ترجمة وتحرير: نون بوست
العائلة والجنرالات ورجال الأعمال، تمكن هذا “الثلاثي” بقيادة شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة من الأخذ تدريجيًا بزمام السلطة في الجزائر. والآن، بدأ رجال الظل يرتجفون وراء البوابات العالية للقصور والأحياء الغنية في المرادية أو حيدرة الواقعة على مرتفعات العاصمة. ويراقب أمراء النظام الجزائري بقلق الانتفاضة المتواصلة، وهم يعلمون جيدا أن الشعب الجزائري لا يستهدف من خلال هذه المظاهرات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فحسب، بل من يحركه أيضا.
لكن لسائل أن يسأل: من يدير الجزائر من خلف الكواليس؟ ذكر الخبير في العلوم السياسية محمد هناد أن “هذا أهم سؤال يجب طرحه”، مشيرا إلى أن “النظام الجزائري يعد من أكثر الأنظمة غموضا وهو أشبه بالصندوق الأسود. وينغلق هذا الصندوق على عالم يضم عائلة بوتفليقة، والضباط السامين، والسياسيين، ورجال الأعمال المتوحشين؛ الذين يشكلون مع بعضهم مركز حلقة النظام”.
بعد موت بومدين سنة 1978، ظن عبد العزيز بوتفليقة أنه سيخلفه مباشرة في السلطة، ولكنه تعلم خلال العشرين سنة التي قضاها في المنفى أن لا يثق سوى بأسرته، وخاصة إخوته وشقيقته زهور
في سياق متصل، أفاد الخبير في العلوم السياسية حسني عبيدي بأن هذا “الثلاثي” بدأ يحل شيئا فشيئا مكان النظام المطلق لبوتفليقة، وحدث ذلك تحديدا عندما ظهرت على الرئيس بوادر المرض سنة 2000، قبل أن يجري في باريس عملية على قرحة المعدة سنة 2005″. وكما ذكر آنفا، يتكون هذا الثلاثي من العائلة والجنرالات ورجال الأعمال.
“سعيد أصبح صوت الرئاسة الوحيد”
بعد موت بومدين سنة 1978، ظن عبد العزيز بوتفليقة أنه سيخلفه مباشرة في السلطة، ولكنه تعلم خلال العشرين سنة التي قضاها في المنفى أن لا يثق سوى بأسرته، وخاصة إخوته وشقيقته زهور. وقد كرست زهور كل جهودها للاهتمام بشقيقها عبد العزيز منذ عودته القوية سنة 1999، وبمرور الوقت أصبحت تسهر على رعايته في مقر إقامته بزرالدة، حيث تستقر الحاشية في الضاحية الغربية للعاصمة. وفي سنة 2010، توفي مصطفى، الذي كان الطبيب الخاص لعبد العزيز بوتفليقة، بعد إصابته بالسرطان.
تكفل أشقاء “الريس” الثلاثة بالأعمال، ومن بين الأوفياء عبد الرحيم المعروف أكثر باسم ناصر، الذي يشغل منصب أمين عام وزارة التكوين المهني، وهو معروف بأنه “الأخ المقرب” لعبد العزيز. أما الثاني، فهو عبد الغني الذي ذاع صيته خلال السنوات الأخيرة، ولكنه بات اليوم متقاعدا بسبب معاناته طويلا من المرض. وقد تم تداول اسمه في قضية خليفة المدوية، وهي فضيحة مالية جدت سنة 2000 وجمعت بين الفساد واختلاس الممتلكات العامة. ووصفت وثيقة نشرت على موقع “ويكيليكس” سنة 2010 تحدثت عن فساد أشقاء الرئيس، عبد الغني بأنه “طائر جارح”.
سعيد وعبد العزيز بوتفليقة، في نيسان/ أبريل سنة 2014
لكن يبقى سعيد أقوى الإخوة الثلاثة، بما أنه يخلف مكان الرئيس. إن سعيد الرجل النحيل وصاحب النظرة الباهتة التي تذكر بنظرة شباب جيل شقيقه الأكبر، والذي ينادى “بسيدي الأخ”، يدير شؤون البلاد الحالية من خلف أسوار قصر زرالدة، ولكن إلى أي حد؟ وفقا لحسني عبيدي، أصبح سعي منذ إصابة عبد العزيز بوتفليقة بالسكتة الدماغية سنة 2013 “صوت الرئاسة” أو بالأحرى “المتحدث باسم الرئيس”، حتى أنه يتشاور مكان أخيه مع ضيوف الجزائر بما في ذلك رؤساء الدول والحكومات الأجانب.
الصراعات الداخلية تدور ضمن الجيش
أما القطب الثاني، فيتمثل في الجيش حيث يختبأ أصحاب الرتب الدنيا وراء الرتب العليا والأقوى نفوذا، خاصة رئيس هيئة الأركان أو رئيس جهاز المخابرات العسكرية (دائرة الاستعلام والأمن). وحسب المختص في العلوم السياسية، فإنه “في ظل الوضع الحالي، يعتبر رئيس الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، الشخص الذي أرسى اليوم هذه الاتفاقية مع الرئيس بوتفليقة”. ولا يفوت هذا الرجل العسكري صاحب الشارب الخفيف والابتسامة النادرة أي فرصة لمهاجمة خصوم بوتفليقة.
الجنرال أحمد قايد صالح، في أيار/ مايو سنة 2014
تدور ضمن الجيش صراعات داخلية، فمنذ عدة أشهر، سقطت رؤوس بما في ذلك أسماء مرشحة لخلافة بوتفليقة، من أبرزهم الجنرال عبد الغني هامل، الذي يعتبر من بين أهم الشخصيات على رقعة الشطرنج السياسية. وتزامنا مع قضية الكوكايين، أقيل هامل من منصبه على رأس المديرية العامة للأمن الوطني خلال شهر حزيران/ يونيو سنة 2018.
تختلف الآراء داخل هذه البوتقة الأمنية حول الدور الذي تلعبه دائرة الاستعلام والأمن. ويرى العديدون أن دور البوليس السياسي قد تراجع منذ “تقاعد” الجنرال محمد مدين، المعروف باسم “توفيق”، الذي قاد هذا البوليس السياسي على امتداد ربع قرن. ووصفت الصحافة قطع هذا الرأس (أي توفيق) في ذلك الوقت بأنه “ضربة معلم” لحاشية بوتفليقة، حيث تحدثت صحيفة “الوطن” وصحيفة “الأخبار” عن “سقوط أسطورة” وعن “نهاية حقبة”.
وفقا لحسني عبيدي، يتمثل القطب الثالث في “مجموعة المصالح، إذ ازدهرت أعمال بعض رجال الأعمال بسبب سوء إدارة عبد العزيز بوتفليقة”
في المقابل، يرفض البعض على غرار المختص في العلوم السياسي، محمد هشماوي تصديق “هذه القصة الوهمية” المنافية للواقع. وأكد هشماوي أن “تأسيس الدولة العميقة ساهم أكثر من أي وقت مضى في إحكام قبضتهم على صلاحيات القرار والتنفيذ في الدولة”. وأضاف هذا الباحث أن “هذه الصورة الزائفة حول تدمير الدولة العميقة، تعد آمن وسيلة للاستعداد لمرحلة ما بعد بوتفليقة”.
عقود عمومية مثمرة، تدفقات نقدية خارج البلاد
وفقا لحسني عبيدي، يتمثل القطب الثالث في “مجموعة المصالح، إذ ازدهرت أعمال بعض رجال الأعمال بسبب سوء إدارة عبد العزيز بوتفليقة”. ولا يخفي العديد من أصحاب الشركات اليوم علاقتهم بالنظام. وهذا هو الحال خاصة مع رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائريين، علي حداد، الذي اعترف بصداقته مع سعيد بوتفليقة “ومسؤولين مدنيين وعسكريين آخرين”.
لكن هذا الأمر يشكل خطرا أقل على النظام، ذلك أن هذا المختص في البناء والخدمات يساهم في العديد من المشاريع الجزائرية على غرار تشييد الملاعب والطرقات السريعة. ومنذ سنة، منحت الدولة شركة “مجموعة حداد” مناقصة بناء سد هيدروليكي في منطقة سيدي خليفة، في شمال شرق البلاد.
رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائريين، علي حداد، في تشرين الأول/ نوفمبر سنة 2014
لا يزال رضا كونيناف رجل أعمال رئيسي في النظام الجزائري. ويتصدر هذا الرجل، البالغ من العمر أربعين سنة، قائمة أهم أثرياء الجزائر. وتفيد بعض الإشاعات بأنه يستعد لإطلاق قناة تلفزيونية مؤيدة لبوتفليقة. وتم تداول شائعات أخرى منذ سنتين تفيد بأن كونيناف مستعد لتمويل حملة عبد العزيز بوتفليقة الرئاسية، وحملة سعيد بوتفليقة إذا فكر في خلافة أخيه.
من جهته، أشار محمد هناد إلى أن “ما يحكم الجزائر اليوم هو “العلاقات التجارية” التي توحد هؤلاء الرجال في المقام الأول”. وبسبب العقود العمومية المثمرة والتدفقات النقدية خارج البلاد والتسهيلات الإدارية، أضحت الجزائر واحدة من أكثر الدول فسادًا في التصنيف العالمي لمنظمة الشفافية الدولية، لتحل المرتبة 105 من أصل 180 دولة إلى جانب كل من مصر والسلفادور. وهذا يعني أن الجزائر يديرها نظام فاسد قائم على اختلاس أموال النفط والغاز.
خلال سنة 2016، تحدثت فضيحة “وثائق بنما”، التي كشف عنها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، عن تورط النظام الجزائري في الفساد. كما كشف مكتب موساك فونسيكا للمحاماة عن وجود شبكة معقدة لتوزيع الرشاوى لصالح النخبة الجزائرية، يتورط فيها وزير الطاقة السابق شكيب خليل.
في الوقت الذي يحتج فيه الجزائريون اليوم ضد المحسوبية والفساد، هل يمكن أن يكون الانتقال في السلطة أمرا ممكنا؟ يتوقع حسني عبيدي أن صناع القرار في الجزائر اختاروا مرة أخرى بوتفليقة للترشح لانتخابات 18 نيسان/ أبريل، لأنه ليس هناك أي شخصية أخرى قادرة بالنسبة لهم على تقديم ضمانات للحفاظ على حصانة من هم الآن في السلطة.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور