من الطبيعي أن يتساءل المتابع العربي لتطورات الاحتجاجات الحاليّة في الجزائر، عما يستطيع أن يقدمه الرئيس الجزائري الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة كي يرشح نفسه لولاية خامسة ويتخطى عتبة الـ20 سنة في التمسك بالرئاسة.
نعم يحق التساؤل أيضًا على وقع تظاهرات الشعب الجزائري الرافضة لترشح رئيسهم، ما الذي قدمه هذا الرجل الثمانيني يشفع له ليجثم كل هذه السنين الطويلة على صدور الجزائريين، دافعًا الكثير منهم للتغريب شمالاً هربًا من تردي المستوى المعيشي وتضاؤل فرص العمل، ولسان حالهم يقول “الغربة في المهجر أرحم من الغربة في وطني”؟
40 عامًا والرجل الثمانيني لم يرو تعطشه للسلطة، فمن ترؤسه لعدة وزارات كان من بينها وزارة الخارجية (16 عامًا) إلى رئاسة الجمهورية (أبريل/نيسان 1999)، لم يختلف شيء في سجله السياسي وإنجازاته إلا صفة المنصب السلطوي ليس أكثر من ذلك.
كان لا بد من هذه التظاهرات العارمة قبيل الانتخابات “الشكلية” التي ستكشف للعالم أن الشعب الذي خرج ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة، هو نفسه من ستُزيف الصناديق أصواته وتمنحهم إجبارًا لبوتفليقة
لكن ما يستحق الوقوف عنده بشكل مختلف وقراءته قراءة معمقة، السبب الحقيقي الذي دفع الشعب الجزائري للخروج بتظاهرات آخذة في التوسع والمطالبة بإقامة نظام ديمقراطي، فلماذا لم ينتظر الجزائريون موعد الانتخابات الرئاسية ليقولوا كلمتهم عبر صناديق الاقتراع؟
غير أن واقع الحال يكشف وبشكل جلي شجاعة فائقة من الشعب المسروق صوته، فهم يدركون أن الانتخابات القادمة منتصف أبريل/نيسان المقبل ستكون كسابقاتها، شكلية لا أكثر، وفيها سيكون المنتصر من دون شك بوتفليقة، وهو الذي يمثل واجهة الحكم أمام من يحركه من جنرالات الجيش الجزائري.
لذلك كان لا بد من هذه التظاهرات العارمة قبيل الانتخابات “الشكلية” التي ستكشف للعالم أن الشعب الذي خرج ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة، هو نفسه من ستُزيّف الصناديق أصواته وتمنحهم إجبارًا لبوتفليقة.
عديدة هي المؤشرات التي لفتت لها مؤلفات وأبحاث جزائرية عن سلطة العسكر بشكل أو بآخر على حكم البلاد منذ رئاسة هواري بو مدين بعد انقلاب عسكري على أحمد بن بلة، الذي دبره مع “مجموعة وجدة” التي تشكلت من مجموعة من الضباط العسكريين والسياسيين في الجزائر (منهم كان عبد العزيز بوتفليقة)، خلال ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962).
بو تفليقة لا يزال مُصرًا على قيادة الجزائر لولاية خامسة ولو على كرسي متحرك أو حتى داخل نعشٍ مُكيف
كما ذكر الكاتب والصحفي الجزائري محمد سيفاوي، في كتابه “بوتفليقة خدامه وأسياده” الصادر عام 2011، كيف جلب العسكر بوتفليقة لسدة الحكم، عندما قرر جنرالات الجزائر إيقاف المسلسل الانتخابي في الدور الثاني خلال التسعينيات، بعدما اكتسح إسلاميو جبهة الإنقاذ الإسلامية نتائج الانتخابات، وتزامن ذلك مع وجود بوادر قوية لقبول الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد مشاركة السلطة مع الإسلاميين، وكان ذلك ضد إرادة الجنرالات بالجزائر، فكان لهم القول الفصل فأجبروا الشاذلي بن جديد على الاستقالة، لتدخل الجزائر آنذاك دوامة الاقتتال الداخلي.
ويتحدث الكتاب كذلك عن الصراع الخفي بين أجنحة الحكم بالجزائر، ويظهر من معطياته أن بوتفليقة الذي تم استقدامه من جنيف في 1999 ليبدأ حكمه بعقلية جهوية، معطيًا الأفضلية لأبناء الغرب الجزائري على حساب بقية أبناء الجزائر، مما سمح أكثر بإرجاع ما كان يسمى بحكم “جماعة وجدة” للواجهة من جديد التي تمثل الإرث البومديني في الجزائر، على الرغم من أن سلطة العسكر لم تغب.
فضلاً عن تزوير الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان سنة 1999 التي فاز فيها بوتفليقة بأكثر من 74%، بعد المفاوضات التي فرض فيها بوتفليقة معدل النجاح في الانتخابات واشترط أن يكون أكبر من جميع سابقيه.
بوتفليقة لا يزال مُصرًا على قيادة الجزائر لولاية خامسة ولو على كرسي متحرك، أو حتى داخل نعشٍ مُكيف، فالجزائر بنظره لم تنجب من يوازيه أهلية في حكم البلاد، وكأن الله اختاره لهذا الشعب المسكين رئيسًا منقذًا فذًا لا بديل عنه.