تأتي جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية، التي استهلها بزيارة قطر ثم السعودية مختتما آخر محطاته في الكويت، في إطار مساعي موسكو لتحريك المياه الراكدة في الملف السوري وعودة دمشق إلى الحضن العربي مجددًا بعد غياب استمر 7 سنوات.
الزيارة وإن جاءت تحت شعار الحل السوري إلا أن توقيتها يذهب إلى ماهو أبعد من ذلك، إذ تأتي بعد أقل من أسبوع على جولة مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، جاريد كوشنر، للمنطقة، وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو للشرق الأوسط.
تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة ربما يكون العنوان الأشمل لتلك الجولة الثلاثية، إلا أن حقيبة لافروف حبلى بالملفات الإقليمية الشائكة التي تأمل موسكو في تحريكها عبر حزمة من التفاهمات بين الدول محط الزيارة، فهل ينجح وزير الخارجية الروسي في تحقيق الأهداف المنشودة من وراء تلك الزيارة؟
الأزمة السورية والعودة للحضن العربي
تصدر الملف السوري جدول أعمال زيارة لافروف، حيث استحوذت كافة المباحثات التي أجراها الوزير مع نظراءه في الدوحة والرياض والكويت، حول بحث عودة العلاقات الروسية العربية مرة أخرى، والحديث عن مستقبل الأزمة في ضوء عدد من التفاهمات بين المعارضة والنظام والأطراف الوسيطة.
موقع “نيوز ري” الروسي في تقرير له تحدث عن التزام روسيا بمشاركة دول الخليج في حل النزاع السوري بشروطها الخاصة، قائلا إن “إحياء الممالك العربية لعلاقاتها مع سوريا سوف ينمي من نفوذ بشار الأسد ويمنح موسكو فرصة للضغط على إيران، على الرغم من أن الضغوط الأمريكية تصعب على الأسد الخروج من عزلته الدبلوماسية”.
ليس من المستبعد أن تدعو موسكو السلطات العربية لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية كاملة مع دمشق
لافروف وخلال لقاءه بنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مستهل جولته الخليجية، أفاد بأنه لا يستبعد توسيع دائرة المراقبين في إطار محادثات أستانا، وردا على الأسئلة الموجهة إليه من طرف الصحفيين بشأن مناقشة إنشاء مجموعات عمل لحل النزاع السوري مع وزير الخارجية القطري، نفى لافروف ذلك مشككا في الحاجة إلى مثل هذه الآلية.
الموقع لفت إلى أنه ليس من المستبعد أن تدعو موسكو السلطات العربية لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية كاملة مع دمشق، فيما نقل عن مدير مركز الدراسات الإسلامية بمعهد التنمية الابتكارية، كيريل سيمينوف، أن “موسكو تريد من دول الخليج أن تستعيد العلاقات الدبلوماسية مع دمشق مثلما فعلت أبوظبي، ثم إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتهتم روسيا بمشاركة دول الخليج العربي في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب رغم وجود العديد من العوائق التي تحول دون ذلك، على غرار الوجود الإيراني ومشاركة تركيا، وإمكانية التعرض للعقوبات الأمريكية”.
آل ثاني أشار في تصريحاته إلى أن التوصل لحل سياسي في سوريا هو الخيار الوحيد للبلد الذي مزقته الحرب، كما دعا للوحدة في ليبيا، وفيما يتعلق باتفاق التعاون الدفاعي بين البلدين، قال إنه لم يُتخذ قرارٌ بعد بخصوص شراء قطر نظام “إس 400” الدفاعي الصاروخي الروسي، في حين قال لافروف إن بلاده تتمسك بتنفيذ اتفاق التعاون الدفاعي مع قطر مشيرًا إلى قبول الرئيس فلاديمير بوتين الدعوة لزيارة قطر على أن يتم الاتفاق على موعدها.
بدوره قال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية “ٍسابق لأوانه“، كما أشار إلى عدم وجود تغيير في الموقف السعودي تجاه فتح السفارة السعودية في دمشق، بينما أكد وزير خارجية الكويت، صباح الخالد الحمد الصباح أن “بدء العملية السياسية في سوريا وعودتها إلى أسرتها العربية سيسعدنا كثيرا في دولة الكويت”
لافروف خلال مؤتمر صحفي عقب لقائه مع نظيره الكويتي قال: “عندما نتحدث عن الاتفاق في القضايا الرئيسية للتسوية السورية، فإننا نقصد أولا، المملكة العربية السعودية وروسيا والعديد من الدول المعنية الأخرى تسعى إلى القضاء على الإرهاب في الأراضي السورية بشكل تام. وثانيا، فإن السعودية، مثلنا ترى أنه من المهم ليس إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، فحسب بل والمساعدات الرامية إلى تهيئة الظروف لعودة اللاجئين”.
أمير قطر خلال استقباله وزير الخارجية الروسي
الوساطة الخليجية الفلسطينية
أبدت موسكو استعدادها للقيام بدور الوساطة لحلحلة الأزمة الخليجية وتحريك المياه الراكدة في الملف الفلسطيني، ففي حديث وزير الخارجية الروسي مع نظيره القطري أبدى الأخير استعداد بلاده الدخول في حوار من أجل حل الأزمة الخليجية، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه “لا يوجد خطوات تثبت تغيير دول الحصار لمنهجيتها في التعامل مع الأزمة”.
وزير الخارجية القطري وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد مع لافروف قال “إننا جاهزون للدخول في حوار إيجابي عقلاني وبناء بشأن الأزمة الخليجية” وهو الأمر الذي رحب به الجانب الروسي مبديا نيته في القيام بدور الوساطة قبيل التوجه إلى محطته الثانية وهي الرياض.
إن كانت الجولة تحمل إعلاميا شعار الملف السوري إلا أن الواقع يذهب إلى ماهو اكبر من ذلك، فالمصالح الروسية في المنطقة وتعزيز نفوذها في مواجهة النفوذ الأمريكي هو الإطار الأعم والأشمل
وعلى الصعيد الفلسطيني قال وزير الخارجية الروسي إن بلاده مستعدة لاستقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو لبدء حوار دون شروط مسبقة، مضيفًا من الرياض أن هناك محاولات جارية لحذف كل ما تم التوصل إليه دوليا بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، معتبرا أن ما يجري هو تقديم التطبيع بين العرب وإسرائيل، ثم النظر فيما يمكن تقديمه للفلسطينيين.
وأضاف لافروف”كل ما يظهر من جديد هو سلبي، فهناك محاولة لحذف كل ما تم التوصل إليه حتى الآن وأقصد بذلك قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومبادئ مدريد وأوسلو، ولا سيما مبادرة السلام العربية التي اقترحت حل المشكلة بإعلان حل الدولتين”، موضحًا أن هناك حاليا محاولات لقلب مبادرة السلام العربية رأسا على عقب بتقديم التطبيع أولا بين العرب وإسرائيل، ثم النظر هل هناك أي شيء ضروري يمكن فعله بشأن الفلسطينيين.
مؤتمر صحفي بين وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير ونظيره الروسي
المصالح الروسية أولا
وإن كانت الجولة تحمل إعلاميا شعار الملف السوري إلا أن الواقع يذهب إلى ماهو اكبر من ذلك، فالمصالح الروسية في المنطقة وتعزيز نفوذها في مواجهة النفوذ الأمريكي هو الإطار الأعم والأشمل لكافة التحركات الروسية، إذ أن فكرة التدخل في الميدان السوري من البداية كنت تحت هذا الهدف.
الهرولة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة نحو الخليج لتعويض الخسائر التي تكبدتها في الملف السوري والأفغاني فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأمريكان جرًاء سياسة الرئيس دونالد ترامب الحمائية في مقابل خضوع العديد من الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية لهذا الابتزاز كان دافعا قويا لاختراق موسكو السور الخليجي.
من المتوقع ألا تسفر جولة وزير الخارجية الروسي سوى عن حزمة تفاهمات اقتصادية تصب في مصالح جميع الأطراف دون إحداث أي تغيير حقيقي في الملفات التي تضمنتها عنوان الزيارة
موسكو التي تعاني من توترات اقتصادية في الأونة الأخيرة تسعى إلى سحب المزيد من الاستثمارات الخليجية لتعويض ما تعانيه من عجز، ومن ثم كانت الجولة الخليجية، حيث مصادر الطاقة الكبرى وأسواق الاستثمارات الهائلة، في محاولة لمنافسة الأمريكان في هذا المضمار.
ولم يكن تجنب فتح ملف قضية اغتيال جمال خاشقجي خلال مباحثات لافروف مع العاهل السعودي، حسبما أفاد مبعوث روسيا الخاص إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، سوى حلقة واحدة من حلقات المساعي الروسية للبحث عن مصالحها أولا دون أي اعتبارات أخرى، حتى لو كان ذلك على حساب الالتزام بمعايير حقوق الإنسان وغض الطرف عن الانتهاكات المرتكبة في هذا الشأن.
وفي المجمل فمن المتوقع ألا تسفر جولة وزير الخارجية الروسي سوى عن حزمة تفاهمات اقتصادية تصب في مصالح جميع الأطراف دون إحداث أي تغيير حقيقي في الملفات التي تضمنتها عنوان الزيارة، في انتظار جولات مكوكية أخرى ينتظر أن تشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة.