ترجمة حفصة جودة
في ليلة الأحد أعلن عبد الغني زعلان مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة – البالغ من العمر 82 عامًا – ترشحه رسميًا لولاية خامسة، وأعلن زعلان نية الرئيس للتنحي بعد عام إذا فاز في الانتخابات الرئاسية.
كان من المفترض أن يرضي هذا الإعلان آلاف الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ 22 من فبراير للتظاهر ضد الولاية الخامسة للرئيس المريض الذي طار إلى سويسرا قبل أسبوع من أجل فحوصات طبية روتينية، لكن بعد عدة دقائق من الإعلان خرج آلاف الناس للتظاهر مرة أخرى ليعلنوا رفضهم لهذا التنازل غير المقنع.
تصميم وغضب
تعد هذه التظاهرات سلسلة فريدة من نوعها لم تشهدها البلاد منذ 1990، وقد شاركت بنفسي في تلك الاحتجاجات ولاحظت الغضب والتصميم الذي كان واضحًا بين الجزائريين، يشغل بوتفليقة كرسي الحكم منذ عام 1999، لكن الجزائريين سأموا من معاملة السلطات لهم كأنصاف بشر وأنصاف مواطنين.
خلال التظاهرات كانت هتافات الجزائريين تدعو للسلمية
لقد تعبوا وخجلوا من تمثيل هذا الرئيس – المريض منذ فترة وغير القادر على المشي – لهم، ويرى ملايين الجزائريين أن الولاية الخامسة أمر غير منطقي، فقد قال لي أحدهم بنبرة فكاهية المعروف بها الجزائريون: “إننا نرفض أن يحكمنا إطار”، إشارة إلى الصورة الفوتوغرافية التي يضعها المسؤولون لبوتفليقة في الأحداث المهمة لعدم قدرته على الحضور بنفسه.
لا للعهدة الخامسة
رغم أن شكاوى الجزائريين متعددة فإن مطالبهم واضحة الآن ومركزة: لا لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة ورحيل أخواته وحاشيته وداعميه في السلطة، ومع ذلك فهم سيتغيرون بمرور الوقت.
هتف المتظاهرون برحيل بوتفليقة حيث قالوا بلهجة البلاد: “بوتفليقة ماكش الخامسة” (أي بوتفليقة لن يكون لك ولاية خامسة)، وقالوا “لا لبوتفليقة ولا لسعيد” إشارة إلى شقيقه الذي يعتقدون بشدة أنه من يدير البلاد، كما هتفوا أيضًا “الجزائر جمهورية مش مملكة”.
ما زال الشباب وكبار السن في الجزائر يتذكرون العقد الأسود في التسعينيات، لذا فهم يدركون جيدًا مخاطر العنف، ونتيجة لذلك فخلال التظاهرات كانت هتافاتهم تدعو للسلمية، فقد قالوا: “سلمية سلمية” وعند مرورهم بحاجز شرطة يهتفون “الشعب والشرطة إخوان أخوان” وهتفوا أيضًا “يا البوليس متديريش العيب”.
كانت المظاهرات متحضرة للغاية ولم يستخدموا العنف أبدًا، كما أن المتظاهرين جلبوا معهم أكياس القمامة لجمع زجاجات المياه والعصائر الفارغة التي يحملونها.
نداء الشعب
عند المرور بجوار مستشفى الحروق في شارع باستور توقف المتظاهرون عن الهتاف حتى لا يزعجوا المرضى، كما قاموا بالأمر نفسه عند مرورهم بجنازة في تيلملي وسط الجزائر، أصرّ المتظاهرون على عدم استفزاز الشرطة مهما حدث، ورغم وقوع بعض أحداث العنف في نهاية اليوم فإنه كان أمرًا استثنائيًا وليس القاعدة.
متظاهرو الجزائر يقولون لا لعهدة خامسة لبوتفليقة
كان عزم الجزائرين قويًا بقدر سخطهم، ومن الصعب للغاية أن يبدأوا بالعنف، لقد كان تحركهم خلال البلاد من مختلف الأجيال والطبقات أمرًا حقيقيًا، وخلال المظاهرات رأيت شابًا في منتصف العمر وكذلك مسنًا على كرسيه المتحرك، إنها دعوة لكل الناس من مختلف الأعمار والطبقات ومن جميع الولايات الجزائرية، وإذا استمرت المظاهرات مركزة ومنظمة وحاشدة ومطالبها واضحة فقد يحدث التغيير وتصبح حركة اجتماعية ناجحة.
ما يجب القيام به
لكي يحدث التغيير يجب أولًا أن تكون المطالب واضحة بطموح واحد محدد ألا وهو طرد بوتفليقة وعشيرته ومؤيديه من السلطة، ثانيًا؛ يجب أن نحافظ على تلك التعبئة والحشود بشكل متنوع من مختلف أطياف الشعب، من معلمين ومحامين وطلاب وعاطلين.
ثالثًا؛ يجب أن يستمر النهج السلمي والمدني لإقناع المزيد من الجزائريين بالانضمام وتأكيد أن تلك التظاهرات حركة اجتماعية، فأي أحداث عنف ستبعد المشاركين عن المظاهرات وكذلك من هم بحاجة للاقتناع، كما سيصبح من الصعب على المتظاهرين كسب الدعم المحلي والحفاظ على صورة جيدة للتظاهرات أمام المجتمع الدولي.
أصبحت الدولة مثقلة بالديون، كما وصل معدل التضخم إلى 5%
عصيان ضد النظام
بالنسبة للنظام فهو لم يعد قادرًا على شراء السلام الاجتماعي مثلما حدث في 2010 عندما كان يملك احتياطيًا ضخمًا من العملات الأجنبية ليحتل المركز الثامن على العالم، ومنذ منتصف 2014 كان هناك انخفاض في سعر النفط وتقلص مخزون الاحتياطي الأجنبي من 194 مليار دولار إلى 96 مليار دولار، كما أن الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي أصبح منخفضًا للغاية حيث وصل إلى 2.3%، وبلغ عجز الموازنة 9.2% من إجمالي الناتج المحلي وأصبحت الدولة مثقلة بالديون، كما وصل معدل التضخم إلى 5%.
يحاول النظام ألا يفقد ماء وجهه، ويشهد على ذلك التصريحات المختلفة لرئيس الوزراء أحمد أويحيى ومدير حملة بوتفليقة السابق عبد المالك سلال، كان سلال قد قال قبل تنحيه هذا الأسبوع بينما كانت الشوارع تغلي وتثور ضد الولاية الخامسة: “بوتفليقة يملك الآن شعبية أكثر من شعبيته في 2014”.
إن اقتراح مدير حملة بوتفليقة الجديد بمنحه سنة واحدة قبل تنحيه وذلك بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية لهو أمر مثير للسخرية ويظهر ضعف القيادة وتفككها، فالحديث المتكرر عن تلك الإعلانات بعيد المنال لن يكون كافيًا لتهدئة غضب الجزائريين، إنه يثير ازدراء النظام الذي تسبب في خروج تلك الحشود، إنه احتقار واشمئزاز من النظام الذي منح الجزائريين القوة لأن يقولوا “هذا يكفي، لا للمزيد”.
المصدر: ميدل إيست آي