مع بدء الغزو الأمريكي للعراق في منتصف مارس/آذار 2003، تغير حال العراق إلى غير رجعة، تغير ما زالت آثاره تظهر على أحوال العراقيين وما سببته سنوات ما بعد الغزو من مآسٍ ما زالت تجلياتها مستمرة، ولعل أكثر الملفات إشكالاً بعد الغزو هو ملف الحدود العراقية السورية، التي لم تكن تعد في يوم من الأيام مشكلة بين الجانبين العراقي والسوري.
إذ إن هذه الحدود شهدت مرور آلاف المقاتلين العرب والأجانب الذين دخلوا لمقاتلة القوات الأمريكية والعراقية عقب الغزو، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، لم تنجح أي قوة عسكرية عراقية أو أمريكية في السيطرة على هذه الحدود، وظلت تشكل نقطة ضعف أمنية في المنظومة الأمنية العراقية، حتى سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عليها وربط مناطق سيطرته في العراق وسوريا.
كم يبلغ طول الحدود المشتركة؟
حدود طويلة تمتد لمئات الكيلومترات، يزيدها تعقيدًا الارتباط العشائري بين القرى المتاخمة للحدود من الجانبين، إذ يبلغ طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا 605 كيلومترات.
يمتلك العراق ثلاثة منافذ حدودية مع سوريا، وأهمها منفذ ربيعة (العراقي) – اليعربية (السوري) الذي يقع في الجزء الشمالي من الحدود ويتبع محافظة نينوى العراقية، فيما يعد منفذ القائم (العراقي) – ألبو كمال (السوري) المنفذ الرئيسي بين البلدين
تعد الحدود العراقية السورية إحدى إفرازات معاهدة سايكس بيكو التي قسمت دول المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا، فما هي إلا خطوط وهمية موضوعة على خريطتي البلدين، دون أن يكون لها أي واقع على الأرض، فالجزء الأعظم من الشريط الحدودي بين العراق وسوريا عبارة عن أراضي سهلية منبسطة تمتد لمئات الكيلومترات، يستثنى من هذا الوصف منطقة حدودية صغيرة في محافظة الأنبار تتميز بوعورتها وصعوبة المرور فيها، ودائمًا ما كانت تستخدم قبل الغزو في تهريب الممنوعات بين العراق وسوريا.
يمتلك العراق ثلاثة منافذ حدودية مع سوريا، وأهمها منفذ ربيعة (العراقي) – اليعربية (السوري) الذي يقع في الجزء الشمالي من الحدود ويتبع محافظة نينوى العراقية، فيما يعد منفذ القائم (العراقي) – ألبو كمال (السوري) المنفذ الرئيسي بين البلدين الذي يقع في محافظة الأنبار.
ما القوات المسيطرة على الحدود العراقية السورية؟
تغير حال الحدود العراقية السورية كثيرًا ولأكثر من مرة خلال السنوات الأربعة الماضية، إذ إنه وبعد استعادة القوات العراقية السيطرة على كامل المساحات التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش باتت الحدود العراقية السورية من الجانب العراقي مقسمة بين أكثر من جهة.
تنتشر البيشمركة الكردية في بعض أجزاء الحدود الشمالية للعراق، فضلاً عن انتشار كثيف في منطقة سنجار لمسلحي حزب العمال الكردستاني التركي الذي تعده أنقرة إرهابيًا
إذ ينتشر أكثر من 100 ألف مقاتل عراقي من الفرق العسكرية العراقية وهي السابعة والعاشرة والثانية عشرة وقوات حرس الحدود والشرطة الاتحادية والوحدات الخاصة، فضلاً عن الفصائل المسلحة التي تتبع قيادة عمليات الحشد الشعبي، التي يربو عددها على الـ30، وكل هذه القوات في المناطق الحدودية التي تقع خارج إقليم كردستان، إذ تنتشر البيشمركة الكردية في بعض أجزاء الحدود الشمالية للعراق، فضلاً عن انتشار كثيف في منطقة سنجار لمسلحي حزب العمال الكردستاني التركي الذي تعده أنقرة إرهابيًا.
وبحسب موقع Liveumap الذي يقدم تحديثًا يوميًا لوضع الحدود العراقية السورية، فإن الجزء الأعظم من الشريط الحدودي السوري مع العراق يخضع للمقاتلين الأكراد أو ما يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، فيما تسيطر قوات النظام على بعض أجزائه، في الوقت الذي تظل فيه بقية الشريط الحدودي بحكم المضطربة عسكريًا ولا تخضع لسيطرة جهة محددة.
هل ستشهد الحدود العراقية السورية هدوءًا قريبًا؟
يقول أستاذ العلوم السياسية رياض الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست” إنه وعلى مدى أكثر من 15 عامًا، لم تشهد الحدود العراقية السورية أي هدوء، فالفترة التي سبقت الانتفاضة السورية، كانت الحكومة السورية تتهاون مع المقاتلين العرب الذين يتسللون عبر الحدود لتنفيذ عملياتهم في الأراضي العراقية، ويضيف الزبيدي أن الموقف السوري آنذاك كان ينطلق من مبدأ دفع الضرر عن سوريا وشل أي تفكير أمريكي باحتمالية غزو مشابه للعراق.
ويعتقد الزبيدي أن الجهد الأكبر لتأمين الحدود المشتركة بين البلدين سيقع على الجانب العراقي ولسنوات عديدة قادمة، فالفوضى السورية ما زالت قائمة وأفق الحل النهائي قد يطول.
يبدو أن ملف الحدود العراقية السورية لن ينتهي قريبًا، بحسب الكاتب السياسي يحيى الكبيسي الذي يشير في مقال له إلى أن ثمة مؤشرات كثيرة على أن هذه الحدود ستكون موضع صراع حاد بين أطراف دولية ومحلية، الأمر الذي سيبقي الجدل بشأن حدود سايكس بيكو ومستقبلها قائمًا، لافتًا إلى أن تنظيم الدولة “داعش” ما زال يشكل خطرًا قائمًا لم ينته بعد، وفي جانبي الحدود.
الجهد الأكبر من مسك الحدود بين البلدين سيقع على الجانب العراقي
وأشار الكبيسي إلى أنه ثمة ثلاثة فاعلين دوليين وإقليميين رئيسيين في هذا الصراع الحدودي، وهم كل من: الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيران، وثمة فواعل محليين وغير محليين، ينازعون الموقف الرسمي للعراق وسوريا، ولكل من هؤلاء رؤيته الخاصة وإستراتيجيته التي نادرًا ما تلتقي في موقف واحد، بحسبه.
تشير كثير من التقارير المحلية والغربية إلى أن الولايات المتحدة تعمل على إنشاء عدة قواعد عسكرية في الجانب العراقي من الحدود العراقية السورية وخاصة في الجزء الذي يتبع محافظة الأنبار، إذ وصلت تعزيزات عسكرية أمريكية من آليات ومدافع وأسلحة ثقيلة إلى منطقة التنف 490 كيلومترًا غرب مدينة الرمادي.
وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية قد نقلت عن قائد عسكري أمريكي سابق قوله إن الإدارة الأمريكية تدرس خطة لإبقاء بعض قواتها في قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا، في ظل خطة الانسحاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كاشفًا أن منطقة التنف تعد نقطة ارتكاز حاسمة في الجهود الأمريكية الرامية لمنع إيران من إنشاء خط اتصال بري من إيران إلى سوريا ولبنان عبر العراق.