمامًا عن الوعي، والإصرار على تقديم ترشح نابع من مجموعة تحيط به، تورطت في فضائح كبيرة تخص نهب المال العام واستغلال ثروات البلاد لصالحها الشخصي، وتخشى المحاسبة.
مآلات الوضع
تتجه الأوضاع بعد تقديم بوتفليقة لترشحه إلى مزيد من التعقيد، ويقول فيصل عثمان: “سواء استمر بوتفليقة في غيه أم تراجع عنه أم رفض المجلس الدستوري ملفه وهو ما أستبعده، فإن المآلات سوداء في جميع الأحوال”، وأضاف “إن رفض ملفه فهذا معناه فسح المجال لمرشح الدولة الموازية اللواء علي لغديري الذي يبدو في رواق ممتاز للسطو على السلطة، مدعومًا بترسانة إعلامية ومالية وسياسية وتأييد فرنسي وسنصبح يوم 19 من أبريل/نيسان على نسخة منقحة من سيسي مصر”.
وقبل أيام، أعلن الجنرال المتقاعد علي غديري البالغ من العمر 64 عامًا، ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية، ويعتبر غديري، وفق عدد من الجزائريين، أحد مرشحي ما يعرف في الجزائر بـ”شبكة المخابرات القديمة” التي يقودها مدير جهاز المخابرات السابق الفريق محمد مدين، الذي أحاله الرئيس بوتفليقة بشكل مفاجئ إلى التقاعد في 13 من سبتمبر/أيلول 2015.
أمام هذه التطورات الكبيرة التي تشهدها الجزائر منذ أيام، ازدادت الأوضاع في البلاد غموضًا أكثر، فالكل يترقب ما ستؤول إليه الاحتجاجات
من السيناريوهات التي تحدث عنها الصحفي الجزائري أيضًا “استمرار بوتفليقة واستمرار المظاهرات التي من المحتمل أن تتحول إلى صدام عنيف لا تحمد عواقبه، وكما هو واضح فإن من يصر على رفس الإرادة الشعبية برجله لن يتوانى عن قمع تلك الإرادة”، وهناك احتمال أخير، وفق فيصل عثمان، وهو “تحول الحراك من المسيرات إلى الإضراب العام أو العصيان المدني وساعتها يرتفع سقف المطالب إلى تأجيل الانتخابات، وهو المخرج الآمن للجماهير الذي يسمح لها بتفادي العنف والصدام والحفاظ على مطالبها في آن واحد”.
وأكد محدثنا ” ضرورة السعي لإيجاد مشروع بديل نستغل فيه زخم الشارع لتأسيس البديل”، غير أن هذا الأمر وفق الصحفي الجزائري فيصل عثمان، “يتطلب ورشات عمل كبرى والتوقف عن المسيرات واللجوء إلى أساليب أخرى تفاديًا للصدام”.
ماذا عن المعارضة؟
في ظل هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها الجزائر، يتساءل العديد من الجزائريين عن دور المعارضة الحزبية فيما تشهده البلاد، وهامش تحركها لدعم مطالب الجماهير التي خرجت بمئات الآلاف إلى الشارع، في تحدٍ لإرادة السلطة الحاكمة.
في هذا الشأن يقول رياض معزوزي: “المعارضة ردت أمس بسحب ترشحهم، كما كان مع أكبر حزب إسلامي بقيادة عبد الرزاق مقري (حركة مجتمع السلم)، وكذا انسحاب وصيف الرئيس في الانتخابات السابقة 2014 علي بن فليس (طلائح الحريات)”.
وأرجع معزوزي سبب سحب مرشحي المعارضة لترشحاتهم إلى “تيقنهم بأن الترشح هو خروج عن صف الشعب، وإعطاء الشرعية لبوتفليقة المرفوض جملة وتفصيلاً، في حين أرى من تقدم بملفه هو أصلاً وجد من أجل تأمين الظروف وتهيئة الأجواء لترشح الرئيس، فالجنرال علي غديري اليوم قدم بملفه بالوكالة، كتمهيد لتقديم الرئيس ملفه هو الآخر بالوكالة، وهو ما وقع فعلاً”.
تعهد بوتفليقة بانتخابات رئاسية مبكرة حال فوزه
من جهته، يرى الصحفي فاروق حركات أن “المعارضة الجزائرية الآن أمام حلين لا ثالث لهما في نظري: الأول تبني قيادات من المعارضة للحراك الشعبي، والقيام بالتعبئة في سبيل الوصول إلى حل يرضي الشعب ألا وهو عدول بوتفليقة عن الترشح لعهدة خامسة”.
أما الحل الثاني، حسب حركات، فهو “سعي المعارضة إلى رفع سقف مطالبها في ندوة الإجماع الوطني التي تعهد بوتفليقة بإقامتها في حال فوزه بعهدة جديدة، حيث ستعمل على إبرام صفقات مع بوتفليقة وإيجاد مكانة في النظام الجديد الذي تعهد بوتفليقة في رسالته اليوم الأحد بإقامته”.
واستدرك فاروق بقوله: “رغم كل هذا يبقى هامش تحرك المعارضة في الجزائر جد ضيق لعدة أسباب أبرزها فشلها في إقناع المواطن بجدوى العمل السياسي”، وتشهد المعارضة الجزائرية صراعات كبرى واختلافات ظهرت مؤخرًا عند فشلها في التوصل لمرشح “موحد” للانتخابات نتيجة حرب الزعامات بينها.
أمام هذه التطورات الكبيرة التي تشهدها الجزائر منذ أيام، ازدادت الأوضاع في البلاد غموضًا أكثر، فالكل يترقب ما ستؤول إليه الاحتجاجات، وسط خشية كبيرة من لجوء النظام الحاكم إلى قمع المحتجين في حال تصعيد التحركات.