على أرضية الملعب بالعاصمة نواكشوط أطل الرجل الثاني في البلاد ووزير الدفاع الحاليّ محمدو ولد الغزواني على الموريتانيين معلنًا عزمه خوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو/حزيران المقبل بعدما أعلن رفيقه وشريكه في الانقلابات العسكرية الرئيس الحاليّ للبلاد محمد ولد عبد العزيز أنه لن يترشح لولاية ثالثة وسيحترم الدستور.
ولد الغزاوني أطل على الموريتانيين بوجه آخر غير معهود عن الجنرالات فبدا خطيبًا فصيحًا يتحدث بلغة سلسلة وسليمة وحاول الرجل ملامسة وجدان المواطن العادي من خلال جلوسه بجانب أمه وأظهرته الصور وهو يقبل يديها في الملعب خلال إعلانه الترشح، في مشهد من مشاهد البروباغندا السياسية والديماغوجية التي يتقنها جنرالات موريتانيا.
وزير الدفاع محمد ولد الغزواني
رسائل خطاب الترشح
اللقطات المقصودة أريد لها أن تصل للشارع الموريتاني، الجنرال البار بوالدته سلسل اللسان الذي يمد يده إلى الوطن والجميع، في خطاب حمل العديد من الرسائل والوعود.
رفيق الجنرال الغزواني الرئيس الحاليّ للبلاد محمد ولد عبد العزيز كان قد قدم نفسه إبان الانقلاب على أول تجربة مدنية عام 2009 كرئيس للفقراء وقائد النهضة الجديدة
غير أن الجنرال تناسى أننا نعيش في عصر المعلومات والتكنولوجيا الحديثة وأن العالم أصبح قرية واحدة ولم تعد تلك اللقطات والوعود تنطلي على الشعوب التي تريد من ينهض بها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا لا من يلامس وجدانها ويحرك عواطفها ومشاعرها.
كما أن رفيق الجنرال الغزواني الرئيس الحاليّ للبلاد محمد ولد عبد العزيز كان قد قدم نفسه إبان الانقلاب على أول تجربة مدنية عام 2009 كرئيس للفقراء وقائد النهضة الجديدة التي لم ير منها الموريتانيون شيئًا غير زيادة نسبة الفقر وتدهور قطاع التعليم والصحة وانهيار الاقتصاد، ولم تنجح الصور الجذابة في التخفيف من معاناتاهم.
ترشح وزير الدفاع الحاليّ وأحد قادة الانقلابات العسكرية أثار الكثير من التخوفات لدى قطاع واسع من الشارع الموريتاني، لأسباب عديدة: أولها: التقارب بين الرئيس الحاليّ والجنرال ولد الغزواني فهو رفيقه منذ الإطاحة بالرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي حكم البلاد عشرين عامًا قبل أن يطيح به المجلس العسكري بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز في انقلاب أغسطس الشهير عام 2005، وكان ولد الغزواني نافذًا يومها في المجلس، كما شارك الرجل في الانقلاب على أول تجربة مدنية في البلاد وساعد ولد عبد العزيز في تجاوز الأزمة يومها، ويخشى أن تكون سياسة الرجل مشابهة لرفيقه لو وصل للسلطة، فيصبح الأمر أشبه بالاستنساخ واستنساخ التجارب أقرب للعودة بالبلدان لنقطة الصفر وذلك حال موريتانيا منذ دخولها عصر الدبابة عام 1979.
العلاقة بين وزير الدفاع والرئيس الحاليّ للبلاد
ثانيًا: أن يكون الأمر مجرد صفقة بين الجنرالين وتبادل للأدوار وتمهيد لعودة الجنرال ولد عبد العزيز للحكم عن طريق انقلاب عسكري أو أن يلعب الغزواني دور المحلل الشرعي حتى يصبح من حق رفيقه الترشح لولاية ثالثة كما حدث في روسيا بين فلاديمير بوتين ومدفيديد.
ثالثًا: عدم الخبرة السياسية والطباع العسكرية التي يتسم بها الجنرالات خاصة في القارة الإفريقية، كأن يتحول الرجل الذي بدا طيبًا وهادئًا في خطابه إلى مستبد آخر يحكم البلاد عقود ويعيدنا للانقلابات العسكرية.
مؤشرات على ترشح وزير الدفاع
رابع الأسباب: هي الطريقة التي قدم بها حتى بدا الأمر كفيلم شاهدناه في العرض الأول وسنتابعه عندما يعرض على التليفزيون، فالرجل ارتقى في نوفمبر من العام 2018 من قائد الأركان إلى وزارة الدفاع وبدأ يبسط يده ولمع اسمه في الصحف والشاشات الموريتانية خلال فترة وجيزة، وزادت التعيينات والترقيات العسكرية منذ توليه قيادة الجيش، فارتقى أكثر من 20 ضابطًا لرتبة جنرال في أشهر قليلة وهو أمر لم تشهده الأنظمة العسكرية المتعاقبة على موريتانيا من قبل وربما قل في نظيراتها الإفريقية.
ومع موجة المأمورية الثالثة التي ضجت في موريتانيا وسخط الشارع إبانها ورفضه إياها تراجع الجنرال الرئيس الحاليّ للبلاد راغبًا أو راهبًا، وقيل يومها إن وزير الدفاع محمدو ولد الغزواني في طريقه للترشح للرئاسة وبدا الفيلم العسكري مكتوبًا بطريقة ساذجة جدًا ومكشوفًا.
أما عن فوز الجنرال ولد الغزواني بالرئاسة، فالجميع يجزم جزم العارف كيف تدار سياسة البلد، إنها محسومة له قبل أن تبدأ
وزاد الأمر وضوحًا خطابه ومحاولاته تحريك العواطف عن طريق الصور، فالفرق شاسع بين أن يبر الجنرال والدته وأن يبر بالوطن حالاً وسياسة وقيادة ورؤية وتخطيطًا ومواطنين، ذلك مما قاله الناس عن المرشح الجنرال خليفة الجنرال الرئيس، حين شاهدوه يقبل أمه في المدرجات وينظر للكاميرات كي تأخذ اللقطة وتوزعها على وسائل التواصل والإعلام وكأنها جزء من اللعبة السياسية.
موقف المعارضة الموريتانية
هذا حال الشارع الاجتماعي، فماذا عن حال الشارع السياسي في موريتانيا والحديث هنا عن المعارضة المغلوبة على أمرها المختلفة في سياساتها والتائهة في أمر تقديم مرشح موحد من مقاطعة الأمر برمته، فأما عن فوز الجنرال ولد الغزواني بالرئاسة، فالجميع يجزم جزم العارف كيف تدار سياسة البلد، إنها محسومة له قبل أن تبدأ، وذلك من كتاب تاريخ الانقلابات والانتخابات في موريتانيا حاضرًا وماضيًا مفتوح لمن أراد أن يقرأه، فليسأله من يعولون على التداول السلمي للسلطة في البلاد: عن حظوظ الجنرالات حين يترشحون للانتخابات في بلدان تحكمها الجيوش وتدار خلف القصور المغلقة.
إنها مورتانيا في سنينها الحاليّة بين استنساخ التجارب وتبادل الأدوار في لعبة يتقنها الجنرالات فقط وممنوع الاقتراب منها أو التشكيك فيها.