تعدّ عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة للكثيرين واحدة من أكثر متع الحياة أهمّية، فهو الوقت الذي تسترخي فيه الأجسام وترتاح فيه العقول من التفكير بالعمل والدراسة والإنجاز. وهو الوقت الذي تجتمع فيه العائلة، وتقضي حاجاتها المنزلية، أو تذهب للخارج للقيام بالنشاطات الترفيهية وغيرها الكثير.
لكنّ عطلة نهاية الأسبوع ليست بهذه الورديّة عند الجميع. فالبعض من جهةٍ ثانية يشعر أنّ تقسيمة الأسبوع التي تجعلنا نعمل 5 أيام متتالية لنأخذ يومين استراحة نهاية الأسبوع ما هي إلا وسيلة أخرى من وسائل الحياة التي تجعلنا عبيدًا للرأسمالية والوقت وللساعة البيولوجية التي باتت منظّمة وفقًا لقوانين العمل والسوق. فكما هو معروف، تختلف ساعتنا البيولوجية خلال أيّام الأسبوع عن تلك خلال عطلة نهايته حيث السهر والترفيه والنوم لوقتٍ متأخر صباح اليوم التالي.
وممّا لا شكّ فيه، لم تكن فكرة عطلة نهاية الأسبوع معروفة عند الشعوب القديمة. ما يعني أنّها شكلٌ من أشكال الحداثة التي لحقت بالإنسان في هذا العصر، تمامًا مثل غيرها من أشكال التطوّر والتقدّم وما إلى ذلك. فما أصل هذه العطلة؟
الجمعة للمسلمين، الأحد للمسيحيّين، السبت لليهود
تعتمد التقسيمات التي استحدثها البشر للوقت على حركة كلٍّ من الأرض والشمس والقمر. فالأيام والسنوات جميعها يتم تحديدها بناءً على دوران كلٍّ من الأرض والشمس، أمّا الأشهر فتحدّدها حركة القمر ودورانه، ما يجعلنا نتساءل بالفعل كيف أصبح الأسبوع عبارة عن 7 أيام تتكرّر كل شهر 4 مرات على أقل تقدير.
كان البابليّون أول من قسّم الأسبوع إلى 7 أيام، ثمّ حافظت الشعوب اللاحقة على هذا التقسيم لكنّها اختلفت في تحديد بداية الأسبوع وفقًا لتعاليمهم أو تراثهم الدينيّ.
تخبرنا كتب التاريخ أنّ البابليّين، أي قبل 4000 سنة، كانوا أوّل من قسّموا الشهر إلى 4 أسابيع يحوي كلّ أسبوعٍ منها على 7 أيام. إذ اعتقدوا أنّ هناك 5 كواكب في النظام الشمسيّ قرّروا على إثرها إقامة طقوسهم الدينية اعتمادًا عليها، وأطلقوا على كلِّ يومٍ اسمًا من أسماء تلك الكواكب بالإضافة إلى الشمس والقمر.
لاحقًا، انتقل التقسيم الأسبوعيّ إلى الشعوب الأخرى مثل مصر واليونان وروما وغيرها. ومع الوقت وانتشار الديانات السماوية، حافظت الشعول على هذا التقسيم، لكنّها اختلفت في تحديد بدايته وفقًا لتعاليمهم أو تراثهم الدينيّ، فعند المسيحيّين يبدأ الأسبوع بيوم الأحد، فيما يبدأ اليهود أسبوعهم بيوم السبت. أمّا المسلمين، وعلى اختلاف ما يعتقد الكثيرون، فيبدأ أسبوعهم بيوم الجمعة.
من هذه النقطة، نستطيع القول أنّ الشعوب أو الدول المسلمة على سبيل المثال غالبًا ما تقوم باعتماد عطلتها الأسبوعية بين يومي الخميس والجمعة. فيما تعتمد الدول القائمة على التقاليد المسيحية يوميْ السبت والأحد لأجل ذلك. أمّا اليهود، خاصة في إسرائيل، فتكون عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت. لكنّ سؤالنا الأساسيّ قبل هذا، من أين أتت فكرة عطلة نهاية الأسبوع بشكلها الحالي الذي نعرفه؟
لإنتاجيةٍ أفضل صبيحة يوم الإثنين
نشأ مفهوم “عطلة نهاية الأسبوع” الحالي لأول مرة في شمال بريطانيا مع الثورة الصناعية، وتحديدًا في القرن التاسع عشر، إذ يُشير قاموس أكسفورد للّغة الإنجليزية إلى أنّ أول استخدام لمصطلح عطلة نهاية الأسبوع كان في عام 1879. أمّا الفكرة الأساسيّة فظهرت لاعتقاد أصحاب رؤوس الأموال ومالكي المصانع أنّ إجازة الموظّفين من بعد ظهر يوم السبت ولغاية مساء الأحد ستجعل منهم أكثر إنتاجيّةً وانتعاشًا في العمل صباح يوم الإثنين.
وجد أصحاب العمل في القرن التاسع عشر أنّه من الأفضل تمديد عطلة نهاية الأسبوع ليومين اثنين وذلك لمنح العمّال مزيدًا من الوقت للتعافي والتخلّص من آثار شرب الكحوليّات والمقامرة.
لكنّ التغيّر المفصليّ الأكبر كان عام 1926 حين بدأ هنري فورد بإغلاق مصانع السيارات الخاصّة به طوال يومي السبت والأحد، فيما نجح العمّال الأمريكيّون في استحداث تلك العطلة عام 1929، على إثر مطالبتهم بأنْ تكون أيّام عملهم الأسبوعية 5 أيّام فقط، وشيئًا فشيئًا انتشرت الفكرة في الولايات المتحدة بكاملها. ومع حلول عام 1940، أصبحت قوانين العمل في أمريكا تنصّ على أنّ الحد الأقصى لأسبوع العمل هو 40 ساعة، ما يستدعي تبنّي عطلة نهاية الأسبوع لتنظيم ذلك. وعلى مدار العقدين التاليين، أي في خمسينات وستّينات القرن الماضي، بدأت العديد من البلدان في العالم بتبنّي الفكرة للتوافق مع الأسواق الدولية
في كتابه “في انتظار عطلة نهاية الأسبوع“، يشير فيترتيد ريبشينسكي إلى أنّ أصحاب العمل وجدوا أنّه من الأفضل تمديد عطلة نهاية الأسبوع ليومين اثنين وذلك لمنح العمّال مزيدًا من الوقت للتعافي والتخلّص من آثار شرب الكحوليّات والمقامرة، وهي السلوكيات التي كانوا يلجؤون إليها في نهاية أسابيع العمل القاسية والصعبة.
من جهةٍ ثانية، يعتقد البعض أنّ فكرة نهاية الأسبوع جاءت أساسًا على إثر الثورة الصناعية، حيث سعت الدول والحكومات إلى توفير الطاقة المصروفة. فبدلًا من تشغيل الآلات وتحريكها لمدة 7 أيّام متتالية، أصبح بالإمكان مع عطلة نهاية الأسبوع تشغيلها لمدة 5 أيّام فقط، ما يعني إمكانية توفير قدرٍ جيّد من الطاقة.
القلق الناجم عن نهاية الأسبوع وبداية الذي يليه
يحاول علم النفس دومًا فهم دور التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحاصلة على نفسية الأفراد وعقولهم. في القرن العشرين، ظهر ما يعرف بمصطلح “الفراغ الوجودي” للإشارة إلى فقدان الفرد للشعور بأنّ حياته لها معنى وجدوى. وتمّ اعتبار الأمر ظاهرةٍ واسعة الانتشار تعبّر عن نفسها بأنها حالة من السأم والقلق، وليس فراغًا ناشئًا نتيجة خلوّ المشاغل والأعمال.
“متلازمة يوم الأحد” هي الشعور بالقلق والنفور من يوم الإثنين حيث تتمّ العودة للعمل أو للجامعة
وتشمل ظاهرة الفراغ الوجودي هذه ما يُعرف وفقًا للكثير من علماء النفس باسم “عُصاب يوم الأحد”، وهو نوع من الاكتئاب والقلق يصيب الأشخاص الذين يكونون على وعيٍ بخلو! حياتهم من المعنى والجدوى بعدما ينحسر اندفاع الأسبوع المزدحم بالمشاغل والأعمال، وتزداد حدّة هذا العُصاب يوم الأحد حيث يتعرّف الأفراد للانتكاس نتيجة الوحدة والفراغ والتفكير بالأعمال التي ستبدأ مع نهاية العطلة وبداية الأسبوع الذي يليها.
في واحدة من الدراسات، أظهر 78% من المشاركين أنّهم يعانون ممّا يعرف بقلق ليلة الأحد. وعلى الرغم من أنّ هذا القلق لم يأخذ اسمًا علميًا بعد، إلا أننا يمكن تعريفه بأنه قلق حاد يزحف إلى النفس عند إدراكها لنهاية عطلة نهاية الأسبوع وبدء أسبوع العمل الوشيك. من جهةٍ ثانية، يُطلق عليه البعض “متلازمة يوم الأحد“، وهي الشعور بالقلق والنفور من يوم الإثنين حيث تتمّ العودة للعمل أو للجامعة، بالإضافة إلى الشعور العام باليأس لفوات عطلة نهاية الأسبوع بسرعة دون أيّ إنجاز أو تحقيق ملحوظ.
بالنهاية، قد لا يكون القلق المرتبط بيوميْ الأحد والإثنين ليس سوى دليل على عدم قدرتنا على التصالح مع وظائفنا أو جامعاتنا التي تُشعرنا أنّ أيّامنا تمرّ دون معنىً أو جدوى، ما يزيد من شعورنا بالفراغ الوجودي، وهو إحباط داخليّ ينشأ من شعور الفرد بخلوّ حياته وأفعاله من المعنى وبفشله في تحقيق طموحاته واحتياجاته، وهو ما يُعرف بمشكلة العصر الحديث.