أصدر البنك المركزي الإيراني أول أمس السبت الثاني من مارس، بیانًا أعلن فیه عن دمج عدد من البنوك كخطوة أولية نحو دمج الغالبية العظمى من مصارف الدولة، كانت البداية بأربعة بنوك تم دمجها في بنك سبة، وهي : أنصار، وقوامین، وحكمة إيرانیان، ومهر اقتصاد، ومؤسسة کوثر الائتمانية.
تأتي هذه الخطوة استكمالا لقرار وزیر الدفاع الإيراني، العمید حاتمي، عن دمج هذه البنوك في سبتمبر الماضي، على أن تبدأ عملية الاندماج فعليًا بداية من مارس الحالي. ومن المتوقع أن يستكمل هذا الدمج خلال خمسة أعوام، فيما أشار البنك المركزي في بیانه أن هذه الخطوة هي “خطوة هامة نحو الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وسلامته”.
يذكر أن مسألة دمج البنوك في إيران ليست بالأمر الجديد، إذ سبق لطهران اللجوء لهذه الخطوة أكثر من مرة، أبرزها بعد نجاح الثورة الإسلامية في 1979، حين تأسس البنك التجاري من اندماج 12 بنكًا، وتأسس بنك سيباه أيضا من اندماج 10 بنوك.. لكن يبقى السؤال: هل تنجح عملية الاندماج هذه المرة في إنقاذ الاقتصاد الإيراني من كبوته؟
يأتي هذا التحرك في إطار بلورة التوجه الحكومي خلال العام الأخير نحو إحداث عملية دمج للبنوك، على أن تكون الأولوية للبنوك العسكرية
البنوك العسكرية.. البداية
وفق البيان الصادر عن البنك المركزي الإيراني والذي نشرته وكالة “فارس” فإن البنوك التي شملها قرار الدمج هي أنصار (يتبع الحرس الثوري بـ 600 فرع)، قوامين (قوات الأمن الداخلي وله 750 فرعا)، حكمت إيرانيان (الجيش الإيراني بـ 132 فرعا)، مهر اقتصاد (يتبع منظمة باسيج المستضعفين التابعة للحرس بـ 800 فرع)، ومؤسسة الكوثر للائتمان (وزارة الدفاع بـ 350 فرعا)، ومن المقرر أن تندمج هذه الفروع البالغ عدد عملائها 24 مليون شخص، في 1200 فرع تابعة لبنك “سبه”، لتشكل أكبر مصرف إيراني.
البنك وصف هذه الخطوة بـ “الهامة” نحو الحفاظ على استقرار النظام المصرفي وسلامته، لافتا إلى أنه قد تم وضع ترتیبات لموضوع المساهمین في البنوك العسکریة الإيرانية، وإن كان ليس من الواضح حتى الآن إن كان هذا الدمج سيؤدي إلى انسحاب المؤسسة العسكرية من المساهمة في هذه البنوك أم لا.
ويأتي هذا التحرك في إطار بلورة التوجه الحكومي خلال العام الأخير نحو إحداث عملية دمج للبنوك، على أن تكون الأولوية للبنوك العسكرية، وعليه فوّض المجلس الاقتصادي الأعلى المنبثق عن الرئاسات الثلاث (السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية) في وقت سابق، صلاحيات خاصة لرئيس المصرف المركزي، عبد الناصر همتي، لتنفيذ هذه الخطة، التي قال أكثر من مسؤول إنها تحظى بموافقة المرشد الإيراني الأعلى، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية.
إفلاس المؤسسات المالية في إيران وما تكبدته من خسائر لحقت بعملائها ونشاطها الداخلي ساهم بشكل كبير في إشعال الساحة الداخلية
ورغم انتماء تلك اللبنوك للجيش ومؤسساته المختلفة إلا أنها كانت تخضع لرقابة المصرف المركزي، وتقدم خدماتها للجمهور، فضلا عن خدماتها الخاصة للجهات العسكرية التي كان يتبع لها كل واحد من البنوك الخمسة، إلا أن الأمر سيتغير بعد عملية الدمج ، إذ من المفترض أن تتبع مباشرة للمصرف المركزي.
حالة من الجدل أثارها هذا القرار، وهو ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى طمأنة مودعي هذه البنوك، ودعاهم إلى عدم القلق، وأن “البنك المركزي قد اتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد”، وذلك على هامش مشاركته في المؤتمر السنوي للبنك المركزي فبراير الماضي.
تخوفات عدة صاحبت هذا القرار فيما يتعلق بتداعياته على المواطنين، إذ ذهب بعض المغردين إلى أن هذه الخطوة ستتطلب صرف مبالغ طائلة من جيوب محدودي الدخل، فيما حذر بعض الخبراء الاقتصاديين، في الأسابيع الأخيرة، من ارتفاع القاعدة النقدية وآثار هذه الإجراءات على التضخم، مشيرين إلى أن الحكومة ستضطر إلى طبع العملة النقدية لتوفیر تکالیف هذا الدمج.
تعاني العملة الإيرانية من هبوط كبير أمام العملات الأجنبية
خسائر كبيرة
من الدوافع الرئيسية وراء عملية الدمج ما تعرضت له تلك البنوك سالفة الذكر من خسائر خلال السنوات الماضية، حيث إن ديونها تعادل 97% من رؤوس أموالها، ما جعل الاستثمار فيها مجازفة كبيرة، ومن ثم كان لابد من هذه الخطوة قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة، حسب تقرير لموقع صحيفة إيران الرسمية.
رئيس نادي المؤسسات الاستثمارية، سعيد إسلامي بيدغلي، قال في حديثه للصحيفة إنه من ضمن الاتفاق بشأن عملية دمج البنوك العسكرية في بنك “سبه”، أن تتحمل القوات المسلحة جزءا من الخسائر التي تتكبدها هذه البنوك، خلال الفترة الماضية، وتتحمل الحكومة الجزء الآخر، فيما انتقد رئيس بنك “قوامين” التابع للشرطة الإيرانية، غلام حسين نتاج، الأربعاء الماضي، السماح بتأسيس بنوك غير حكومية في إيران.
يذكر أن إفلاس المؤسسات المالية في إيران وما تكبدته من خسائر لحقت بعملائها ونشاطها الداخلي ساهم بشكل كبير في إشعال الساحة الداخلية، الأمر الذي عزز من وضعية الاحتجاجات التي شهدتها مدن إيرانية في يناير 2018، الأمر الذي كان له تداعيات سلبية كبيرة، على رأسها ما تحملته الخزانة الوطنية بسبب هذا الحراك
وبحسب “فارس” تبلغ رؤوس أموال البنوك العسكرية الخمسة 3600 مليار تومان، (سعر صرف الدولار في السوق السوداء 13500 ألف تومان والرسمي 4200 ألف تومان)، تضاف إلى رؤوس أموال بنك سبه البالغة 12 ألف مليار تومان، ليصبح مجموعها 15600 مليار تومان، وهي أكبر رؤوس أموال يتملكها بنك إيراني في تاريخ البلاد، كما قالت الوكالة إن هذه البنوك الخمسة ليست عليها ديون من المصرف المركزي.
خسائر البنوك وراء قرار الدمج بحسب بيان المركزي
تحسين النظام المصرفي
وتأتي عملية الدمج في إطار محاولات من الحكومة الإيرانية لتحصين النظام المصرفي الذي يواجه أزمات عاصفة، حسبما أكد محافظ المصرف المركزي الإيراني، عبدالناصر همتي، خلال برنامج على القناة الثانية الإيرانية، لافتا إلى أن مشروع الدمج يهدف إلى إحداث تحوّل في نظام الصيرفة الإيرانية الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني بشكل أساسي.
همتي أضاف إلى أن توقيت هذا الإجراء يجعله ضمن هدف إيراني أكبر، وهو مواجهة العقوبات الأميركية التي كان في صلبها النظام المالي الإيراني في المرحلة الثانية التي دخلت حيز التنفيذ، في نوفمبر الماضي، وتابع “”إضعاف سوق النقد والعملة كان يمثل الهدف الرئيسي للعدو الأميركي”
كما أوضح أن لهذه البنوك 24 ملیون من اصحاب الودائع وتبلغ اجمالي مدخراتهم 2.15 الف تریلیون(الدولار=42 الف ريال) وتم التخطیط بحیث لا یحصل اي تغییر في كیفیة تسدید الارباح للمدخرین، معلنًا بأن تسهیلات هذه البنوك تبلغ 1.3 الف تریلیون ريال واضاف ان هذه التسهیلات مستمرة وفقا للعقود المبرمة كما ان الموظفین سیستمرون في اعمالهم بناء على عقودهم ایضا.
البنك المركزي في بيانه استعرض أهداف تلك الخطوة التي وصفها بالمشروع الوطني، على رأسها “إصلاح النظام المصرفي، وتنظيم سوق النقد، وكذلك توحيد إمكانيات وقدرات هذه البنوك، بغية جعلها أكثر فاعلية واستقرارا
وفي الإطار ذاته اعتبر روحاني أن حكومته “سرّعت وتيرة إصلاح هيكلية النظام المصرفي على ضوء الضغوط الاقتصادية التي يمارسها العدو، حيث ستتم قريبا عملية دمج بنوك تابعة للقوات المسلحة في مصرف واحد”، فيما عز وزير الاقتصاد، فرهاد دج بسند، دمج البنوك العسكرية إلى “تحقيق شفافية أكثر في البيئات الاقتصادية”، ما يوحي بأن الإجراء قد لا يكون بعيدا عن إصلاحات مالية مطلوبة لانخراط إيران في مجموعة العمل الدولية “FATF“، بغية تسهيل تعاملاتها المالية مع الخارج، وهو هدف تسعى حكومة روحاني إلى تحقيقه، بالرغم من خلافات داخلية حادة حول ذلك.
وقد منحت ” FATF ” مهلة جديدة لإيران للمرة الثالثة، حتى يونيو/حزيران المقبل، للقيام بإصلاحات لازمة وإقرار تشريعات ولوائح مطلوبة للانخراط في المجموعة، وكانت طهران قد قدمت سابقًا 4 مشاريع قوانين إلى البرلمان للانضمام إلى المجموعة تمت المصادقة على اثنين منها نهائيًا من قبل مجلسي الشورى الإسلامي وصيانة الدستور، إلا أن الجدل ما زال مستمرًا في دوائر صنع القرار الإيراني، بشأن الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب (CFT) ومعاهدة مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود “باليرمو”.
يذكر أن البنك المركزي في بيانه استعرض أهداف تلك الخطوة التي وصفها بالمشروع الوطني، على رأسها “إصلاح النظام المصرفي، وتنظيم سوق النقد، وكذلك توحيد إمكانيات وقدرات هذه البنوك، بغية جعلها أكثر فاعلية واستقرارا” وتبقى الأيام القادمة هي المحك الحقيقي لتقييم مدى نجاح هذه الخطوة التي يأمل من خلالها صناع القرار في طهران إلى تحسين نظامهم المالي بما يساعدهم على مواجهة العقوبات الأمريكية.